قال الدكتور مصطفى بوهندي، مدير مركز أديان للبحث والترجمة بالمحمدية، إن مدار رجم الزناة تقوم على أربعة أحاديث أوردها البخاري ومسلم في روايات عديدة، كانت أساس تكريس أحكام الرجم في التراث الديني واعتبارها من القرآن الكريم"، مؤكدا أن "أحاديث آية الرجم كلها لا تقوم على شيء، وتناقض أحكام القرآن". وأفاد بوهندي، في مقال خص به هسبريس، أن "أحاديث آية الرجم هي من اجتهادات الفقهاء ورواياتهم، وأخبار أهل الكتاب وأقوالهم"، مضيفا أنها "أحاديث أرادت إدخال آية الرجم إلى القرآن، وإرجاع شريعة الإصر والأغلال إلى منظومة الإسلام"، ليخلص إلى أنها "أحكام ساقطة في الحال والاستقبال" وفق تعبيره. وهذا نص مقال بوهندي كما ورد إلى الجريدة: لا رجم في الإسلام أحاديث آية الرجم (1) سألني الصحفي عن الرجم هل هو حكم من أحكام الإسلام؟ ولماذا صفحت آيات القرآن عن ذكره أو الإشارة إليه؟ وأثارني أصحاب دولة الإسلام في العراق والشام الذين جعلوا من أول مظاهر تطبيق شريعة إسلامهم رجم امرأتين بالحجارة حتى الموت بدعوى الزنا؟ وأكمل المشهد فريق من السادة المسيحيين الذين تخصصوا، بدل الدعوة إلى دينهم، في مهاجمة دين الإسلام وقرآنه وأحكامه والصد عنها، وكان أحد مداخل مهاجمتهم هو موضوع الرجم وهمجيته ووحشيته، واجتهدوا كثيرا في البحث عن كل رواية ومقولة في تراث المسلمين تشهد لهم على ذلك. إن أول ما ينبغي الانتباه إليه، هو عدم تحدث أي مقطع أو سورة أو قصة من القرآن الكريم، عن شيء اسمه "حكم الرجم" الخاص ب"الزناة" أو بغيرهم، رغم الاعتقاد الشائع عند الكثيرين بوجود آية في القرآن تسمى "آية الرجم". وهو ما يجعل السؤال مشروعا عن سبب غياب، حكم (من الأحكام الشرعية) هو الأكثر شدة (يتعلق بإزهاق أنفس الناس بأبشع طريقة عرفها البشر)، من القرآن الكريم، وحضوره القوي في المدونات الإخبارية والعلمية لأحكام الشريعة وأدبيات أصحابها؟ سنتناول موضوع الرجم، من خلال مدارسة أحاديث آية الرجم عند البخاري ومسلم في صحيحيهما وعلاقتها برسالة الإسلام، ممهدين لذلك بإطلالة سريعة، عن كيفية تناول القرآن الكريم والكتب المقدسة لهذا الموضوع. تمهيد: جاء الحديث عن الرجم في القرآن الكريم باعتباره عملا إجراميا يقوم به الكفار والمشركون والمجرمون ضد الأنبياء والمؤمنين والصالحين، وليس العكس؛ إذ هدد أبو إبراهيم ابنه بالرجم في قوله: أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا"مريم (46). وهدد قوم شعيب نبيهم بالرجم: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ هود (91). وخاف موسى من فرعون أن يرجمه: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ الدخان (20). وهدد به قوم الأنبياء الثلاثة أنبياءهم: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ يس (18). وخشي أصحاب الكهف من قومهم أن يرجموهم ، فقالوا: "إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا الكهف (20). لكن القرآن الكريم لم يحدثنا أبدا أن نبيا أو صالحا كان يرجم المخالفين، أو أن حكما شرعيا كان له علاقة بالرجم. أما عن ورود الرجم في الكتب المقدسة، فهو يتفق مع البيان القرآني من جهة، في تعرض مجموعة من الأنبياء والصالحين للرجم من قبل أقوامهم، وآخرهم تلميذ السيد المسيح عليه السلام استفانوس (أعمال الرسل 7/59)، الذي قضى تحت الحجارة، وبولس الذي كاد يموت رجما كذلك، إذ ظنه الراجمون ميتا وسحبوه على الأرض (أعمال الرسل 14/ 19). وأخبرتنا مجموعة من نصوص العهد القديم،من جهة ثانية،عن رجم من أشرك بالله، وعبد معه آلهة أخرى أو قدم لها ذبائح وغير ذلك. كما أخبرتنا أن بعض عقوبات الزنى كانت رجما بالحجارة حتى الموت. وهذا نص من سفر التثنية يقدم لنا تفصيلا بذلك: " –يُخْرِجُونَ الفَتَاةَ إِلى بَابِ بيْتِ أَبِيهَا وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوت َلأَنَّهَا عَمِلتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيل بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. (22) «إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعاً مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْلٍ يُقْتَلُ الاِثْنَانِ: الرَّجُلُ المُضْطَجِعُ مَعَ المَرْأَةِ وَالمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيل. (23) «إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي المَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا (24) فَأَخْرِجُوهُمَا كِليْهِمَا إِلى بَابِ تِلكَ المَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أنها لمْ تَصْرُخْ فِي المَدِينَةِ وَالرَّجُلُ مِنْأ َجْلِ أَنَّهُ أَذَل امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ." (سفر التثنية 22/ 21-24). أما الإنجيل فقد جاء ليخفف عن بني إسرائيل كثيرا مما شددوا به على أنفسهم. ويحل لهم بعض الذي حُرِّم عليهم، ليس بأمر ربهم، وإنما باجتهاد أحبارهم ورهبانهم. جاء في إنجيل يوحنا ما يُبيِّن هذا التخفيف، من خلال قصة السيد المسيح مع الجارية التي أراد اليهود أن ينفذوا فيها حكم الرجم حسب شريعة موسى على حد قولهم، تقول القصة: "وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ (4) قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ (5) وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» (6) قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَان َيَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. (7) وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أ َوَّلاً بِحَجَرٍ!» (8) ثُمَّ انْحَنَى أَيْضاً إلى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. (9) وَأَمَّاهُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً مُبْتَدِئِين َمِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسَطِ. (10) فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَداً سِوَى الْمَرْأَةِ قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ أَيْنَهُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» (11) فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً». (إنجيل يوحنا 8/3-11). لقد أسقط السيد المسيح عليه السلام ما جاءت به التقاليد، لكنه لم ينقض الدين، وإنما أكمله. كذلك كان الأمر بالنسبة للقرآن الكريم، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه القرآن وعن الذين يستمعون إلى الحق الذي جاء به ويتبعونه، وخصوصا من أهل الكتاب: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "الأعراف (157). لقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة بينة في القرآن عن هذا الموضوع، حسم بها الخلاف في عقوبة الزانية والزاني، أطلق عليها سورة النور؛ بين فيها أن ليس في الدين عقوبة تسمى الرجم، وإنما هي تقاليد الجاهلية وآصارها وأغلالها، وأساطير الأولين. وهو ما سنراه بتفصيل عندما نتعرض لمدارسة السورة إنشاء الله. أما في هذه الحلقة فسنركز على مدارسة الأحاديث التي كانت مصدر الآية الرجم في الإسلام، والتي لم يكن التساؤل عنها أمرا جديدا على الثقافة الإسلامية العالمة منذ عصور التدوين الأولى وإلى هذا العصر؛ ولذلك فإن نقاشا عتيدا جرى في القديم، سجلته هذه الروايات والأحاديث، وصيغت بموجبه مقولات ونصوص، أريد لها أن تكون فيصلا في الأمر وحاسمة للخلاف. آية الرجم عند البخاري ومسلم: مدار آية الرجم على أربعة أحاديث أوردها البخاري ومسلم في روايات عديدة، كانت هي أساس تكريس أحكام الرجم في تراثنا الديني واعتبارها من القرآن الكريم. وسنحاول في هذه المدارسة أن نرى إلى أي حد ترتبط هذه (الآية) بالقرآن الكريم، وهل هي آية من آياته ونص من نصوصه؟ 1- حديث لانجد الرجم في القرآن: سنبدأ مدارستنا بالحديث الذي يقول: إن آية الرجم كانت آية من القرآن وقد قرآها الأسلاف وعملوا بموجبها ويخافون أن يأتي يوم فيقوم بعض الناس يتساءلون عن سبب غياب هذه الآية من القرآن، ويرفضون العمل بموجبها من أجل ذلك؛ كما نفعل نحن اليوم؟! جاء في مقطع من حديث طويل رواه عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب، في روايات عديدة، أنه قال: "إن الله بعث محمدا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقُلْناها ووعيناها، رجم رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف،" (البخاري 6829؛ 6830؛ 7323) (مسلم 1691). يلاحظ أن هذه الرواية تحدثت عن (آية الرجم) معتبرة إياها مما نزل من القرآن، وأن الناس قرأوها وعقلوها ووعوها وعملوا بها؛ لكنهم يخشون على لسان عمر بن الخطاب أن يأتي زمان ويقول قائل: "ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله". ثم يواصل الراوي على لسان عمر بن الخطاب: "والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف." الواضح أن الجزء الأول من الرواية المتحدث عن نزول آية الرجم وكونها من القرآن خبر يحتاج إلى تأكيد، ويناقضه واقع الحال الذي يقوله القائل: "لا نجد آية الرجم في كتاب الله"؛ لكن الجزء الثاني من الرواية المتحدث عن كون "الرجم حق في كتاب الله على من زنى إذا أحصن ..إلى آخره" فهو غير صحيح، لأن الآية لا وجود لها فعليا في القرآن، باعتراف الرواية ذاتها، فكيف تكون حقا إذن؟" يبقى السؤال مطروحا لماذا نزلت هذه الآية؟ ولماذا أزيلت؟ وكيف بقيت أحكامها سارية المفعول وهي غير موجودة في القرآن؟ ولماذا لا يتحدث القرآن عن زوالها وبقاء أحكامها في نفس الوقت؟ وكيف يجب على الناس العمل بها وهي غير موجودة؟ ولم لا يكون هذا الحكم مدسوسا أو مزورا ومكذوبا على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون من شريعة الإصر والأغلال التي أراد أعداء الله ورسوله تمريرها إلى شريعته ودينه من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير، حسدا من عند أنفسهم وطعنا في الدين؟ يلاحظ أن الشيخين (البخاري ومسلم) لم يذكرا صيغة الآية، كما لم يذكر صيغتها أصحاب الكتب الستة كذلك، إلا ما كان من رواية ابن ماجه (2038)، التي جاء فيها: "1 - قالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ : لقد خَشيتُ أن يطولَ بالنَّاسِ زمانٌ حتَّى يقولَ قائلٌ : ما أجدُ الرَّجمَ في كتابِ اللَّهِ ، فيضلُّوا بتركِ فريضةٍ من فَرائضِ اللَّهِ ، ألا وإنَّ الرَّجمَ حقٌّ ، إذا أُحْصِنَ الرَّجلُ وقامتِ البيِّنةُ ، أو كانَ حَملٌ أوِ اعترافٌ ، وقد قرأتُها الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّةَ رجمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ورجَمنا بَعدَهُ". إن المتأمل في ما أسموه آية الرجم، والتي جاءت صيغتها على هذا الشكل: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموها البتة"، يرى أنها جملة ركيكة أسلوبا ومعنى، فكيف تكون قرآنا؟ ما المقصود بالشيخ والشيخة؟ هل هما غير أولي الإربة من الرجال والنساء الذين بلغوا من العمر عتيا؟ وكيف يزنون إذا صاروا إلى أرذل العمر؟ وما علاقة الشيخ بالمحصن؟ وأين حكم الشاب والكهل فيها؟ أين كل هذا من سورة النور التي "فرضناها وبيناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون؟" هل ستبدل أحكامها المفروضة والمبينة وآياتها البينات للذين يتذكرون، بأحكام الإصر والأغلال والرجم بالحجارة التي اعتادت عليها الجاهلية؟ أليست أحكام سورة النور هي أحكام كل رجل وامرأة ثيب وبكر؟ أليست أحكامها تختص بكل النساء المؤمنات ثيبات وأبكارا؟ أليست التهم المتبادلة بين الأزواج التي عالجتها، وقذف المحصنات واللعان إنما هو لنساء ورجال متزوجين أصلا وليسوا أبكارا، وأن الذي عليهم في جميع الأحوال إذا ثبتت البينات، هو الجلد ثمانين للقاذف ومائة للزاني ؟ فكيف إذن صار حكم الثيب مخالفا لحكم البكر، بينما أحكامهما في السورة سواء، وحتى موضوع الإفك إنما نسب إلى امرأة متزوجة، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكيف أمكن إخراج المحصنين من أحكام السورة التي نزلت في شأنهم، والحكم عليهم برواية ركيكة قاسية نسبت ظلما إلى القرآن، وتناقض رحمة الإسلام؟ لم يكن العلماء غافلين عما أثارته آية الرجم من إشكالات في علاقتها بسورة النور، وهو ما أورده الشيخان من حديث الشيباني وهو يسأل عبد الله بن أبي أوفى عن السابق من الأمرين هل هو الرجم أو سورة النور، قال: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفَى : هل رجمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ قال : نعم . قال قلتُ : بعد ما أُنْزِلَتْ سورةُ النورِ أم قبْلها ؟ قال : لا أدري . (البخاري: 6813؛ 6840؛ مسلم: 1702). الواقع أن الجواب على هذا السؤال بعدم العلم، يبدو منه الدلالة على الارتباك والإحراج أكثر منه على شيء آخر؛ فالمعلوم أن الرجم ليس في القرآن، بينما توجد سورة النور فيه، مما يدل على أنها الباقية الثابتة المفروضة، وأن ما سبقها من أحكام سواء كانت للأمم السابقة أو العادات والتقاليد الجاهلية فهي باطلة بنزول هذه السورة؛ ولا يمكن أن يكون حكم الرجم نازلا بعد سورة النور، وتبقى سورة النور بعده ويغيب حكم الرجم؟ لقد هرب المسؤول بقوله لا أدري من الجواب عن السؤال؛ وإلا فقد كان عليه أن يسقط حكم الرجم الذي أبطلته سورة من القرآن، سميت سورة النور. إن إسقاط حكم درج العلماء على كونه من أحكام الشريعة سيربك فعلا كل عالم سئل عنه، وسيهرب من السؤال بقوله لا أدري، حتى لا يتحمل عواقب أي جواب يصدر عنه ومآلاته. 2- حديث رجم اليهودي واليهودية: ورد حديث اليهودية واليهودي الذين رجما بآية الرجم، عند البخاري ومسلم في روايات عديدة(البخاري: 3635؛ 6819؛ 6841) (مسلم: 1699؛ 1700) ، وهذه إحدى صيغ الحديث كما جاءت في البخاري (4556): أن اليهودَ جاؤوا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برجلٍ منهم وامرأةٍ وقد زَنَيا، فقال لهم : ( كيفَ تفعَلون بمَن زَنَى منكم ) . قالوا : نُحَمِّمُهما ونَضرِبُهما، فقال : ( لا تَجِدون في التَّوراةِ الرَّجمَ ) . فقالوا : لا نَجِدُ فيها شيئًا، فقال لهم عبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ : كذَبْتُم، فأتُوا بالتَّوراةِ فاتْلوها إن كنتُم صادِقين، فوضَع مِدراسُها الذي يُدَرِّسُها منهم كَفَّه على آيةِ الرَّجمِ، فنزَع يدَه عن آيةِ الرَّجمِ، فطَفِقَ يَقرَأُ ما دون يدِه وما وَراءَها، ولا يَقرَأُ آيةَ الرَّجمِ، فنزَع يدَه عن آيةِ الرَّجمِ فقال : ما هذِه ؟ فلمَّا رأَوا ذلك قالوا : هي آيةُ الرَّجمِ، فأمَر بهما فرُجِما قَريبًا من حيثُ موضعُ الجَنائزِ عِندَ المسجدِ، فرأيتُ صاحِبَها يَجْنَأُ عليها، يَقيها الحِجارَةَ". الملاحظ ودون أن ندخل في التفاصيل، أن آية الرجم الواردة في هذا الحديث لا علاقة لها بالنص القرآني، وهي إنما توجد في نص توراتي، ولم يحكم بها الرسول صلى الله عليه وسلم، حسب الرواية، على المسلمين، وليس فيقرآن المسلمين مثل ذلك الحكم، ولا سبيل إلى إلحاقه به عن مثل هذه الرواية. أما أن يكون الرسول الكريم قد حكم بين اليهود بتوراتهم التي يخفون، وأنهم سمحوا له بذلك، حتى أقام عليهم حد الرجم، فهو محل نظر،ويصعب كثيرا تصديقه. 3- حديث القضاء بكتاب الله: أما الحديث الثالث فهو من حديث أبي هريرة ورد من روايات متعددة عند البخاري ومسلم (1697؛ 2695؛ 2724؛ 6633؛6827؛ 6835؛ 6842؛6859؛ 7193؛ 7260؛) وهذه واحدة من صيغه عند البخاري: أن رجلَيْنِ اختصَمَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدُهما : اقضِ بيننا بكتابِ اللهِ . وقال الآخرُ ، وهو أَفْقَهُهما : أجلِ يا رسولَ اللهِ ، فاقضِ بيننا بكتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي أَنْ أَتَكَلَّمَ . قال: تكلم . قال : إن ابني كان عسيفًا على هذا - قال مالكٌ : والعَسِيفُ الأَجِيرُ - زنى بامرأتِه ، فأَخْبَروني أن على ابني الرجمَ ، فافَتَدَيْتُ منه بمائةِ شاةٍ وجاريةٍ لي ، ثم أني سأَلْتُ أهلَ العلمِ ، فأَخْبَروني أن ما على ابني جلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ ، وإنما الرجمُ على امرأتِه ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيدِه، لأَقَضَيَنَّ بينكما بكتابِ اللهِ ، أما غَنَمُك وجاريتُك فرَدٌّ عليك . وجلَدَ ابنَه مائةً وغرَّبَه عامًا ، وأمَرَ أُنَيْسًا الأسلميَّ أن يأتيَ امرأةَ الآخرِ ، فإن اعتَرَفَتْ رجَمَها ، فاعتَرَفَتْ فرَجَمَها". الملاحظ أن غاية هذا الحديث يقصد إلى إعطاء أحكام العلماء مشروعية حكم كتاب الله، من خلال إقرار رسول الله صلى الله عليه لهم بذلك، وهو الأمر الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم ، حسب الرواية، عندما أمر بجلد العسيف وتغريبه عاما، وبرجم المرأة إن اعترفت. غير أن هذا الحكم وإن حكم به العلماء، وأقره الرسول في الرواية فإنه لا وجود له في كتاب الله؛ ثم إن أسلوب الرواية تظهر فيه جرأة كاتبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما يطالبه الخصمان بالقضاء بينهما بكتاب الله، بعد أن سألا أهل العلم وأخذا منهما جوابا. هل كان سيحكم بينهم بغير كتاب الله؟ وما معنى هذا الطلب؟ ثم من هم أهل العلم الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقضون بين الناس؟ أهم بعض الصحابة، ومن عينهم في القضاء أو الفتوى؟ وكيف يقضون بين الناس بدون علم رسول الله وهو أميرهم، ومن أين لهم بالحكم بالرجم على امرأة الرجل؟ أم هم من علماء أهل الكتاب، الذين عندهم آية الرجم ويريدون الحكم بها خصوصا على المسلمين؟ لكل ما سبق فإن قضاء الرجم في هذه الروايةباطل،وكذلك دعوى الحديث أن حكم الرجم حكم من أحكام كتاب الله. إلا أن تكون الرواية إسرائيلية، وكتاب الله فيها هو النص التوراتي الذي توجد به أحكام الرجم كما سبق الإشارة إليه، فتكون من أخبار أهل الكتاب المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ظلما وزورا. وفي كل الأحوال فهي أحكام لا علاقة لها بالقرآن الكريم، وآيات شيطانية. 4- حديث: "قد جعل الله لهن سبيلا": أما الحديث الرابع والأخير فهو حديث عبادة بن الصامت، الذي حاول حكم الرجم أن يتسرب منه إلى الشريعة، عن طريق تأويل بعضالنصوص القرآنية، وهذه إحدى روايتيالحديث كما وردتا عند مسلم (1690) : كان نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أُنزلَ عليه كُرِبَ لذلك وتربَّد له وجهُه . قال : فأُنزِل عليه ذاتَ يومٍ . فلقِيَ كذلك . فلما سُرِّيَ عنه قال ( خُذوا عنِّي . فقد جعل اللهُ لهنَّ سبيلًا . الثيِّبُ بالثيِّبِ والبِكرُ بالبِكرِ . الثيِّبُ جلدُ مائةٍ . ثم رجْمٌ بالحجارةِ . والبِكرُ جلدُ مائةٍ ثم نفيُ سنةٍ ) . وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ . غيرَ أنَّ في حديثِهما (البِكرُ يُجلدُ ويُنفَى . والثيِّبُ يُجلدُ ويُرجمُ ) لا يَذكرانِ : سنةً ولا مائةً ." الملاحظ أن هذا الحديث أراد أن يجعل الرجم من أحكام القرآن، أو من أحكام الوحي المفسرة للقرآن، وكانت الآية المفسَّرة هي قوله تعالى: "حتى يجعل الله لهن سبيلا"، وكان تفسيرها الموحى به هو "الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة". كما يلاحظ أن المفسر الذي أراد لتفسيره أن يكون قرآنا، قد أخطأ خطأ فادحا، عندما جعل السبيل الذي سيجعله الله للنساء الممسكات في البيوت هو الرجم؛ بينما ينبغي للسبيل أن يكون مخرجا وفرجا وليس قتلا ورجما. وإن النص القرآني الذي أرادت هذه الرواية تفسيره، لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى إضافات خارجية؛ وقول الله فيه "حتى يجعل الله لهن سبيلا" يتعلق بمدة حبس هؤلاء النساء وانتهائها، وليس بشيء آخر من الانتظارات الوهمية، وأبعدها الرجم؟! وخلاصة القول: إن أحاديث آية الرجم كلها لا تقوم على شيء، ولا تلزم القرآن الكريم في شيء، وأحكامها غير قرآنية، بل تناقض أحكام القرآن؛وهي من اجتهادات الفقهاء ورواياتهم وأخبار أهل الكتاب وأقوالهم، أصبحت بفعل التاريخ أحاديث مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحولت لتصبح آيات قرآنية، من غير سلطان مبين. هذه هي الأحاديث الأساسية التي أرادت إدخال آية الرجم إلى القرآن، وإرجاع شريعة الإصر والأغلال إلى منظومة الإسلام، بعد أن جاء من أرسله الله رحمة للعالمين ليحرر البشرية منها، ويضع عنها إصرها والأغلال التي كانت عليها، ويشفيها من أمراضها. إنها أحكام ساقطة في الحال والاستقبال، اجتثت من فوق الأرض،ما لها من قرار. يتبع