أصابت الآفات والأمراض اليوم مجتمعنا بعلل عدة، لم نستطع إحصائها من أجل حصارها، بل حتى العلماء والمفكرين والسوسيولوجيين عجزوا عن وصف المرض، فثقافات غريبة تبناها مجتمعنا دون أن يمحصها، رغم اختلافها الشاسع مع هويتنا، وتعارضها مع ثقافتنا، فصار العديد من أبناء جلدتنا يدافع عنها متجاوزا احتضانها فقط، فلم تسلم مدننا من حالات التميع التي أرهقت كاحله، لكن الغريب والمثير في الأمر أن درجة هذا التميع اختلفت من منطقة لأخرى ومن مدينة لأخرى. فمن المدن التي حافظت على قيمها وثقافتها من التميع مقارنة بالمدن الأخرى بالمغرب هي المدن الشمالية، وبعض المدن الشرقية والجنوبية، فلم تفلح القوى العلمانية من الداخل، ولا التيارات العميلة استئصال هاته المدن نهائيا، وبشكل ملفت كالباقي، من ثقافتها المحافظة، وحضارتها الممانعة، فتعددت المحاولات والهدف واحد، وسعى الغرب أساسا في تلويناته سعيا لإدخال فيروس ( التحرر ) فرُد خائبا، فرغم جهود العولمة وأسلحتها الفتاكة نجحت هاته المدن – نسبيا – في تحصين ما بقي منه أن يحصن، واستطاعت صيانة الصورة المحافظة لهاته المدن في شوارعها وأزقتها، فلم يكن التبرج يوما أمرا عاديا أو شيئا متداولا عند هاته العائلات، لكن الأمر لم يعد يرضي القائمين على علمنة هذا البلد، أو العملاء العاملين على اجتثاث الثقافة الإسلامية الجميلة لهذا البلد، وإلحاقه بكوكبة الدول الأوروبية الغربية ( المتحضرة )، التي تعاني في كل تفصيلاتها وأصولها وحتى فروعها من انعدام للأخلاق في لب حضارتها وسياستها واقتصادها... قد يسأل ساءل لما هذا الفرق الشاسع بين المدن المذكورة، والمدن الأخرى سواء الرباط ونواحيها، ومرروا بالعاصمتين والمدن المجاورة لها، ووصولا إلى المدن السياحية وهي الأدهى والأمر، فأيضا المدن الشمالية سبق لها وأن استعمرت من طرف أطغى وأخبث الدول، بل كانت طنجة مستعمرة دولية، وأيضا رتبت هاته المدن مع الخمس الأوائل للمدن السياحية في المغرب، وهي المدن الأقرب إلى أوروبا والمطلة عليها، كما تجاور مدينة تطوان مدينة سبتةالمحتلةإسبانيا... لكن الإجابة تبقى رهينة هؤلاء العلماء والعلماء والمفكرين الذين كابدوا ودافعوا عن هاته الثقافات والقيم وعاشوا على نبرات هذا التدافع بكل جلد ومسؤولية. إن أي إنسان سبق وأن عايش المدينتين ( إحدى المدن المغربية المذكورة وعاش ثانيا بالمدن التي هي محط النقاش ) لأبهره الفرق ولاحظ الأمر، ودخل بعدها جديا في العديد من التساؤلات والاستفسارات، وقد يروق للعديد الأمر. قد يقول قارئ وهو غير متفق بأن الأمر مبالغ فيه، وأن الصورة الظاهرة – أي الصورة المحافظة – إنما هي فقط للتضليل، وأن معظم الأمور الخبيثة والمفاسد تأتي من هؤلاء الأناس المتدرقين إما تحت الحجاب أو أولائك المتدرقين تحت اللحي، وقد يقول آخر إن كل تلك المظاهر المحافظة قد أصابها فيروس الموضة حتى أصبح البعض يشبهها وهو يتفنن " قناة اقرأ بالرأس وقناة روتانا بالأسفل"، ورد عليه آخر " عمرو خالد بالأعلى وعمر دياب في باقي الجسم"، وقد يتفق الكثير في كله والآخر في جزئه، لكن الرد على هذا الكلام وعلى هاته المظاهر قاله الحكماء من أجدادنا في: " اللهم العمش ولا العمى"، وقالها الهزليون في،" لا حمر لا سبع فرنك". نعم، توجد هاته المظاهر في هاته المدن لكن بنسب قليلة، والإعلام العلماني يريد أن يحجم الأمر حيث أنه راقته ثقافتنا التي " كدير من الحبة قبة"، والله يسترك من المغربي صاحب العقلين – الفريد في جنسه- الذي إذا أخبره عقله الثاني بالتقشاب فعلينا إذ ذاك إما أن نسايره في تقشابه أو أن نضع دمنا في الثلاجة فهذا العقليات عزيز عليها أن تكبر الأمور وأن تجعل من الجزئيات هي الأمور السائدة. لقد عمدت التيارات المعاكسة والعقول المدبرة على اجتثاث آخر ما يمكنه اجتثاثه من ثقافتنا الإسلامية الرائعة والمحافظة، فلم تفلح، وعملت بعدها على تمييع الأمور فنجحت نجاحا مبهرا، فالحجاب مثلا عندما لم يفلحوا في انتزاعه نهائيا من الجذور المغربية قرروا تمييعه، فنجحوا، وعاد الحجاب يمثل في الثقافة سوى الغطاء فوق الرأس، متجاوزين الشروط الموضوعية للحجاب الشرعي، لكن الحري بنا أن نعود إما لدربنا الواضح المعالم أو ستكون نهايتنا بغباء منا أولا وعلى أيدينا، فكيف لكل الشعوب تدافع عن حضارتها باستماتة وما حالنا نترك كل ما حصله أجدادنا ونقرب لنا ثقافة لا تعنينا في شيء؟