لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة بين مختلف المناطق باتت مسألة تقليص الاحزمة الزمنية في روسيا، التي تشمل على 11 حزاما زمنيا، من المواضيع الأكثر اثارة في البلاد، باعتبار ان الفارق الزمني بين مختلف المناطق من اقصى الشرق الى اقصى الغرب، تعيق من وجهة نظر الخبراء تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة. ويرى الفاعلون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون في روسيا، انه آن الاوان، بعد تطور التكنولوجيا وطرق سبل التواصل وتوسيع مجال الارتباطات الاقتصادية بين روسيا وجيرانها في اوروبا وفي اسيا، التفكير بجدية في امكانية تقليص عدد الاحزمة الزمنية في روسيا، والنظر في جدوى ارساء توقيتين زمنيين، واحد شتوي وآخر صيفي، خاصة وانه يستحيل من الناحية العملية اعتماد الاراضي الروسية على 11 حزاما زمنيا لتغطية 17 مليون كلم مربع عبر قارتي اوروبا وآسيا. ويعتبر الخبراء ان انخراط روسيا في محيطها الاقتصادي الشاسع وبروز امكانية تجاوز الصعوبات الادارية ذات البعد التواصلي بين مختلف مناطق البلاد، يستوجب اعادة النظر جذريا في الاحزمة الزمنية المعمول بها حاليا، والتي تجعل الفرق بين اقصى غرب روسيا وأقصى شرقها في 11 ساعة، اي اكثر بكثير بين دول تقع في امريكا اللاتينية واخرى وسط اوروبا. وتؤكد روسيا انها يمكن ان تستفيد من خبرة الصين وكندا واستراليا والمكسيك والولايات المتحدة، وهي دول مساحتها شاسعة تقارب مساحة روسيا نسبيا، في امكانية تقليص الاحزمة الزمنية، اذ ان كندا لا تشتمل الا على 6 احزمة زمنية والولايات المتحدة على 5 احزمة، واستراليا والمكسيك على 3 احزمة، والبرازيل وكازاخستان على حزامين زمنيين فقط، وهي امثلة واقعية تؤكد ان مسألة تطبيق توقيتين زمنيين في روسيا ممكن بعد تحديد كل الجوانب السلبية والايجابية للمسألة، ودراسة التأثيرات الزمنية ميدانيا على اقتصاد روسيا وسبل راحة المواطنين. ويعترف العلماء ان امر تقليص الاحزمة الزمنية في روسيا ليس بالشئ الهين والسهل من الناحية التواصلية والنفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والادارية، باعتبار التراكمات الطويلة الأمد التي لصقت بتدبير الشأن العام الروسي لمدى عقود كثيرة من الزمن ولربما مئات السنين. واذا بدا للوهلة الاولى ان الامر يتطلب فقط الارادة السياسية لتحقيق الرغبة وقرارا شاملا وجريئا، فان الأمر من الناحية العملية مستعصي اكثر مما يتصوره الشخص العادي، اذ مثل هذه القرارات تتطلب حسابات دقيقة وتحليل علمي متعدد الزوايا، وهو ما يحاول الخبراء الروس القيام به عبر دراسة وتقييم الآثار الاقتصادية لمثل هذه المبادرة، وكذلك توضيح امكانية تأثير ذلك على صحة المواطنين الروس وعاداتهم وتقاليدهم، دون اغفال الجانب الاداري من المسالة . غير ان روسيا، ورغم وجود نوايا لديها في تغيير الازمنة السائدة حاليا، فان عوائق كثيرة قد تواجهها وهي صعبة الحل، خاصة وان روسيا من بين البلدان اكثر شساعة في العالم، فالمسافة التي تفصل كالينينغراد (شمال غرب) وكامتشاكا (اقصى الشرق )، على سبيل المثال وليس الحصر، تقدر حاليا ب11 ساعة من الزمن الجغرافي، واضافة الى العوائق الجغرافية، يرى العلماء الروس ان اعادة تقطيع المناطق من الناحية الزمنية يجب ان يفرز واقعا سوسيواقتصاديا جديدا بكل المواصفات والمقاييس، وليس فقط تغيير انماط زمنية باخرى، دون مراعاة الخصوصيات وحاجيات وواقع كل المناطق الروسية المعنية. ويستجوب الامر كذلك، حسب العلماء الروس، تفعيل الدراسات التي تتعلق بالوضع المناخي العام لمختلف المناطق، وربط ذلك ايضا بشكل عملي بالدراسات الطبية - البيولوجية وأبحاث الطاقة وفرض منظومة طاقة موحدة، خاصة وان الطاقة يتم نقلها من منطقة الى أخرى في روسيا على قدر سير الزمن من الشرق الى الغرب. ويجمع الخبراء الروس ان الجدوى الاقتصادية من تغيير الاحزمة الزمنية تبقى حقيقة قائمة، خاصة امام عالم يتغير ويتطلب تكثيف الجهود وتجميع الامكانيات، غير ان العامل الإنساني يبقى العائق أمام المزايا الاقتصادية المحتملة، والخوف من أن يظهر تأثير مضر على صحة الإنسان، على اعتبار ان الاختلاف الزمني بين المناطق الروسية هو امر مرتبط بالموقع الجغرافي وطبيعة الامكنة المعنية وتطبع الناس على واقع تجاوز حضوره مئات السنين. ويرى علماء روس كثيرون ان تغيير المناطق الزمنية الإدارية في روسيا، لا يجب ان يتعدى الساعة او الى اقصى حد ثلاث ساعات، لان اختزال الساعة، من وجهة نظرهم، لا يجب ان ياخذ من المواطنين الروس سنوات كثيرة، ولربما عقود من الزمن، من اجل التكيف مع احتمال ظهور تأثير سلبي على الحالة الصحية للسكان المعنيين، وتغير السلوك اليومي للناس، وامكانية أن يؤثر الواقع المفترض على الظروف الاجتماعية والفكرية العامة.