أكد رئيس الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية أحمد أوعياش ،أن مختلف المؤشرات الفلاحية تدفع إلى التفاؤل، ومن أهمها نسبة المساحات المزروعة بالحبوب ، والتساقطات المطرية المهمة التي تساقطت على مختلف مناطق المغرب، وارتفاع مخزون البذور المختارة ،وارتفاع منسوب مياه الوديان والسدود بما يحسن احتياطات المياه الموجهة للاستعمال الفلاحي ، متوقعا أن يتجاوز محصول الموسم الفلاحي الحالي من الحبوب الحاجيات الوطنية ، وتحسن الصادرات المغربية من المنتوجات الفلاحية، و تطور زراعة الأشجار المثمرة، و تحقيق نمو جيد للنباتات الطبيعية بالمراعي ، مما يوفر الكلأ الكافي للماشية . وقال أحمد أوعياش في حديث للعلم إن سنة 2009، التي شكلت السنة الأولى من تفعيل "مخطط المغرب الأخضر"، تميزت بإنجاز ملفات مهمة ، من شأنها النهوض بالقطاع الفلاحي وجعله قطاعا عصريا يتميز بالتنافسية العالية، ويحقق الأمن الغذائي ويقوم بدور المحرك الأساسي للاقتصاد القروي ورافعة للاقتصاد الوطني. وذكر أوعياش أن المغرب مازال لم يستغل حتى الآن، الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها في المجال الزراعي ، والتي تمكنه من تحقيق الأمن الغذائي والرفع من الإنتاجية في مختلف السلاسل الفلاحية ، حيث إن بلادنا تستطيع ، في مجال الحبوب ، على سبيل المثال ، أن تحقق محصولا يصل إلى 120 مليون قنطار أو أكثر. وأبرز أوعياش أن التدابير الاستباقية التي اتخذتها السلطات العمومية المختصة، ساهمت إلى حد كبير في التقليص من حجم الأضرار التي تسببت فيها الفيضانات بجهة الغرب ، موضحا أن المساحة المتضررة تبقى قليلة بالقياس إلى المساحة الإجمالية المزروعة على المستوى الوطني، وبالمقارنة أيضا مع أضرار الموسم الفلاحي السابق التي همت حوالي 100 ألف هكتار . وشدد رئيس الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية على أهمية الأهداف التي حددتها الاستراتيجية الحكومية في مخطط المغرب الأخضر ، والتي تتسم بالشمولية ، وتتوخى تجاوز المعيقات والعقبات التي ظلت تعرقل نمو القطاع الفلاحي ، مشيرا إلى أن النتائج الأولية لهذا المخطط كانت إيجابية بشكل عام ، إلا أن ضمان النجاح الكامل يتطلب التحلي باليقظة المستمرة وتضافر جهود مختلف الفاعلين ، واحترام التزامات جميع الأطراف المتدخلة ، لأن تحقيق أهداف هذا الورش الهيكلي ، مسؤولية الجميع .. وتحدث رئيس الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية في هذا الحوار عن مجموعة من االقضايا الأخرى التي تهم ،المعوقات التي تعوق تطور الفلاحة المغربية ، اهتمام السلطات العمومية بتقليص تبعية القطاع الفلاحي للتساقطات المطرية وسر الاهتمام الكبير للفلاحين المغاربة بزراعة الحبوب، وغيرها من المواضيع المرتبطة بقطاع الفلاحة.. في ما يلي نص الحوار : س : عرف المغرب ، خلال الموسم الفلاحي الحالي، تساقطات مطرية قوية ، تسببت في فيضانات أثرت على بعض الأراضي الفلاحية خصوصا في جهة الغرب ، ما هو حجم الأضرارالتي تسببت فيها هذه الفيضانات؟ وما هي التدابير التي تم اتخاذها من أجل معالجة الوضع ؟ ج : في البداية نعبر، في الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية ، عن تضامننا المطلق مع جميع الفلاحين المتضررين الذين بادرت الحكومة إلى تخصيص 200 مليون لدعمهم ، وأنبه إلى عدم المبالغة في الأرقام المتعلقة بحجم المساحات المتضررة والتي تداولتها بعض المنابرالإعلامية ، فحسب المعطيات الميدانية ، بلغت المساحات المتضررة بفعل الفيضانات حوالي 50 ألف هكتار ، إلا أن التدابير الاستباقية التي اتخذتها السلطات العمومية المختصة، ساهمت إلى حد كبير، في التقليص من حجم الأضرار التي تسببت فيها هذهالفيضانات، على إثر الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على بلادنا خلال هذا الموسم ، خصوصا بجهة الغرب ، وقد مكنت هذه التدابير من إنقاذ نسبة كبيرة من الأراضي الفلاحية التي غمرتها مياه الأمطار الأخيرة قدرت بحوالي 30 في المائة ، حيث ساهمت تدخلات المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالغرب، على مستوى إعداد شبكات الري وقنوات تصريف المياه ، في إنقاذ أكثر من 15 ألف هكتار،إضافة إلى أن المساحات الأخرى يمكن استغلالها مستقبلا في زراعات أخرى ، وليس هناك خطورة بسبب تجمع وركود المياه على مستوى حوض الغرب ، حيث إن تأثيرذلك سيكون محدودا جدا على مستوى الإنتاج الوطني، باعتبار أن المساحة التي تضررت تبقى قليلة بالقياس إلى المساحة الإجمالية المزروعة على المستوى الوطني، وبالمقارنة أيضا مع أضرار الموسم الفلاحي السابق التي همت حوالي 100 ألف هكتار. س : كيف تنظرون إلى مستقبل الفلاحة في بلادنا ؟ ج : تؤكد المعطيات أن المغرب مازال لم يستغل حتى الآن، الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها في المجال الزراعي ، والتي تمكنه من تحقيق الأمن الغذائي والرفع من الإنتاجية في مختلف السلاسل الفلاحية ، حيث إن بلادنا تستطيع ، في مجال الحبوب ، على سبيل المثال ، أن تحقق محصولا يصل إلى 120 مليون قنطار أو أكثر. ومن المؤكد أن هذه النتائج يمكن أن تتحقق في ظل الأهداف التي حددتها الاستراتيجية الحكومية على مستوى مخطط المغرب الأخضر ، والتي تتسم بالشمولية ، وتتوخى تجاوز المعيقات والعقبات التي ظلت تعرقل نمو القطاع الفلاحي ، ويظهرأن النتائج الأولية لهذا المخطط كانت إيجابية بشكل عام ، إلا أن ضمان النجاح الكامل يتطلب التحلي باليقظة المستمرة وتضافر جهود مختلف الفاعلين ، واحترام التزامات جميع الأطراف المتدخلة ، لأن تحقيق أهداف هذا الورش الهيكلي ، مسؤولية الجميع . س : هل يمكن النظر إلى التساقطات المطرية لهذه السنة باعتبارها مؤشرا على موسم فلاحي جيد ؟ ج : لا شك أن الأمطار التي مازالت تتهاطل على بلادنا تبشر بموسم فلاحي مهم، إن شاء الله ، قد يتجاوز المعدلات التي تسجلها المواسم الفلاحية المتوسطة ،إذ تدفع مختلف المؤشرات الفلاحية إلى التفاؤل بالرغم من بعض الأضرار التي خلفتها الأمطار الاستثنائية في بعض المناطق ، ومن أهم هذه المؤشرات نسبة المساحات المزروعة بالحبوب ، والتساقطات المطرية المهمة التي تساقطت على مختلف مناطق المغرب، وارتفاع مخزون البذور المختارة إلى حوالي مليون و200 ألف قنطار ، وارتفاع منسوب مياه الوديان والسدود بما يحسن احتياطات المياه الموجهة للاستعمال الفلاحي ، وتوسيع زراعة الأشجار المثمرة ، وتوفير الكلأ للماشية، حيث ستستفيد من هذا الوضع مختلف الأنشطة الفلاحية ، وكل المعطيات السابقة تجعلنا نتوقع أن يتجاوز محصول الموسم الفلاحي الحالي من الحبوب الحاجيات الوطنية ،وقد يوفر مخزونا إضافيا ، كما أن هذه التساقطات ستكون لها آثار ايجابية على الصادرات المغربية من المنتوجات الفلاحية وعلى زراعة الأشجار المثمرة ، وكذا على تحقيق نمو جيد للنباتات الطبيعية بالمراعي ، حيث سيتوفر الكلأ الكافي للماشية ، بالإضافة إلى تحسين الاحتياطات من مياه السدود ذات الاستعمال الفلاحي التي سجلت معدلات قياسية بالمقارنة مع السنوات الماضية ، وستكون لهذه الأمطار آثار مفيدة أيضا على تحسين الفرشة المائية ، كما أنها ستمكن من الاستجابة للحاجيات من المياه خلال الفترة المتبقية من الموسم الفلاحي الجاري ، و لم لا ضمان احتياطي مهم من المياه المستعملة في الري للمواسم الفلاحية المقبلة. س : كيف تقيمون حصيلة سنة 2009 على مستوى الاستراتيجية الفلاحية الجديدة ؟ ج : يمكن أن نقيم الانطلاقة وليس الحصيلة ، لقد تميزت سنة 2009، التي شكلت السنة الأولى من تفعيل "مخطط المغرب الأخضر"، بإنجاز ملفات مهمة ، تهم بالأساس، بدء العمل الفعلي لوكالة التنمية الفلاحية، وتفعيل وإعادة هيكلة الغرف الفلاحية، وإعادة هيكلة مصالح الوزارة والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمواد الغذائية، و تفعيل المخططات الجهوية وإبرام عقود برامج مع التنظيمات المهنية لأهم سلاسل الانتاج كالحليب واللحوم الحمراء وغيرها ، وهكذا عرفت السنة الماضيةإبرام العديد من الاتفاقيات مع مهنيي سلاسل الإنتاج لتحديد الإجراءات التقنية والمالية ومستوى الاستثمارات الواجب القيام بها للنهوض بالقطاع،وتم إبرام اتفاقية مع ثلاثة بنوك ومؤسسة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لتعبئة الموارد المالية الضرورية لإنجاز المشاريع المبرمجة في هذا المخطط، والتزم القرض الفلاحي بإنجاز استثمارات تصل إلى 20 مليار درهم في ظرف 5 سنوات، وهي عوامل مهمة من شأنها النهوض بالقطاع الفلاحي وجعله قطاعا عصريا يتميز بالتنافسية العالية، ويحقق الأمن الغذائي ويقوم بدور المحرك الأساسي للاقتصاد القروي ورافعة للاقتصاد الوطني. وتم الاهتمام بسلسلة الحبوب عبر توفير كميات قياسية من البذور بالنسبة للموسم الفلاحي 2009 / 2010،و توسيع المساحات الموجهة لإكثار البذور، ومواصلة برنامج ضمان إنتاج الحبوب ضد آفة الجفاف بهدف تشجيع هذه الزراعة . وفي إطار الشراكة بين الدولة و القطاع الخاص التي تهم تدبير الأراضي الفلاحية العمومية ، تواصلت عمليات كراء هذه الأراضي لإنجاز مشاريع كبرى ومتوسطة وصغرى ، ومن المعلوم أن هذه الأراضي التي كانت في الماضي ذات إنتاجية متواضعة ، أصبحت عبارة عن ضيعات نموذجية في مختلف المجالات والفروع الفلاحية .. وتميزت السنة الماضية أيضا باتخاذ تدابير مهمة بالنسبة للإعداد الهيدروفلاحي ، شملت الري الكبير من خلال انطلاق الدراسات المتعلقة بتفويض خدمة الماء بكل من المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي باللوكوس ودكالة وتادلة، ومتابعة البرنامج الذي يهم صيانة وتسيير شبكات الري الكبير بمجموع المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي ، ومتابعة أشغال توسيع والاستصلاح الجزئي أو الكلي لعدد من دوائر السقي الصغير والمتوسط ، ومتابعة برنامج تكوين 20 جمعية لمستعملي المياه المخصصة للأغراض الزراعية ، دون إغفال المشاريع المتعلقة بتنمية المناطق البورية، وتحسين المراعي و فتح واستصلاح المسالك القروية وإنجاز أشغال التزود بالماء الشروب وغيرها من العمليات التي تهم الغراسة والزراعة وتربية الماشية .. ولكن لابد من التأكيد على أمر مهم ، وهو أن أي تقييم موضوعي لحصيلة المخطط الأخضر في سنته الأولى يعتبر صعبا جدا لعدة اعتبارات من أبرزها أن مختلف المشاريع المبرمجة في إطار هذا المخطط ذات طابع هيكلي ولن تظهر نتائجها إلا بعد سنوات ، ولكن الانطلاقة كانت إيجابية كما قلت ، نتجت عنها دينامية جديدة في القطاع الفلاحي ، وهو أمر يبعث على التفاؤل بخصوص النتائج المستقبلية.. س :وكيف يمكن تقييم حصيلة الموسم الفلاحي المنصرم خصوصا بالنسبة للحبوب ؟ ج : كيفما كان الحال يمكن القول إن الموسم الفلاحي الماضي كان على العموم ، جيدا بالمقارنة مع السنوات الماضية ، وفي سياق التحولات في الإنتاج العذائي وأنماط الاستهلاك على الصعيد العالمي، وأعتقد أن محصول الحبوب الذي تجاوز سقف مائة مليون قنطار يشكل محفز لنا من أجل مضاعفة الجهود لتحقيق نتائج أفضل في المواسم المقبلة .. والحقيقة أنه كان من الممكن أن تكون السنة الفلاحية أفضل بكثير لو لم تكن هناك بعض العوامل السلبية ، مثل الفيضانات التي ألحقت أضرارا بجهة الغرب وببعض المناطق الأخرى ، حيث تعرضت حوالي 100 ألف هكتار لإتلاف كامل وضرر كبير ، موزعة على السكريات وسائر الأنواع الفلاحية الأخرى، ولحقت بعض الأضرار أيضا بجهة الشاوية ورديغة بسبب «التبروري» ، كما أن هذه السنة كانت استثنائية من حيث كثرة الأمراض بفعل غزارة الأمطار التي تهاطلت، وهناك عامل آخر متمثل في ضعف استعمال البذور المختارة ، حيث لم نستعمل على الصعيد الوطني سوى 600 ألف قنطار ، في حين أننا كنا نتوفر على مليون و200 ألف قنطار ، وهذا يعني أننا لم نستعمل سوى 50% من الكميات المتوفرة. وفي تقديري أنه لو لم تكن العوامل المذكورة لكان من الممكن أن يتجاوز المحصول الفلاحي من الحبوب حجم 120 مليون قنطار ،لأن الإمكانيات والمؤهلات الطبيعية التي تتوفر عليها بلادنا تؤهلها لتحقيق نتائج أحسن لو تم الاعتماد على مرتكزات علمية واضحة في تدير القطاع الفلاحي ، صحيح أن الأمطار عامل حاسم، ولكن يجب أن نكون حذرين، فالأمطار سلاح ذو حدين يمكن أن يكون مصدرا للحياة كما يمكن أن يكون مصدرا للموت ، ولذلك لابد من توفير جميع الشروط لضمان الاستغلال الأمثل للأمطار. س : ألا تعتقدون أن المخطط الأخضر اهتم بهذا الجانب ؟ ج : هذا ما كنت أريد توضيحه بالفعل ، المخطط الأخضر اعتبر موضوع تدبير الموارد المائية من الأولويات ، ومن الضروري التأكيد مرة أخرى، على أن التجنيد لاستعمال الماء، وضمان حسن تدبيره واستغلاله يمثل مدخلا رئيسيا للنجاح سواء في القطاع الفلاحي أو الصناعي ، إن مشكل الماء يجب أن يعالج بطريقة علمية مسترشدين بثقافة الأباء والأجداد في هذا المجال، فلا يمكن الحديث عن نجاح المخطط الأخضر إذا لم نتحكم في استغلال المادة الأساسية وهي الماء ، خصوصا أن مختلف الداراسات والتوقعات تشير إلى أن المغرب سيعرف تراجعا على مستوى حجم موارد المياه وبالتالي استهلاكها، كما أن بلادنا توجد في منطقة ستعرف تقلبات مناخية مؤثرة على النشاط الإنساني والاقتصادي ، ومعنى ذلك أننا سنعرف سنوات جافة تصل إلى حد الجدب ، وسنوات أخرى ستكون ممطرة إلى حد الفيضانات ، وهو أمر يفرض علينا تعاملا استراتيجيا مع هذه الظاهرة . س : في السنوات القليلة الماضية، لوحظ اهتمام السلطات العمومية بتقليص تبعية القطاع الفلاحي للتساقطات المطرية ، لماذا لم ينتبه المسؤولون ، في الماضي ، إلى هذا الجانب ؟ ج : في هذه النقطة لابد من توضيح أمر مهم ، إذا الكل يتفق على أن القطاع الفلاحي المغربي ، ظل باستمرار تحت رحمة التساقطات المطرية ، حيث يتأثر المنتوج الفلاحي ، ويتأثر معه الاقتصاد الوطني ، إلا أن الاهتمام بهذا الجانب لم يحصل خلال السنوات القليلة الماضية ، كما جاء في سؤالكم ، وإنما حصل منذ زمن بعيد نسبيا ، حيث أدرك أصحاب القرار أهمية العلاقة بين الفلاحة والتساقطات المطرية، وحصلت محاولات من أجل فك الارتباط بينهما، ويتجلى ذلك في السياسة التي اعتمدها المغرب في مجال بناء السدود ، والتي كان من بين أهدافها الأساسية ضمان الموارد المائية الكافية لسقي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ولا شك أن هذه السياسة التي رعاها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني كانت لها نتائج إيجابية بشهادة الخبراء الدوليين ، حيث مكنت من توفير كميات مهمة من المياه استفادت منها بعض الأنشطة الفلاحية، في سنوات الجفاف ، وبالتالي قلصت ، نسبيا، من حدة الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة التي أصبحت بنيوية .. س : طيب بعيدا عن الإكراه المرتبط بضعف التساقطات المطرية ، ماهي في نظركم أهم المعوقات التي تعوق تطور الفلاحة المغربية ؟ ج : بطبيعة الحال ، هناك العديد من العوامل والمعوقات التي تمت الإشارة إليها في أكثر من مناسبة ، وهي جوانب تحول فعلا دون تمكن المغرب من تنمية القطاع الفلاحي والرفع من مردوديته وتحسين جودة منتوجاته وتنويعها ، في اتجاه تحقيق الأمن الغذائي الذي يحمي بلدنا من التبعية السلبية و اللجوء إلى استيراد أغلب احتياجاته من الخارج. ويمكن إجمال هذه المعوقات التي تعيق تطور الفلاحة المغربية ، في الرهان على التساقطات المطرية ، وانتشارا لاستغلاليات الفلاحية الصغيرة التي تعتمد على زراعات معاشية لا تكاد تغطي حتى الحاجيات الأساسية للفلاح صاحب الاستغلالية ، وضعف الاعتماد على المكننة وعدم الإكثار من استعمال الأسمدة والبذور المختارة ، ويشكل ضعف الاستثمار وعدم الاهتمام بالخبرة والبحث العلمي في المجال الزراعي ، والواقع أن هذه الاختلالات لا تهم فقط الاستغلاليات الصغيرة ، بل هناك استغلاليات فلاحية كبرى ومتوسطة، تعاني هي الأخرى من اختلالات تجعل الاستغلاليات الفلاحية غير قادرة على تحقيق محصول وافر ومنتوج يتمتع بالجودة والتنافسية في السوقين الداخلية والخارجية ..وللتذكير فقط فالمغرب مثلا يستعمل 52 كلغ من الأسمدة في كل هكتار مقابل 204 كلغ في فرنسا و 6 جرارات لكل 1000 هكتار مقابل 31 جرارا في مصر ، وهي مؤشرات تعكس ضعف استعمالنا للأسمدة والمكننة مما يؤثر سلبا على الإنتاجية . وفي هذا الإطار تجب الإشارة إلى أن المشكل المرتبط بالتمويل يعتبر من المعوقات الكبرى التي تواجه الفلاحة والفلاحين في بلادنا ، وهو ما تم الانتباه إليه في مخطط المغرب الأخضر ، ترجم على مستوى الواقع بالاهتمام الذي أولته السلطات العمومية لهذا الجانب ، حيث تم إبرام عدة اتفاقيات مع أبناك مغربية لضمان التمويل اللازم لإنجاح مشاريع هذا المخطط .. والواقع أن حل هذا المشكل يمكن أن يتم بالاعتماد على الأموال الناتجة عن الأنشطة الفلاحية حيث إن أموال القطاع الفلاحي توظف مع الأسف الشديد في قطاعات غير منتجة ، وكان من المفروض أن تستثمر ، قبل كل شيء ، في الأنشطة الفلاحية لتقوية مكانتها في الاقتصاد الوطني .. س : بدأ الحديث أخيرا عن مفهوم الحكامة باعتباره أحد المشاكل المطروحة في القطاع الفلاحي ، ماهو موقفكم بهذا الخصوص ؟ ج : إلى جانب المشاكل التي أشرت إليها في السابق ، و المتعلقة بالارتهان للتساقطات المطرية والجفاف والماء والعقار والتمويل والبحث العلمي التنموي، فإن المعطيات تبين أن مشكل الحكامة في القطاع الفلاحي يبقى مطروحا شأنه في ذلك شأن مختلف القطاعات إلا أن انعكاساته في الفلاحة تكون خطيرة لارتباطها بالأمن الغذائي، حيث إن عددا من المشاريع كانت تتم برمجتها لأجل تطوير القطاع غير أنها لم تنجز بصفة نهائية أو أنها أنجزت ولم تحقق النتائج المرجوة، ومنها على وجه الخصوص المشاريع المتعلقة بالأشجار المثمرة كالخروب واللوز والزيتون وأركان، والتي من الضروري الوقوف عند الأسباب التي حالت دون تحقيق الأهداف المسطرة . والحكامة تعني برمجة المشاريع المناسبة في الوقت المناسب ومباشرة تتبع مراحل إنجازها والتدخل بسرعة لمعالجة أي نقائص أو تعثرات في التنفيذ .. س : يلاحظ الاهتمام الكبير للفلاحين المغاربة بزراعة الحبوب، ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا التوجه ؟ ج : في الحقيقة ، المسألة معقدة جدا وتتحكم فيها عدة عوامل ، إلا أن هذا التوجه ليس سلبيا ، وإنما الجوانب السلبية تكمن في الطرق والأساليب غير المناسبة المستعملة في هذه الزراعة . إن المعطيات المتوفرة تؤكد أن الحبوب ومشتقاتها تلعب دورا لا جدال فيه على المستوى الغذائي والاجتماعي والاقتصادي . ويقدر متوسط الاستهلاك السنوي من الحبوب بأكثر من 200 كلغ للفرد الواحد ، كما أنها توفر حوالي ثلثي الحاجيات الطاقية ، وتمثل حوالي 25 في المائة من النفقات الغذائية ، وتساهم بحوالي 40 في المائة من فرص العمل التي يوفرها قطاع الإنتاج النباتي ، كما أنها تكون 30 في المائة من الناتج الفلاحي الداخلي الإجمالي ، وحوالي 45 في المائة من إجمالي الواردات ، وتشكل تجارة الحبوب ومشتقاتها عاملا حاسما في النشاط الاقتصادي العام . وتغطي الحبوب مساحات مهمة تصل إلى حوالي 70 في المائة من من الأراضي المحروثة سنويا التي تتجاوز 5 ملايين هكتار، وتشمل الشعير والقمح الرطب والقمح الصلب والذرة التي تعتبر الأصناف الأساسية من الحبوب بالإضافة إلى أصناف أخرى ثانويةمثل الأرز والخرطال والذرة البيضاء .. وتقع 90 في المائة من المساحات المحروثة بالحبوب في مناطق فلاحية ممطرة ، 50 في المائة منها توجب بالمناطق الجافة وشبه الجافة .. ولا شك أن التوجه نحو تحسين إنتاجية ومردودية الحبوب له دور حاسم في الاقتصاد الوطني ، عبر تقليص التبعية للخارج و توفير العملة الصعبة وتحسين الميزان التجاري للمغرب ، وهي جوانب ركز عليها مخطط المغرب الأخضر ، وتظهر أهمية قطاع الحبوب من خلال المحصول الفلاحي الجيد الذي سجل السنة الماضية ، حيث ساهم ذلك في انخفاض فاتورة واردات المغرب من الحبوب بحوالي 66ر8 ملايير درهم ، مسجلة تراجعا قدره 50 بالمائة ، مقارنة مع 2008. ويفسر هذا الانخفاض ، حسب المعطيات الرسمية ، أساسا ، بتراجع مشتريات القمح بنسبة 2ر56 بالمائة ، حيث انخفضت قيمتها من 4ر12 مليار درهم سنة 2008 إلى حوالي 44ر5 ملايير درهم برسم سنة 2009. وقد تراجع حجم واردات القمح والذرة والشعير، على التوالي بنسبة 42 في المائة 9ر29 بالمائة و 5ر55 بالمائة. وهكذا تظهر أهمية الحفاظ على زراعة الحبوب والعمل على تثمينها عبر الرفع من مردودية الهكتار الواحد ، ولو بقنطارين سنويا، عبر توفير الشروط الضرورية لذلك ، وفي مقدمتها البحث التنموي على مستوى التربة والبذور ووسائل العمل، ويمكن أن نستفيد من فرنسا في هذا المجال ، حيث كانت تحقق في بداية السبعينيات حوالي 35 قنطار للهكتار، وبفضل البحث التنموي في المجال الفلاحي استطاعت أن تصل في الوقت الراهن إلى أكثر من 80 قنطار للهكتار . وأعتقد جازما أن المغرب بإمكانه أن يحقق منجزات مهمة اعتمادا على البحث التنموي وتوسيع المساحات المزروعة بالبذور المختارة ، خصوصا أننا نتوفر على ضيعات فلاحية في عدد من المناطق المغربية التي تنتج ما بين 50 و 80 قنطار للهكتار ..