في الوقت الذي يخيم رعب قاتل داخل أوساط سكان المدينة القديمة، المهددة منازلهم بالسقوط، يفضل مسؤولو عمالة آنفا وولاية الدارالبيضاء، المشرفين على ملف ترحيل الأسر المعنية بمشروع "المحج الملكي"، والتي تقيم في دور المدينة العتيقة الآيلة للسقوط، متابعة هذا الملف الشائك من مكاتبهم المكيّفة في منطقة آنفا وسط العاصمة الاقتصادية. ويوثر رجال الإدارة الترابيّة، والموظفون التابعون لهم، متابعة كل التطورات الميدانية عبر القنوات التقليدية التي تقوم على صياغة التقارير ورفعها للمسؤولين في العاصمة الرباط، وذلك بالرغم من كون الملف يقض مضجع كل هؤلاء منذ ما ينيف عن20 سنة. ويسود التخوف، الممزوج بالرعب من فقدان الحياة، أوساط سكان "درب بوطويل"، وبالضبط "زنقة كلميمة"، بعد أن تمّ تسجيل سقوط جزئي لبعض أسقف البيوت في المنطقة، وظهور تصدعات يقول السكان إنها "تنبئ بإمكانية حدوث كارثة". وقال عبد الله، القاطن منذ سنوات طويلة بالمنطقة، إنه يخشى على مصير أبنائه وزوجته بعد سقوط سقف بيته المتواجد في الطابق الثاني من منزل نخرت الرطوبة كل جنباته كما شاءت. عبد الله، الذي يقتات هو وأبناؤه وزوجته مما تجود به صنارته يوميا من أسماك، ليس بمقدوره تحمل الأقساط الشهرية للانتقال إلى منزل من 50 مترا مربعا، والذي تقترحع عليه "صوناداك" بقيمة ماليَّة تصل إلى 20 مليون سنتيم. ويقول عبد الله لهسبريس: "أكتري هذه الشقة المهترئة بسومة كرائية تصل إلى 400 درهم شهريا..ولا مدخول لدي سوى ما تجود به صنارتي التي ألقيها للبحر..أما المسؤولون فيريدون أن يفرضوا علي اقتناء شقة بمبلغ 20 مليون سنتيم، وتسديد الثمن بواسطة قرض بنكي بأقساط شهرية تبلغ 1700 درهم.. لا أتوفر على هذا المبلغ بتاتا، ولا أستطيع الالتزام بما يريدونه منّي من مال". ذات المعاناة تسري على العديد من الأسر الأصلية المقيمة منذ عشرات السنين في هذا الحي الشعبي، والتي يبدو أن المسؤولين المحليين بالمدينة غير مكثرتين بمعالجة حالاتها.. يقول يوسف بوخشبة، رئيس جمعية مستقبل الدارالبيضاء، الذي يؤكد وجود عشرات الأسر التي تعيش وهي تنظر إلى أسقف منازلها منتظرة الفاجعة. ويصرح بوخشبة أن الأسر غير قادرة على أداء مبلغ 200 ألف درهم نظير حصولها على شقة في ضواحي الدارالبيضاء، بل هم متوجسون من مغادرة سكنهم الحالي بأقدم منطقة حضرية في العاصمة الاقتصادية للمغرب، بينما يبلغ ثمن المتر المربع الواحد بذات الحي ما لا يقل عن 50 أو 60 ألف درهم. سعد لعشفوبي، المدير العام للشركة الوطنية للتجهيز الجماعي، المعروفة اختصارا ب"صوناداك"، كان قد واجه ممثلي المحتجين من ساكنة المدينة القديمة، المعنيين ب "قضية 20 مليون سنتيم"، بالتأكيد على عدم قدرته اتخاذ القرار لوحده في هذا الإشكال، مطالبا بفترة حتّى يعود إلى المجلس الإداري ل "صوناداك" من أجل الحسم في الأمر، بينما غابت المستجدات حتى الحين. برنامج ترحيل آلاف سكان المدينة القديمة المعنية بمشروع "المحج الملكيّ" كان قد تمّ تسطيره في سنة 1996 من أجل تحريك العوائل صوب "حي النسيم"، بإشراف شركة صوناداك، ليصل عدد الأسر التي تم ترحيلها إلى هذا الحي حوالي 2500 أسرة من أصل 12 ألفا التي تم الاتفاق على ترحيلها.