توقفنا في مقال سابق بموقع هسبرس عند موضوع "مسرحية مزوار والصحافة والحزب الوطني الحاكم" (يمكن العودة للموضوع على الموقع الآتي وأكدنا في ذلك المقال على العبث السياسي الذي يمر منه المغرب وخاصة في بعض الأحزاب السياسية، سوءا أكانت يمينية أو يسارية، ونتوقف في مقال اليوم عند عبث آخر وهو عبث خطير، لأنه يتعلق بالفضاء الديني في المغرب. فقد أطلت علينا الحلقات الأخيرة لبرنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة، عبر تخصيصها حملة إعلامية دولية تنتقد انحرافات المتصوفة في العالم الإسلامي، وكان المغرب أحد البلدان التي نال نصيبه من النقد. ومن المعروف أن المغرب يتبنى التصوف على طريق الإمام الجنيد، رحمه الله، ولكن هل تبنى الشيخ القرضاوي هذا التصوف في الحلقة، خاصة أنه يتبنى ويساند الحركات الإسلامية في المغرب، كحركة التوحيد والإصلاح وحركة العدل والإحسان؟ لقد رأى الشيخ القرضاوي، وهو زعيم لسابق في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، أن حركة العدل والإحسان المغربية "حركة إسلامية يغلب عليها التصوف"، وأن "مؤسسها هو شيخ من شيوخ التصوف ولكن تصوفه يعني ليس مخرفا". أما باقي التصوف المغربي، فهذا أمر تحاربه الحركات الإسلامية في المغرب، ويناصره الشيخ القرضاوي العداء، ويتزامن هذا النقد مع تخليد العالم الإسلامي لذكرى المولد النبوي الشريف، وهي ذكرى يحتفل بها المغاربة على غرار أغلب المسلمين، ولكن لا تحتفل بها الحركات الإسلامية التي لا ترى في هذه الذكرى إلا البدعة والفسق والخرافة، فأين المسؤولون عن الشأن الديني في المغرب إذن؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي التي بسببها تذكرنا موضوع مسرحية الحزب الوطني الحاكم، لأن المناسبة هنا في موضوع التصوف ترتبط بمسرحية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وعبد السلام ياسين، زعيم حركة العدل والإحسان. لم ترد الوزارة على النقد الذي قاله الشيخ القرضاوي ودفاعه عن الحركة، لأن الوزارة التي أصبحت مخترقة من طرف جماعة عبد السلام ياسين وتدافع عن زعيم الحركة أمام المسؤولين، لا تعتبر أنه مطلوب منها بأن تدافع على التصوف المغربي الوسطي المعتدل، والذي يتم انتقاده من طرف الحركات والجماعات الإسلامية ليل نهار وفي الجرائد والجلسات التربوية والفضائيات، وعندما يأتي فقيه وشيخ وداعية مثل الشيخ القرضاوي لينتقد هذا التصوف ويعلن عن دعمه لتصوف العدل والإحسان، ويسأل المسؤولون الكبار في الدولة، وزير الأوقاف عن رأيه بخصوص العدل والإحسان، يرد أنه يراهن على الوقت والزمن، حتى تغير الحركة من أفكارها، وينسى أو يتناسى بأن الجماعة اخترقت الوزارة وبعلمه. أليست هذه مسرحية لا تقل خطورة عن المسرحية الأولى، مادام أنه بالنسبة للأحزاب المغربية، لا تهتم بالأخلاق والقيم، وإنما الرهان على الشعبوية في الفضاء الديني، والذي كان من المفترض أن تكون الحصن الأكبر لإمارة المؤمنين، وليس أن يكون عملا مسرحيا وضبابيا؟