الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، مرشح رئاسي جاء من خارج المنظومة الحزبية التركية، وهو باحث مهتم بالحقل الثقافي والأكاديمي ولم يعرف عنه أي انخراط في الحياة السياسية. ولد وعاش طفولته وشبابه في مصر، ثم تخرج من جامعة عين شمس. تخصص في دراسة تاريخ العلوم عند المسلمين، وله كتابات غزيرة في هذا المجال، مما أهله لإدارة مركز الأبحاث للتاريخ والفنون الإسلامية في اسطنبول نحو ربع قرن، ثم ترشح بدعم من بلاده لمنصب أمين منظمة التعاون الإسلامي. عرف باعتداله واعتزازه بالثقافة الإسلامية وعلاقاته الوثيقة بالعالم العربي والإسلامي. هسبريس التقت الدكتور أوغلو في آخر يوم لحملته الانتخابية أثناء جولته في إسطنبول فكان الحوار التالي: بزغ مؤخرا اسم أكمل الدين احسان أوغلو كمرشح فوق العادة للانتخابات الرئاسية للجمهورية بدعم من 14 حزبا سياسيا مع العلم أن شخصكم لم يزاول العمل السياسي التنظيمي من قبل، فما هي يا ترى دوافعكم والاسباب التي جعلتكم تخوضون غمار هذه الانتخابات؟ في الواقع، القرار أو الطلب جاء من حزبين كبيرين وهما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، اتفقا على أن يرشحا شخصية واحدة مقبولة ليس فقط من طرف الحزبين وإنما حتى من الشعب التركي كله، وأن يكون من الشخصيات المعروفة بالاستقامة والنزاهة، يتوافق مع طبيعة الشعب المحافظة، لذلك أعتقد أن هذا الترشيح جاء بعد تفحص كبير لعدد من الأشخاص، فشعبنا تعداده 76 مليون مواطن، وقد قبلت هذا الترشيح رغم أنني لا علاقة لي بخوض غمار الحياة السياسية، فهذا الموقع الذي ترشحت له فوق كل اعتبار سياسي. كيف مرت أجواء الحملة الانتخابية وهل كانت منسجمة مع قناعاتكم قبل الترشح؟ لقد دهشت كثيرا ببعض الآثار السلبية التي خلفها السيد أردوغان في صفوف الشعب، وتوفر رغبة كبيرة عند عدد كبير من الناس في التغيير واختيار أسلوب أهدأ لإدارة الدولة وتحقيق تفاهم بين طبقات الشعب التي استقطبها السيد أردوغان بدعوى الحصول على الدعم السياسي لنصف الأمة وإهمال النصف الآخر وبهذا المنهج الاستقطابي وصل إلى رئاسة الحكومة. الآن الشعب يريد رئيسا للعائلة كلها، وليس لنصف العائلة، أو رئيس لا يستعدي نصف العائلة ضد النصف الآخر، وأيضا يريد رئيسا يحسن من صورة تركيا بالخارج وتطوير علاقاتها مع جيرانها وحلفائها. أعددتم رؤية سياسية تحت عنوان: "أكمل الدين من أجل الخبز" وهي رؤية يستشف منها أنها جاءت لتحقيق المطلب البسيط للمواطن التركي والمتمثل في تحقيق رغيف عيشه في حين أن تركيا تنظرها اوراش كبرى تتجاوز ذلك مثل محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والتضخم المالي والعزلة السياسية، حبذا لو تبسط لنا أكثر أهم أهدافك الاستراتيجية في رؤيتك السياسية؟ الخبز هو رمز وشعار لرؤية سياسية كبيرة طرحنا فيها أزيد من 10 نقاط أساسية، الخبز هنا معناه، الحياة، استمرارية الحياة، الرزق الحلال، تأمين المعيشة، والسعي من أجل حياة شريفة، رأيت الناس في هذه الجولة يمسكون بالخبز وينادون به في شعاراتهم. الرؤية الآن هي تحقيق السلم الاجتماعي، الذي سيجعل الناس أكثر سعادة، ويجعل الاقتصاد التركي قويا وهو الذي يمر حسب تصريحات الوزير المكلف بالاقتصاد بمرحلة حرجة، من جراء تناقص مساهمة الصناعة في الناتج القومي، والاعتماد على قطاع البناء والإسكان خلف بالونا كبيرا يكاد ينفجر، اقتصاد يعاني من المديونية الكبيرة، الدخل القومي لم يتزايد لمدة 4 أو 5 سنوات، وفوائد القروض الممنوحة للمواطنين كبيرة جدا، البطالة متفشية... في سياق آخر، تركيا انعزلت سياسيا في علاقاتها مع الجوار والعالم العربي، مع دول الخليج ساءت، مع دول الاتحاد الأوربي ساءت ، علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست على ما يرام، لهذا الشعب يريد تغييرا مستعجلا بطريقة ناعمة لا تسبب له أية انقسامات أو أضرار جانبية. ورد في أحد التصريحات المنسوبة إليكم بأن تركيا ما كان لها أن تكون طرفا في الصراع الحالي بين غزة واسرائيل، وهذا ما كان سيؤهلها للعب دور الوساطة وحقن دماء الشهداء، كيف تفسرون ذلك؟ هذا خطأ، هذا افتراء من رئيس الوزراء وسجل هذا، وقد رددت عليه، كنت في أحد الحوارات مع السيد "طه أديوك"، في CNN التركية وذكرت أن تركيا لا يجب أن تكون طرفا في النزاعات العربية، لأن النزاعات العربية هي نزاعات بين الاخوة الأشقاء، وفي لحظة ما، الاشقاء يتصالحون، وتصبح الدول التي كانت طرفا في النزاع مرفوضة من الطرفين، هذا هو الذي قلته، فهو أضاف إلى كلامي ما ذكرته في تصريحك. هذا محض افتراء من أردوغان وأعوانه، كما ذكرت في ردي عليه، بأني خدمت القضية الفلسطينية من خلال موقعي السابق طيلة 9 سنوات، حيث تمكنت من تحقيق إيقاف إطلاق النار والتفاهم بين فتح وحماس سنة 2006، بعد ذلك دخلنا الأممالمتحدة وحقوق الانسان سمة 2008 و 2009 وعملنا على استصدار أمر بإرسال لجنة لتقصي الحقائق إلى غزة، على رأسها "غولدستون". وتتذكرون تقريره الشهير والذي كان لي الفضل فيه بعد الله وبدعم من الدول الأعضاء، وبتفاهم مع الحكومة الفلسطينية، وكذلك إصدار خطة استراتيجية للقدس متضمنة لقطاعات الصحة والإسكان والتعليم، وقد وافقت عليها القمة الإسلامية، ذكرت كل هذا وقلت في نهاية الأمر، أنني وشحت من طرف الرئيس عباس بأعلى وسام في فلسطين وهو نجمة القدس، بينما الصحافة اكتشفت بأن الرئيس أردوغان تسلم من اللوبي الإسرائيلي وسام الشجاعة، فمن هو الذي خدم فلسطين وكافأته، ومن خدم إسرائيل وكافأته؟ تركيا في حال فوزي سيكون لها دور أكبر في القضية الفلسطينية، عبر دبلوماسية هادئة والتعاون مع كافة الأطراف، وبتنسيق تام مع الحكومة الفلسطينية وليس الأجنحة المعاكسة. كلمة أخيرة إلى قراء هسبريس والمغاربة عموما تجمعني بالمغرب وبوزارة الخارجية المغربية علاقات جيدة جدا، وكذلك بالمثقفين المغاربة، والمغرب بلد عزيز على كل المسلمين لأنه يجمع بين الأصالة والحداثة، وأيضا لدي علاقة وطيدة مع وزراء مرموقين سابقين، كوزير الثقافة سابقا الدكتور علال سي ناصر، والأستاذ محمد بنعيسى الذي يدعوني دائما لحضور منتدى أصيلة، لكنني في كل سنة يطرأ طارئ يحول بيني وبين الحضور كما هو الحال في انتخابات الرئاسة لهذه السنة، إن شاء الله أذهب إليه رئيسا.