يبدو أن الحكومة المغربية قد تجد صعوبات كبيرة قبل إقرار وصفتها لإصلاح أنظمة التقاعد التي باتت مهددة بالإفلاس، ولعل آخر هذه الصعوبات، الرفض المطلق الذي أبدته الاتحادات النقابية لمقترح تقدمت به الحكومة يقضي برفع سن الإحالة للتقاعد من 60 إلى 62 عاما. غير أن المقترح الحكومي قوبل برفض مطلق من قبل اتحادات عمالية بارزة في البلاد، وفي مقدمتها الاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة بالمغرب، إضافة إلى كل من الكونفديرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في حين لا يزال الترقب سيد الموقف بخصوص موقف الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وهو نقابة مقربة من حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، قائد الائتلاف الحكومي، بشأن هذا المقترح. ويأتي هذا الرفض العمالي لأولى وصفات الحكومة لوقف نزيف أنظمة التقاعد في المغرب بعد أقل من شهرين على اجتماع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، بقيادات الاتحادات النقابية لتقديم الخطوط العريضة لخطته لإنقاذ صناديق التقاعد من الإفلاس. وحتى الساعة، لم يصدر عن الحكومة أي رد فعل رسمي عن هذا الرفض النقابي، وما إذا كانت هناك إجراءات بديلة قد تلجأ إليها لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والنقابات، لكن لا يستبعد أن يطلق بنكيران، بمجرد عودة ووزرائه من عطلتهم السنوية أواخر الشهر الجاري، بالبدء في وضع الترتيبات لعقد لقاءات أخرى مع القيادات النقابية بهدف إقناعهم بجدوى قبول خطته ودعمها خصوصا في ظل التكلفة الكبيرة لعدم تنفيذ هذا الإصلاح أو تأخيره، بحسب مراقبين. وسيكون عامل الزمن حاضرا بقوة في تعامل بنكيران مع هذه القضية، ذلك أن رئيس الحكومة المغربية كان قد تعهد، في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن يكون 2014 عام إصلاح أنظمة التقاعد، وهو التعهد الذي جدد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، التزام الحكومة به في أكثر من مناسبة. وفي المقابل، يمكن للحكومة أن تستعين بأوراق رابحة لانتزاع توافق مع النقابات بشأن هذا الإصلاح. ومن أبرز هذه الأوراق ما خلص إليه تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، الذي يعتبر أعلى محكمة مالية في البلاد، عن الوضعية المالية لصناديق التقاعد، ذلك أن إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أكد، في كلمة له بالبرلمان المغربي، في مايو/أيار الماضي، أن "وضعية أنظمة التقاعد تشكل خطرا على توازن المالية العمومية". وأطلق إدريس جطو كذلك تحذيرات من مغبة تأخير تفعيل هذا الإصلاح، وهي التحذيرات التي تدعم إلحاح بنكيران على التعجيل بهذا الأمر. وقال جطو، متحدثا عن أنظمة التقاعد، إنه "وبالنظر إلى التأخّر المسجل في مباشرة الإصلاحات، يتوقع أن تزداد هذه الوضعية سوءاً، علما أن ميزانية الدولة، ومهما كانت الظروف، لن تستطيع أن تحل محل أنظمة التقاعد أمام ثقل الالتزامات المسجلة". ويتوفر بنكيران أيضا على ورقة رابحة أكثر أهمية أيضا، وهي الأرقام التي تكشف عن الخطر المحدق بتقاعد المغاربة في حال عدم القيام بأي خطوة إصلاحية، إذ تتوقع الحكومة المغربية أن يصل العجز المالي في صناديق التقاعد في حال عدم القيام بإصلاح سريع إلى 22 مليار درهم ( 2.7 مليار دولار) في سنة 2022، ما سيفرض على الخزينة المغربية ما بين سنتي 2014 (سنة بداية العجز) وسنة 2022 سداد 125 مليار درهم ( 15.2 مليار دولار) كعجز مالي، علما بأن بنكيران وعد غداة تنصيب حكومته مطلع العام 2012 بإصلاح أنظمة التقاعد. وفي حال فشل هذه المعطيات في إقناع النقابات، ومعها أحزاب المعارضة، بخطة بنكيران لإنقاذ أنظمة التقاعد المغربية، فإن ثمة مقترحا ثانيا كان خيارا مطروحا لوقف النزيف المالي لهذه الأنظمة، ويتعلق الأمر برفع مساهمة المنخرطين في صناديق التقاعد، غير أن الحكومة لم تلمح حتى الساعة إلى إمكانية السير في هذا الاتجاه. يشار أيضا إلى أن هذا الإصلاح لم يعد "ضرورة" و"أمرا مستعجلا" كما يقول عبد الإله بنكيران، بل إنه أيضا صار ضمن حزمة الإصلاحات التي تطالب بها مؤسسات مالية دولية لمواصلة دعم جهود المغرب لتجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية عليه وتطوير الاقتصاد المحلي. وفي هذا السياق، تأتي مطالبة صندوق النقد الدولي، خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، للمغرب بإجراء إصلاحات هيكلية، ضمنها إصلاح أنظمة التقاعد، وذلك بعيد أيام قليلة من موافقة الصندوق على منح تسهيل ائتماني للمغرب بقيمة 5 مليارات دولار يمتد على سنتين.