هيئة النزاهة تنتقد تأخر إحداث الوكالة الوطنية الخاصة بتدبير الأموال المحجوزة المتأتية من الفساد    أحداث الفنيدق...    عالم بلا بوصلة    حوادث السير تخلف 25 قتيلا في أسبوع    "هِمم" تعبر عن قلقها بخصوص الوضع الصحي للنقيب زيان وتجدد المطالبة بالإفراج عنه    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    بوريطة يرفض "دروس" أوروبا في الهجرة ويؤكد استعداد المغرب لإعادة القاصرين    رئيس جزر الكناري "يتبنى بالكامل" موقف الحكومة الإسبانية بشأن الصحراء    المركز السينمائي المغربي يكشف عن قائمة مشاريع الأفلام الطويلة    ليلى بنعلي: المغرب فاعل أساسي في مجال الهيدروجين الأخضر    توقيف 4 أشخاص بالبيضاء يشتبه ارتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في سرقة السيارات    "اليونسكو" تختار الرباط عاصمة عالمية للكتاب لسنة 2026    "الابتكار الثقافي بوابة التثمين الترابي للمناطق الجبلية" شعار مهرجان أجذير إيزوران بخنيفرة    دليلة بلكاس تكشف عن إصدار فيديو كليب جديد وتنتظر دعم جمهورها    اغتصاب قاصر يورط عشرينيا في تزنيت    نسبة التضخم ترفع الأسعار في المغرب    الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول يرجح ارتفاع سعر الغازوال إلى 15 درهما    مجموعة بريد المغرب والبريد البرتغالي « CTT كوريوس» يطلقان إصداراً مشتركاً لطابعين بريديين    تساؤلات حول غياب زياش عن قائمة المنتخب الوطني    فينتربيرغ يرأس حكام مهرجان مراكش    "التعلم الآلي" ينال جائزة نوبل للفيزياء    الفنان هشام شبري يطلق أغنيته الجديدة «يازين السمية»    الإفراط في القهوة والمشروبات المكربنة يجلب السكتة الدماغية    دياز يعود للتدريبات الفردية ويستعد للعودة إلى التشكيلة    ذكرى 7 أكتوبر… مسيرات ووقفات بعدة مدن مغربية للمطالبة بوقف العدوان وإسقاط التطبيع (صور)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مجلس جماعة اكزناية يستعرض حصيلة نصف ولايته.. ويصادق بالإجماع على ميزانية 2025    "دوكفوكس" تكشف تورط مقاولات جنوب إفريقيا في عمليات غسيل أموال    جماعة الحسيمة تصادق بالإجماع على ميزانية 2025 في دورة أكتوبر    دراسة: الرصاص في المنتجات الاستهلاكية يتربص بالأطفال    الرجاء البيضاوي يتفق مع البرتغالي ريكاردو سابينتوظ لتدريب الفريق خلفا لروسمير سفيكو المقال    اتفاقيات شراكة وتعاون بين جهة مراكش آسفي وكينيا لتعزيز التنمية والتبادل الخبراتي    وفاة متسابق فرنسي في "رالي المغرب"    شعبوية الرئيس تبون و سقطته الجديدة في قعر التفاهة    فلوريدا تستعد لوصول الإعصار ميلتون "الخطير للغاية"    القضاء الفرنسي يحدد 15 أكتوبر موعدا لإصدار قراره حول طلب الإفراج المشروط عن اللبناني جورج عبد الله    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يخوض مبارتين وديتين أمام فرنسا بمركز كليرفونتين    مباريات مشوقة في الجولة الثالثة من منافسات كأس التميز    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    وقفة احتجاجية لأرباب المخابز الأسبوع القادم بالرباط    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية        اختراع نبات صناعي يولد الكهرباء لشحن الهاتف    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية، وما بعده!!    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأنظمة العربية و"سؤال" إدماج القوى الإسلامية في السلطة
نشر في هسبريس يوم 02 - 07 - 2014

منذ أن ظهر الإسلاميون سنة 1928، على يد الشيخ حسن البنا، رحمه الله، وهم يشتغلون في الشارع العربي كطرف مدني وفاعل أساسي يمتلك مشروع مجتمعي وله رؤية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنهم ومذ تلك الحقبة من الزمن، يعانون أشد المعاناة ويطاردون بالوسائل القمعية البوليسية، وقد اتخذت المُلاحقة لهم أشكالا تفتقد إلى مُواصفات التعامل الإنساني الراقي، فتم تعذيبهم جسديا بالصعقات الكهربائية، وكذلك معنويا بتمريغ كرامتهم في التراب من خلال الشتم والسب بأقبح النعوت وذلك بالاغتراف من القاموس البوليسي العربي المهترئ حد الفظاعة، بالفعل، توجد خلفيات متعددة وراء تكميم أفواه الإسلاميين بطرق خبيثة وغاية في القذارة والسعي إلى قطع حبالهم الصوتية، التي برهنت على أنها تأبى الانصياع للمساومة أو بيع الذمم.
لابد من الإشارة في البداية إلى أن هاجس الحفاظ على الكرسي من لدن الحكام العرب، يطغى بشكل هستيري، على كل هياكل الدولة ، وبالتالي، فالكل كان يتخوف من بروز صوت يصدح بالحق و ينتقد الدولة الفاسدة ونظامها المتهالك، ولحظهم العاثر والمنحوس، تفاجئوا في واضحة النهار وفضحوا أمام عباد من عباد الله لا يخافون لومة لائم، بلحاهم القصيرة والطويلة أحيانا، يرفعون شعار (الإسلام هو الحل) أو غيرها من الشعارات الجديدة الغير المعتادة في الأوساط المدنية والسياسية في داخل الوطن العربي والتي أكدت بشكل قطعي لصناع القرار السياسي في العالم العربي أن هؤلاء الإسلاميين بمختلف مكوناتهم- سيتبوءون آجلا أو عاجلا مراتب متميزة وسيكسبون تعاطفا شعبيا لم يسبق له نظير، وكان حدسهم، المؤكد بفعل مٌعطيات ومنطوق الواقع هو (عين الصواب) ومرآة للحقيقة.
ببساطة شديدة، لأن المواطن العربي ناقم وساخط على حكامه ومٌستعد للتعاطف والانضمام مع أي حركة تنهض بآماله وطموحاته الكبيرة، بطبيعة الحال، استفاد الإسلاميون كثيرا من تهاوي المقولة الاشتراكية والمادية، وعملوا ما في وسعهم لكسب المواطن العربي المقهور والمثقل بقناطير من الهموم والأحزان، وباتت كل الأبواب مُشرعة أمام الإسلاميين، ونتيجة لتحركاتهم المكللة بالنجاح باتت كل عدسات الكاميرا مركزة عليهم، في داخل الوطن العربي وخارجه، وانكبت مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية العالمية على دراسة وتحليل (ظاهرة الإسلاميين) وكسبهم الجماهيري الكبير والمبالغ فيه.
وهذه التفاعلات الايجابية مع "ظاهرة الإسلاميين" سببت لهم مشاكل عويصة ونبهت الحكام إلى دورهم المتألق وخطفهم للأضواء، مما باتوا يشكلون تهديدا حقيقيا على كراسيهم ومصالحهم، فعملوا على إقصاءهم وإبعادهم حينا واعتقالهم حينا آخر.
لكن، ظهر للجميع، كيف أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، بحيث لم يزد هذا التضييق الخانق على (الإسلاميين) إلا تشبثهم القوي بمشروعهم، الذي يصفونه ب(النهضوي) والذي يبغون من خلاله تحسين شروط العيش لكل الفئات الاجتماعية، عبر التوزيع العادل للثروة، وكذا ترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقة وتجذيرها في جميع هياكل الدولة، ومن ثم، تطلعوا إلى إنتاج استراتيجيات معتبرة تمثلت بشكل دقيق في "مٌراجعات فكرية حقيقة" لعدد من المواقف حول (الحياة العامة)، و"حقانية الأنظمة في الحكم" بغرض تجنب الاصطدام الغير المرغوب فيه مع المخزن من جهة، وكذا الانصهار مع الشعب وتبني مطالبه والدفاع عنها بشُجاعة.
ومن جهة أخرى، فإلى حدود الآن، واستحضارا للتجربة التونسية والمصرية، وفي بُلدان أخرى، التي أمعنت في تصفية "الإسلاميين" واجتثاثهم، أضحى هذا الخيار فاشلا وغير فعال البتة، ببساطة شديدة، لأن "الإسلاميين" هم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب الجريح، فهُم، حسب الباحثين المُنصفين، ليسوا ذوات طارئة أو غريبة عن أوطانهم، بل بالعكس من ذلك، فلقد تلقًوا تعليمهم في المدرسة العمومية، وتخًرجوا من رحم الجامعة، أي، أنهم أطر وطنية بامتياز وتُحب بلدانها حتى النخاع، وليسوا كتلك الأطر (المٌستوردة) من الخارج؛ لأن هذه الأخيرة تبقى تابعة وجدانيا وفكريا للآخر/الغرب، وطبيعي جدا، أن تكون مثل هذه الفئة غير قادرة البتة على (الإبداع) للمساهمة في نهضة شعوبها؛ لأنها (مٌغتالة) و(مٌعاقة) ذهنيا ومٌستلبة حضاريا عكس الأطر الوطنية (الإسلاميون نموذجا)
ذلك، أن الأمر المميز والنوعي لدى (الإسلاميين)، مفاده أنهم يُؤسسون لكل ورش كيفما كانت طبيعته، بناءا على الخلفية الشرعية التي يؤمنون بها وهي التي تعطيه معنا قويا يٌساهم بحظ وافر في شحذ العزائم المهتزة والإرادات الخائرة، بل وتبث فيه "روحا" جديدة، مما يٌمكن هاته القوى (الحيوية) و(النشيطة) من الذهاب بعيدا في تنمية بلدانها وخدمة الصالح العام، تماشيا مع احترام إرادة المواطنين الذين أوصلوهم إلى الحكم من خلال "ثورة الصناديق" كما نٌعتت إعلاميا.
أكيد، أن الإسلاميين أنفسهم لازالوا بحاجة كبيرة لإزالة اللبس والغبش عن عدة مواقف تخص وتشمل نظام الحياة برمته، وفي نفس الوقت، فهم مطالبون ببلورة رؤى جامعة ومانعة تؤطرهم تأطيرا محكما ورزينا يحفظ صورتهم وكيانهم من الانمحاء كما المشاريع المادية الاشتراكية التي سقطت كالتوت.
اليوم وأمام الفشل الذريع للأنظمة العربية في لعبة شد الحبال مع الإسلاميين، أصبح دور العقلاء من حراس الكراسي الناعمة ضرورة إدماج الإسلاميين في الحقل السياسي، والتوقف عن المراقبة المجهرية لمقراتهم وقادتهم، هذا إن كانوا بالفعل يحرصون على نعمتي (الأمن والسلم) في العالم العربي ويعزمون على تحسين شروط عيش المواطن الذي يئن تحت وطأة غلاء أسعار المواد الغذائية والعقار والماء والكهرباء.
ذلك أن القبول بالإسلاميين ومنحهم حقهم المشروع في العمل والاشتغال بشكل قانوني كما باقي جمعيات المجتمع المدني المدعومة للأسف من الداخل وتخدم أجندة الخارج؛ وهي التي تهدد استقرار هذا الوطن من شأنه أن يدفعهم إلى القيام بمراجعات فكرية أخرى جديدة واجتهادات فقهية للتواؤم مع مقتضيات العصر وأسئلته الغريبة والمستعجلة، وسيتيح للدولة كذلك إمكانية التعرف على خبراتهم ومهاراتهم من خلال تسيير الشأن العام.
نقول كل هذا، ونُؤكد على ضرورة وملحاحية إدماج (الفاعل الإسلامي)، على اعتبار أن الأنظمة العربية تُواجه تحديات جمة وصعبة وإن لم تتدارك ما يُمكن تداركه من خلال الانكباب على توسيع دائرة الإصلاح في الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإصغاء العميق لتطلعات وآمال شعوبها، فثمة (عصيان مدني) خطير ستواجه به، فالبوادر الحقيقية وشرارة المٌواجهة انطلقت من تونس ولازالت تشتعل بسرعة البرق في دول الجوار، كالنار في الهشيم، لأن الشعوب العربية لم تعد تهتم للموت دفاعا عن ( الحرية) و(الكرامة) المغيبتين في السلوك اليومي لأجهزة الدولة.
بكلمة، نعتقد أن القوى الإسلامية الوسطية والمٌعتدلة قادرة إن تم استثمار جهودها الجبارة من طرف الأنظمة العربية القائمة، على المساهمة الفعالة والايجابية في تأطير الشارع العربي وتربيته على مبادئ الدين الإسلامي الداعية إلى حب الأوطان والمصلحة العامة، فشعبيتها ووزنها بين الناس تشُد كثيرا الألباب والقلوب، وتأثيرها يتعدى طموحات وزارات الشؤون الإسلامية، فهذه الأخيرة تحكمها بروتوكولات ورسميات عند التعاطي مع الشأن الديني، أما الأولى فتعيش وتشارك الناس أفراحهم وأٌقراحهم وتكتوي بآلامهم، ومن هنا، يبرزٌ الفرق الشًاسع، وبالتالي الاختلاف في الأداء والتأثير معا.
لذا، فمن مصلحة الأنظمة العربية الاستفادة والتقرب من الإسلاميين قصد تدشين مسار متميز ينبني على التواصل التفاعلي والمماحكة الفكرية ، ومن ثم، العمل معا في الميدان بتنسيق تام من خلال توضيح سلطات كل طرف وتحديد مجال اشتغال كل منهما، ونعتقد أن خطوة من هذا النوع الفريد تستطيع تحقيق الرقي والنماء لشعوبنا العربية المُستضعفة التي تعيش أحلك اللحظات في ظل (عولمة غربية استلبت وسرقت هويتها الأصيلة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.