أنقذ الممثل المغربي سعيد باي فيلم "الرجل الذي باع العالم" للأخوين عماد وسهيل النوري من إفلاس "فني" حقيقي، بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل عربي في الدورة السادسة لمهرجان دبي السينمائي. ققد كان الأداء الجيد والصادق لسعيد باي هو نقطة الضوء الوحيدة في فيلم "مظلم" وباهت وثقيل وغارق في غرابة لا تحتمل. باي خرج منتصرا في فيلم بلا ملامح وبلا هوية وبلا عنوان، بل مجرد متتاليات صور متحركة في فضاءات مغلقة كأننا إزاء مسرحية تجريبية من 16 فصلا. إكس" هي الشخصية التي تقمصها سعيد باي وأمسك بخيوطها، شخصية مركبة تعيش مشاعر متناقضة: السعادة والحزن، الفرح والغضب. وسط أجواء تسيطر عليها الحرب، يعيش "إكس" الذي يشتغل ناسخا للمجلدات في وزارة الحرب قصة حب عنيفة. يكاشف صديقة "ناي" الذي يتقاسم معه كل شيء في حياته حتى أسراره بوجود حبيبة في حياته يمتلئ الصديقان بالسعادة ويتعاهدان على العيش ثلاثتهم تحت سقف واحد. فجأة تنقلب سعادة "إكس" إلى تعاسة ويدخل في مرحلة شك ويعيش كوابيس مزعجة وينعزل عن حبيبته ويُؤْثر العزلة في غرفته المظلمة ليكمل المهمة التي كلفه بها رئيسه في العمل. يغرق "إكس" في دوامة من الحيرة والقلق، ورغم محاولات "ناي" لمساعدة صديقه الحميم في الخروج من أزمته النفسية الحادة، لم ينجح في إنقاذ "إكس" من الشرنقة الضيقة التي وضع فيه نفسه وقادته إلى مهاوي الجنون، ونهاية غير سعيدة مناقضة لبداية أحداث الفيلم. الفيلم مقتبس عن رواية الكاتب الروسي فيدور دويستوفسكي "قلب ضعيف"، وأغلب المخرجين السينمائيين الذين تعاملوا مع المتون الروائية لهذا الروائي الكبير كانوا يتوفرون على جرأة فنية، وأدوات سينمائية لاقتحام العوالم النفسية لشخصيات دويستوفسكي المركبة، ومعرفة واسعة بعلم النفس لإضاءة البقع المعتمة وتحليل ألغاز رواياته. قبل مشاركة هذا الفيلم في مهرجان دبي، مثل المغرب في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته التاسعة تمثيلا غير مشرف، بعد أن خلف الفيلم ردود أفعال ساخطة في صفوف أغلب من شاهدوه بقاعة قصر المؤتمرات، إلى درجة أن بعض الممثلين تحاشوا تقديم انطباعاتهم الأولية للتلفزيونات الوطنية، ومنهم من شكك حتى في هوية الفيلم ناهيك عن تمثيله للمغرب. وهنا نفتح قوسا كبيرا لنتساءل عن المقاييس الحقيقية التي يعتمدها "أهل الحل والعقد" بمؤسسة مهرجان مراكش لانتقاء الأفلام التي تمثل المغرب. مخرج مغربي -فضل عدم ذكر اسمه- يتمنى ألا تشارك أفلامه في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش، موضحا أن الأفلام السابقة التي مثلت المغرب في الدورات السابقة كان مصيرها الفشل الذريع. لكن حلم أغلب المخرجين السينمائيين المغاربة أن تدرج أفلامهم في مهرجان مراكش ولو على هامش المسابقة الرسمية، لأن فرصة أن يشاهدك جمهور نوعي مثل جمهور مهرجان مراكش الذي يحضره رواد السينما العالمية والعربية لن تسنح لك أكثر من مرة أو مرتين في عمرك. إذاً الأخوان سهيل وعماد النوري مدينان لسعيد باي الذي منحهما هذا الاستحقاق، وهذه الجائزة، وهذا الاعتراف بفيلم هو للنسيان في مهرجان عالمي مثل مهرجان دبي، لفت إليه الانتباه وسط صناع السينما وأمام كاميرات القنوات الفضائية العربية والعالمية وعدسات المصورين. هذه اللحظة هي التي كان ينتظرها سعيد باي الذي يمتاز بخاصية لا تتوفر في أغلب الممثلين المغاربة، وهي الأداء الصادق.. خاصية أخرى يتفرد بها باي والقليل من أقرانه، هي التفاني في عمله، فهو يسلّم للمخرجين نفسه بلا قيد أو شرط، و"يعبد" الشخصيات التي يتقمصها.. داخل محراب التصوير يتحول إلى «ناسك» لا يعرف ديانة أخرى غير «السينما»!! انظروا ما فعل به الأخوان النوري في فيلمهما، لقد صبغا شعر رأسه بالأصفر وجعلاه معاقا و»نَتَفا» لحيته!! ومن شاهد سعيد باي في فيلم تجاري ك"ألو 15" ساقه إليه القدر، لن يتعرف عليه في فيلم الأخوين النوري "الرجل الذي باع العالم". حتى في السينما هناك ميزان الحسنات والسيئات، والأداء المقنع لسعيد باي في فيلم الأخوين النوري يمحو "ذنوبه" و"سيئاته" و"اختياراته" الفنية غير الصائبة أحيانا، وتؤشر على ولادة "نجم سينمائي" قادم إلى عالم الأضواء. مشاركة سعيد باي في "الرجل الذي باع العالم" هي أول بطولة مطلقة له في السينما، بعد أن شارك في سلسلة من الأفلام السينمائية في أدوار ثانوية كان لا يجد في معظمها هامشا لتفجير طاقاته، مثل "الغرفة السوداء" لحسن بنجلون و"ريح البحر" لعبد الحي العراقي و"وبعد" لمحمد إسماعيل و"إيكس شمكارة" لمحمود فريطس ، و"ألو 15" لمحمد اليونسي، ثم فيلم "ولاد لبلاد"الذي سيعرض قريبا في القاعات السينمائية للمخرج محمد إسماعيل الذي قدمه أيضا إلى التلفزيون في فيلم "أمواج البر" الذي كان مقدمة لمجموعة من المشاركات التلفزيونية مع حكيم النوري، وعادل الفاضلي، ونور الدين لخماري، ولطيف لحلو. وشارك أيضا في فيلم "نهاية سعيدة" للمخرج إدريس الروخ رفيق كفاحه الفني. على خشبة المسرح، نكتشف وجها جديدا لسعيد باي الذي استحق بجدارة جائزة أفضل دور في مسرحية "الرقصة الأخيرة" لإدريس الروخ في الدورة السابعة للمهرجان الوطني للمسرح بمكناس. مسرحية "بلادي" أبدع فيها سعيد باي أيضا تحت إدارة الممثل والمخرج إدريس الروخ. رغم جسده الناحل فوق خشبة المسرح، إلا أن سعيد باي تستطيل قامته على الركح،وتتمطط روحُه حتى تملأ كل فراغات الخشبة، ويطرق صدق أدائه قلوبَ المتفرجين... حتى في حياته العادية وهو خارج حلبة المسرح والسينما يُخْرِج لك سعيد باي قلبَه من صدره ساخنا ويمنحُه لكَ مجانا.