كلما أتيحت لي الفرصة لقراءة موضوع حول قضايا التعليم في المغرب أجد نفسي أمام كلام متداخل لا أول له ولا آخر: إلزامية التعليم، مدرسة مفعمة بالحياة، السيرورات التربوية، تعميم التعليم، المخطط الإستعجالي، امتحان الكفاءة المهنية، مدرسة النجاح، إجبارية التعليم، مدرسة ديمقراطية، بيدوغوجيا الإدماج، الأقسام المشتركة...... في كثير من الأحيان أحاول أن أفهم هذه التعابير بطريقتي الخاصة ، فتعميم التعليم بالنسبة لي هو جعل مستوى التعلم موحدا بين جميع الطبقات والشرائح حفاظا على مبدأ تكافئ الفرص، لكن حقيقة العبارة عند أهل التخصص تعني بكل بساطة نشر البراريك المدرسية في كل البقاع لمحو الأمية والحفاظ على النوع....إلزامية التعليم لم أتوصل إلى فهمها...الامتحان المهني فهمته فهو اختبار كتابي يجتازه رجال التعليم من أجل الترقية مع إضافة شيء بسيط إلى هذا الفهم: أن أوراق التحرير وبدل تصحيحها يتم قذفها في المزابل....بيداغوجيا الإدماج شيء عسير الفهم فالأمر لا يتعلق بدمج الفصول أو المستويات أو دمج المواد وإنما يقصدون دمج وضعيات تعليمية في وضعية واحدة للحصول على تعليم هادف، مع العلم أن الوضعيات المدمجة بالنسبة للمتعلم غير مفهومة أصلا، المنظرين في الرباط وعلى ما يبدو لا يعرفون حقيقة المدارس...مدرسة النجاح ربما يقصد بها أن الكل سينجح....السيرورات التربوية هذه كذلك لم أفهمها...مدرسة مفعمة بالحياة: من فهم شيئا فليخبرنا من فضلكم...إجبارية التعليم: ربما هي إلزامية التعليم بشكل متشدد وهي كذلك لم أفلح في مضغها إلا إذا كانوا يقصدون أن دوريات الشرطة ستسوق التلاميذ للمدارس كالقطيع ....مدرسة ديموقراطية!! لا أعرف كيف أقول لكم أني في هذه اللحظة أضحك...الأقسام المشتركة: وضعية تعليمية شاذة تعلم المدرس فن الرقص بين الصفوف، وفي اعتقادي أن هذه الوضعية يتم إدراجها من باب الضرورات تبيح المحظورات، الوزارة في منشوراتها الرسمية تقول العكس وتصف العملية بالاختيار البيدغوجي أسوة بسويسرا، فهل نكذب الوزارة؟.... المخطط الإستعجالي، كلما نظرت إلى هذه العبارة تنحبس أنفاسي وأسأل: هل نحن مقبلون على حرب؟ مرة سمعت هذه الجملة: المخطط الإستعجالي تم وضعه لأجرأة الميثاق.هل فهمتم شيئا؟أنا كذلك! مؤخرا قمت بالإطلاع على كتيب صغير وضع على غلافه عنوانا كبيرا:الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وللتذكير فهذا الكتاب هو ركيزة إصلاح التعليم في المغرب. بين درفتي الكتاب كلام جميل، محكم ومركز، تم تبويبه إلى مجموعة من الفصول تشرح الوضع الذي سيكون عليه التعليم في المغرب في غضون عشر سنوات...انتهت السنوات العشر ولم ينتهي انتظارنا لتطبيق النزر اليسير من الكلام الحلو الذي زفه لنا الكتاب، ربما اللجنة التي فقعت رؤوسنا بهذا المطبوع تقصد أنه كلما قرأت الكتاب عليك أن تعد عشر سنوات إلى الأمام حتى لو كان ذلك بعد خمسين سنة! لا أريد أن أخوض في المحتوى كي لا نتيه في سراديب من الجمل الإنشائية المعقدة بحيث كل واحدة تصلح عنوانا لكتاب من ألف صفحة، وإنما أشير أنه وبعد قراءة وافية توصلت إلى هذه الخلاصة: المشهد التعليمي في المغرب يعيش حالة فوضى في التنظير...نظريات عقيمة دون التطرق للآليات أو خوض في الإمكانيات. فماذا سنقول على مستوى التطبيق؟ هنا سنرجع لتلك الجملة الرنانة: البرنامج الإستعجالي وضع لأجرأة الميثاق.ما هو هذا البرنامج؟ سأقول لكم. هو بكل بساطة صورة مختصرة للتذبذب على مستوى التخطيط وقد سمي بالإستعجالي لأن جميع المشاريع التي يقترحها تم وضعها على عجل وتسرع دون دراسة، جميع مقترحاته تم إستنباطها من الميثاق مع الإعتماد على خطوات نعترف بأنها جريئة من حيث الطرح لكنها لم ترقى لمستوى التطلعات مع بداية بسطها على أرض الواقع، وهنا أقصد الموارد المالية والبشرية. بالنسبة للموارد المالية فأنا لا اسأل كيف صرفت وعلى من بعثرت وستبعثر في ما تبقى من مدة البرنامج وإنما أسأل العاملين في الميدان:هل هناك نتائج؟ قبل الجواب سنرى ما سيتحقق على مستوى الموارد البشرية : أربع دفعات من المعطلين هذا هو رهان البرنامج؟ سيتم قذفهم في الشريط النائي الذي لا يشمله الإحصاء السكاني. هناك سيلقنون التلاميذ الافتراضيين درس: (علم وطني أحمر). بينما هم سيتشبعون بفكرة تقول:إن العطالة خير من ذل العمل. هذا كل ما في الأمر!!! زخم كبير من الحشو والثرثرة والمصطلحات والتعابير التي لا يفهمها حتى الناطقون بها! إلا أن الجملة الوحيدة التي يمكن استيعابها دون تفكير هي: التعليم في المغرب متعثر. [email protected]