رئيس الحكومة يودع الرئيس الصيني في ختام زيارته للمغرب        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جمهورية بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع 'الجمهورية الصحراوية' الوهمية        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    حكيمي في باريس سان جيرمان حتى 2029    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجم الزاني: أكبر جريمة في حق الدين والانسان
نشر في هسبريس يوم 16 - 07 - 2012

بداية وقبل أن نتهم بأننا نناقش بعض الأمور التافهة أو غير الآنية أو أننا نكتب من أجل الاصطياد في الماء العكر، أو نكتب في أشياء لم تعد موجودة أو عسيرة التطبيق في عصرنا هذا، نقول قبل أن تكال لنا تلك الاتهامات، نورد الخبر التالي الذي خلق ضجة في بلاد السودان " قالت مصادر قضائية في السودان إن محكمة أوقعت عقوبة الحد بالإعدام رجماً حتى الموت بحق "امرأة محصنة"، أي متزوجة، عقب تمسكها بجريمة الزنا بعد أعطائها فرصتين للتراجع عن اعترافاتها، في حكم استنكره بشدة ناشطون ومنظمات حقوقية دولية". في الوقت الذي تتداول فيه مواقع الانترنت عشرات المقاطع التي تظهر إقامة ما يسمى " حد رجم الزاني" من قبل حركات أو دول كحركة طالبان و الحركات المالية والصومالية. وآخر تلك المقطع ظهر في أفغانستان حيث رميت امرأة بالرصاص حتى الموت بتهمة الزنى.
وثاليا، وحتى لا تطلق علينا تلك البدعة المشهورة المتضمنة لسؤال: وهل هذا تخصصك؟، أقول نعم هو تخصصي من عدة نواحي، أولا لأنني مسلم ومن حقي أن أعرف ديني وأن أتدبره وأن أفكر في مضامينه، وثانيا لأن الموضوع ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية وهو الحقل الذي أشتغل عليه، وثالثا لأن الموضوع يتعلق بالشأن العام والقانون وهو تخصص الدراسة، وخامسا من لديه العلم عليه أن يعقب ويعلق على الموضوع بعلمه لا بشتمه، وأن يرد على الحجة بأختها ويتجنب الشخصنة أو العبارات المكررة من قبيل "الاسلام قوي ولا تقووا على هزيمته"، لأننا نعلم أن الإسلام قوي ولن يقوى المبتدعة والعرافون ووعاظ السلاطين وحفاظ المتون ودارسو الهوامش ومقلدو السلف أن ينالوا منه. فمن قل علمه أدعن وطاع واتبع وقلد ، ومن توفر له بعض العلم فإنه يطرح الأسئلة ويحاول أن يفهم، فالله سبحانه سيسألنا عن كتابه الذي انزله وليس عن أقوال البشر.
بعد هذه التوطئة نلج سنحاول تناول هذا الموضوع من مختلف جوانبه، ونبدأ بما ورد في القرآن، لكي نصل إلى القصص الواردة في الحديث. ( ولأنني على علم بان هناك من سيكتفي بالتقديم لكي ينتقل إلى الشتم دون قراءة باقي الدراسة، فإنني مضطر إلى ذكر بعض العلماء الذين أنكروا حد رجم الزاني: كالشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر، الشيخ يوسف القرضاوي، طه جابر العلواني، حاج حمد، الترابي، الريسوني، والغنوشي وغيرهم).
لقد قال الفقه أن الجلد الوارد في سورة النور "مائة جلدة" لا يعني الزاني المحصن أي المتزوج بل يعني فقط العازب، رغم انه كان من باب أولى أن يورد الله الحكم الأقوى(القتل) في القرآن، بينما تتكفل السنة بباقي التعازير كما يسميها معشر الفقهاء. كما نسب الفقه لعمر بن الخطاب قوله "كانت هناك آية قرأناها وقرأها رسول الله حذفت من القرآن وهي آية : الشيخ والشيخة إذا زنيا ارجموهما البتة" لكن المصاحف لم تذكرها وهذا يتناقض مع آية (إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ونفس الأمر حصل مع السيدة عائشة زوجة الرسول عليهما السلام، عندما قالوا بأنها قالت أن آية رجم الزاني أكلتها دويبة، وهذا تخريف ما بعده تخريف، ولا يمكن أن يصدر عن عائشة التي علمها الرسول (ص) أن القرآن محفوظ.
لقد نسي الفقه أن آخر ما أوصى به النبي في حجة الوداع هو النساء " لكم عليهن أن لا يطئن فراشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن لا ياتين بفاحشة بينة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع" ولم يقل فاقتلوهن، وهو نفس ما أكدت عليه الآية التي كذب الفقه على الله وقال إنها نسخت ( واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما أن الله كان توابا رحيما).
لقد استعصى على الفقه تفسير الآية الواردة في الأمة ( للمرأة غير الحرة) المحصنة ( فإذا أحصن فان آتين بفاحشة فعليهن ما على المحصنات من العذاب) فإذ كان الحكم على المرأة الحرة المحصنة هو رجمها حتى الموت فما هو نصف هذا العذاب الذي فرضه القرآن على الأمة المحصنة هل هو نصف القتل؟
فعندما يواجه الفقهاء بهذه الأدلة، يستنجدون بالمرويات الموجودة في كتب الحديث، فيقدمون الحديث على القرآن ويجعلون السنة قاضية على القرآن وناسخة لأحكامه أو مناقضة لها، وهو ما لا يليق لا في حق القرآن ولا في حق السنة الصحيحة، لأن القرآن هو من يعرض عليه الحديث وليس العكس، ولأن أن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن، لا أن يضيف إليه. وهذا ما تدلنا عليها الكثير من الآيات وأهمها : (يستفتونك قل الله يفتيكم) و (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين) و(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) و (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
إذن لماذا لم يذكر الرجم في القرآن بينما ذكر الجلد، ولماذا قال الرسول في حجة الوداع امسكوهن ولم يقل اقتلوهن ولماذا حكم الأمة المحصنة في القرآن هو نصف ما على الحرة، هل هو نصف القتل، ثم أين هي تلك الآية التي قالوا بوجودها " الشيخ والشيخة...." لماذا لا نجدها في القرآن، او ليس القرآن محفوظا؟؟؟ أرجو ألا نواجه بمقولة "نسخ لفظه وبقي حكمه" لأنه تبرير تافه ولا يستقيم بل لم يقنع حتى مجموعة من فقهاء القرن الرابع الهجري.
هذا فيما يخص ما نسب إلى القرآن، وأما المرويات التي يحاول البعض فرضها واعتبارها سنة عن الرسول (ص) فإنها كلها مردودة على أصحابها سندا ومتنا، عقلا وشرعا، وإليكم بيان ذلك.
قصة رجم الزاني:
حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَابَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَت يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ مَالِك يَعْنِي يَحْنِي يُكِبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ. نلاحظ من خلال هذه القصة أن الرسول لم يكن على علم بعقوبة الزنا، ولم يسأل اليهود عن هوية المرأة أو الرجل هل هما متزوجان أم لا. فكيف اكتشف الفقه أن عقوبة الجلد تعود على غير المحصن بينما عقوبة الرجم تعود على المحصن؟ هل استنتجوا ذلك من الآية التي أكلتها دويبة ولم تعد في القرآن؟ فهذه الآية نفسها، وعلى افتراض أن قولهم صحيح ، لم تقل "المتزوج والمتزوجة إذا زنيا ارجموهما"، وإنما قالت: "الشيخ والشيخة " فهل مصطلح الشيخ يعني، دائما، أن صاحبه متزوج، ألا يمكن أن يصل الانسان إلى سن الشيخوخة أن يكون متزوجا؟
قصة الغامدية
نجد البداية بسيطة في الحديث رقم 696 في موطأ مالك يرويه مالك عن يعقوب بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن امرأة أتت إلي النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامل ، فقال لها اذهبي حتي تضعي فلما وضعت أتته فقال لها : اذهبي حتي ترضعيه ، فلما أرضعته أتته فقال لها ": اذهبي حتي تستودعيه فاستودعته ، ثم جاءته فأمر بها فأقيم عليها الحد . هذه القصة غير موجودة في كتاب البخاري بينما حفل بها كتاب مسلم حيث سميت في رواية ب" الغامدية" أي أنها من غامد، وقيل في رواية أخرى أنها من جهينة.
نجد في القصة امرأة تعترف بالزنا وتريد من الرسول أن يطهرها في الدنيا - رغم أن فكرة الطهارة الدنيوية غير موجودة في الإسلام، وإنما يؤجل الإسلام العقاب إلى الآخرة، بينما فكرة الطهارة الدنيوية معروفة لدى المسيحية- فلما جاءت إلى النبي أمهلها أن تلد ابنها ثم ترضعه، فأمر بحفر حفرة لها الي صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها علي وجه خالد فشتمها خالد ، فقال النبي " انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " . نلاحظ هنا، أيضا، أن مصطلح "صاحب المكس"- وهو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية أو بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك - قد ورد في الانجيل مقترنا بالظلم " المكاسون " او " العشارون ". كما يظهر من القصة أن الرسول حاول تجنب إقامة الحد على هذه المرأة لولا إصرارها وهو ما يتناقض مع ما عرف عن النبي أنه كان شديد الحرص على إقامة الحدود أو ليس هو القائل: "ألا إن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".هذا من حيث المتن أما من حيث السند، فالقصة تعتبر من خبر الآحاد ، حسب تعبير الفقهاء، أي أنها لم تكن متواثرة عن الرسول، رغم أنها من المفروض أن تتواثر، لأن فعل الرجم شارك فيه جمع من الناس وشاهده جمع من الناس، فكيف يروي القصة واحد من الناس؟.
قصة من أسموه "ماعز"
يقول البخاري ( حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا ابي قال : سمعت يعلي بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما أتي ماعز بن مالك النبي ( ص) قال له : لعلك قبلت او غمزت او نظرت ، قال : لا يا رسول الله : قال : انكتها ؟ لا يكني ، قال فعند ذلك امر برجمه ) هذا الحديث، وروايات أخرى نجدها في كتب الحديث، هو خبر الواحد، الذي لا يمكن أن تقام به الحدود حسب إجماع الفقهاء. كما تفيدنا تلك الروايات أن الرجل (ماعز) هو من طلب رجمه وليس الرسول، وأن ماعز هرب وتبعه بعض الناس يرشقونه بالحجر حتى مات، ولما رجعوا إلى الرسول قال لهم لماذا لم تتركوه وشانه. فإذا كان رجم الزاني من الدين لماذا لم يصر الرسول على إتيانه واستكماله، ولماذا تمنى على الناس ألا يحرصوا على إتمامه؟
ربما أن هذه الأدلة لم تقنع البعض لذلك سنذهب إلى حجج أخرى وردت في كتاب البخاري حيث (سئل عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم : أكان قبل سورة النور أو بعدها؟ ( يريد السائل بذلك أن تكون آية سورة النور منسوخة بحديث الرجم أو العكس ، أي أن الرجم منسوخ بالجلد ) فقال ابن أبي أوفى : لا أدري)، وجاء مسلم بنفس الرواية في اسنادين مختلفين ، والمستفاد من الرواية أن إصرار منكري الرجم علي الاكتفاء بعقوبة الجلد للزاني المحصن وغير المحصن، حملت رواة الحديث على صناعة تلك الرواية لتمنع التعارض بين عقوبتي الرجم والجلد .
وحتى العلماء الذين لم ينكروا قصص الرجم، اعتبروا حد الرجم من المنسوخات وأن الرسول رجم قبل نزول آية الجلد، ومن هنا أقروا التسلسل التاريخي الذي يقودنا إلى ترتيب الأمور على هذه الصورة :
1 - عقوبة الزناة كانت بالحبس للمرأة والتشهير بحق الرجل ، 2 - ثم جاءت أدلة تفصل الأحكام ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) وكل الأحاديث الواردة في المسألة نسبة للعقوبة الثابتة في عقيدة اليهود.3 - ثم جاء الحكم القطعي الذي لم يثبت مخصصاً له على وجه الفور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ..)
كما أرجو من القارئ التمعن في هذا الحديث الوارد في كتاب البخاري - باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه- "حدثني عبد القدوس بن محمد: حدثني عروة بن عاصم الكلابي: حدثنا همَّام بن يحيى: حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدَّك)". أي أن الصلاة تغفر الذنب و تمحو عقوبة الرجم، وهذا ما يتناقض مع الأحاديث الاخري التي تنضخ بدماء الضحايا من المرجومين حسب زعم الفقهاء .
إضافة إلى ذلك أدعو، كل من لم تقنعه كل تلك الحجج، إلى تدبر التناقض الحاصل بين ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله كتب الإحسان في كل شئ حتى في الذبح يجب أن نحد الشفرة ونريح الذبيحة، وحتى في القصاص يجب ألا يتم تعذيب المقتص منه بل إراحته بقتلة سريعة، وبين مطالب البعض بالقتل بالحجر، إذ فكيف لدين يدعو إلى الذبح الرحيم للذبيحة، أن يسمح بقتل رجل أو امرأة بالحجر، فالذي يرجم بالحجر لا يموت بسرعة بل يتعذب قبل أن يفقد روحه، فلا يستقيم ان يكون هذا دينا وإنما هو محظ افتراء على الله وعلى الدين. والله أعلم.
تأسيسا على ما سبق، أتمنى على علماء الاستنارة الخروج إلى العلن والاعلان عن مواقفهم الصريحة المناهضة لمثل هذه العقوبات المناقضة للدين والمنتهكة لحقوق الانسان. إننا نعلم أن هناك مجموعة من العلماء يخفون ما الله مبديه، ويخشون معاكسة الرأي العام ومصادمة التقاليد المرعية, وهو ما ساهم في بقاء تلك العقوبات إلى يومنا هذا منتشرة. إذ في هذا الصدد ذكر القرضاوي أن الشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر الراحلين، أخفى رأيه في حد رجم الزاني المحصن 20 عاما، ثم أعلنه أمام علماء مختصين، منهم الشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور صبحي الصالح، والدكتور حسين حامد حسان في ندوة عن «التشريع الإسلامي» في ليبيا عام 1972. وكان الشيخ أبو زهرة يرى أن رجم الزاني المحصن كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور لقد قال الشيخ "إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، وكنت قد بحت به للدكتور عبد العزيز عامر، وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟".
فهل يعقل أن لا يأتي القرآن بأي عقوبة للقتل – ماعدا مسألة القصاص- في الوقت الذي "يجتهد فيه" الفقه من أجل المزيد من عقوبات القتل. ربي اشرح صدري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.