مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر التي توجت المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا، وجه الملك محمد السادس رسالة تهنئة رسمية حملت الكثير من عبارات الدعم والود للسيسي، وبعدها طار وزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار إلى القاهرة لحضور مراسيم تنصيب قائد الجيش المصري السابق على رأس بلاد النيل. ولم يصدر أي تعليق عن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ولا عن وزراء حزبه، بينما لم يتوان بعض قياديي "المصباح" في التعبير عن رفضهم لهذه الانتخابات، معتبرين أن السيسي انقلب على رئيس شرعي هو محمد مرسي، غير أن اللافت هو عدم صدور تعليق رسمي من قبل حزب العدالة والتنمية، ولا من قبل رئيس الحكومة الذي يعتبر رئيسا مباشرا لوزير الخارجية. ورغم التزام الحزب "الإسلامي" الصمت، إلا أن موقف أعضائه معروف لدى الجميع، فالحزب اعتبر بشكل غير رسمي الإطاحة بالرئيس السابق، محمد مرسي، انقلابا عسكريا، ولم يتخل قياديوه عن موقفهم الرافض لمرحلة ما بعد الإخوان المسلمين. هذا الموقف عبر عنه النائب عن حزب المصباح في مجلس النواب، محمد خيي، على حسابه الشخصي على موقع فايسبوك، حيث كتب بالتزامن مع التهنئة الملكية للسيسي "زعم الحاكم العسكري لمصر السفاح عبد الفتاح السيسي في خطابه اليوم أن مصر تشهد حدثا تاريخيا غير مسبوق يتمثل في تسليم السلطة بطريقة سلمية وشرعية من الرئيس المنتهية مهامه، والله لن تهنأ ياسيسي بما أنت فيه، فالدماء التي سالت في رابعة ستطاردك حتما حيثما كنت". عبارات قوية لم يتردد القيادي في شبيبة حزب "المصباح"، الذي يقود نفس الحكومة التي يشغل فيها مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار، منصب وزير الخارجية بعد دخوله التحالف الحكومي، في كتابتها على مرأى أشهر مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. توفيق سياسي هذا التباعد بين مواقف قياديي الحزب الحاكم، وبين المواقف الرسمية التي عبر عنها الملك محمد السادس ووزير خارجية بنكيران، يفسره مقربون من الحزب بكونه توفيق ضروري بين "المصباح" الحكومي وبين "المصباح" الحزبي. ويرى البعض أن بنكيران في غنى عن إثارة حساسيات في علاقته بالقصر الذي عبر صراحة عن دعم قوي للنظام الحالي في القاهرة، وبالتالي فهو ملزم بممارسة نوع من التقية السياسية، كما أن الملك هو رئيس الدولة والرئيس المباشر لبنكيران، ولا يمكن للأخير أن يصدر موقفا مناقضا للملك. أيضا منطق السياسة قد يفرض أحيانا تقديم تنازلات مادامت هذه التنازلات غير مؤثرة، وتجنب صدامات قد تضر بمحاولات بنكيران وحزبه تبديد ما تبقى من سوء الفهم بين حزبه ومراكز القوة في الدولة، وفي مقدمتها القصر، غير أن ما يثير حفيظة الكثيرين هو ازدواجية خطاب "البيجيدي". عندما يتعلق الأمر بالمهرجانات الخطابية والتجمعات الحزبية، لا يتردد بنكيران نفسه في الجهر برفضه لما يعتبره حزبه وإن بشكل غير رسمي، انقلابا على الشرعية في مصر، بينما يلجأ للصمت عندما يتعلق الأمر بموقف رسمي. وحتى عندما سئل بنكيران عن موقفه من انتخاب السيسي رئيسا لمصر، من طرف صحفيين رد بالقول "أنا رئيس حكومة ولا يمكنني أن أعلق على هذا الموضوع"، عبارة بمثابة رسالة مشفرة للمتسائلين حول موقف رئيس الحكومة، مفادها أنتم تعرفون موقفي وهو الموقف الذي لا يمكنني أن أجهر به. رضا الملك أولا حزب "المصباح" لم يخف يوما تقاربه مع حركة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية عموما، تقارب يحكم العامله العقدي أكثر مما يحكمه السياسي، خاصة بعد مرور موجة ما سمي بالربيع العربي على المنطقة، وبروز توجه قوي تقوده السعودية، لمنع الإخوان من السيطرة على السلطة، في حين حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب المصباح منخرط في ضمان استمرارية الوصال مع الإخوان. وبعد اعتراف المغرب الرسمي بالقوى التي قادت مرحلة ما بعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين في الثلاثين من يونيو 2013، ورسالة الملك محمد السادس الداعمة لانتخاب عبد الفتاح السيسي، سيجعل الحزب الإسلامي المغربي يحسب جيدا مواقفه ويتجنب خلق حساسيات مع القصر، خاصة أن بنكيران لا يتوانى في إعلان حرصه على نيل رضا الملك. ويرى البعض من المتتبعين لمسار حزب "المصباح" أن مساءلة رئيس الحكومة وحزبه عن موقفه مما يقع في مصر ليس بالأولوية في الوقت الحالي، خاصة أن العارفين بطبيعة بنية السلطة في النظام المغربي يدركون أن بنكيران لا يتمتع بالقوة اللازمة لفرض مواقفه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي تبقى مجالا حصريا للملك كرئيس للدولة. هذا الرأي يتبناه الكثيرون من أعضاء المصباح، بل إن منهم من يقول بوجوب مساءلة الحكومة عن إنجازاتها في تدبير السياسات العمومية في المغرب، وهل استطاع بنكيران أن يحقق تقدما في إصلاح الإدارة المغربية ومحاربة الفساد في شتى المجالات والقطاعات. وذهب البعض إلى أن إثارة أسئلة حول مواقف الحزب من ملفات يعرف الكثيرون مسبقا، عجز بنكيران عن إعلان مواقف حاسمة فيها، محاولة لتحريف النقاش المفترض الخوض فيه هو أداء الحكومة، ومدى نجاح الحزب الحاكم في توسيع هامش تحركه وسلطته.