يخيل للناس أن سهولة استرخاص العرب المسلمين الاستشهاديين لأرواحهم نابعة من قوة الإيمان والاقتناع المبني على المعرفة الشاملة بأصول الدين والفهم الصحيح لمرامي التأويل ومصلحة الأمة، لكن الحقية المأساوية غير ذلك، فتلك السهولة راجعة إلى سبب واحد هو الطبيعة العنيفة للشعوب العربية الإسلامية (للأسف انتقلت إلى شعوب إسلامية غير عربية مثل أفغانستان وياكستان وإندونيسا)، ونحن لن نخوض في الأسباب التاريخية الاجتماعية النفسية لهذ العنف ولكن سنفترض أن الإنسان العربي المسلم شحنة من العواطف القوية التي، إما تحب بعنف أو تكره بعنف أو تتلذذ بعنف أو تربي بعنف، إلى آخر القائمة، عنف آت من التنشئة الاجتماعية المنفصمة، والتي تخلقها التناقضات الكامنة في هذه الشخصية العربية المسلمة. قوة الرغبة وقوة المنع، قوة الشهوة وقوة التحريم، إرادة مقموعة عاطفيا وجنسيا وسياسيا واجتماعيا، أضف إلى ذلك الفقر الذي يتحول إلى كفر بكل شيء، كفر يفرخ في جانب، المنحرفين والمجرمين، وفي جانب آخر يفرخ المكبوتين الناقمين على كل شيء، المختبئين وراء قناع الدين، متجاوزين الشرع، مضخمين الجزئيات الشرعية التي لا يلجأ إليها المسلم عادة سوى في حالة تهديد كبير لعقيدة المسلم. العنف الذي رافق مباريات الفريقين المصري والجزائري فضح جانبا من هذه الشخصية العنيفة، وما الشوفينية المصرية ولا الشعبوية الجزائرية إلا الشرارة التي فجرت المكنونات الحقيقية لهذه الشخصية العربية الإسلامية، في واقع كاذب لا يتوقف عن التغني بالأمة العربية الإسلامية، بينما الواقع المادي يقول أشياء أخرى. تبين أن الشعبين المصري والجزائري ليسا شقيقين ولا تربطهما لا عروبة ولا إسلام، وأنهما شعبان متميزان عن بعضهما البعض، وأن النفاق السياسي هو الذي جمعهما تحت قبة الجامعة العربية، وأن العواطف لا تخلق الوحدة، وقد رأينا كيف اتحدت أوروبا بالعقل وانمحت الحدود بينها وأزيلت تأشيرات الدخول فيما بينها وغيرها بينما دولها لا توحدها لغة ولادين ولا تقاليد ولا "مصير مشترك"، في حين لم تستطع الأمة العربية الإسلامية الحفاظ على هدوئها لمدة 90 أو 180 دقيقة. لقد تبين أن ما يجمعنا في وطننا العربي المسلم هو العاطفة لا العقل، والعاطفة تتبدل وتتغير، تجود بخفقان القلب الذي ليس بعده حب وتهوي بساطور الحقد الذي لا يبقي ولا يذر، حتى الرباط المقدس بين الزوجين لا يصمد للزلازل لأنه مبني بعاطفة هشة تتأرج بين الساعة والساعة، وكذلك عواطف الشعبين المصري والجزائري، تخلصت من الكذب والنفاق وكشفت عن الأحاسيس الحقيقية تجاه بعضهما البعض، ولو كانت هناك حدود بين البلدين لتطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. درس بليغ إذن أعطاه لنا الشعبان المصري والجزائري في مفهوم القومية العربية الإسلامية، فليسكت الكذابون الذين يجعلون الشعوب تحس بغير أحاسيسها وتحب بغير نبض قلب وتجعل العدو شقيقا وناوي الشر أخا، وليراجع كل عربي مسلم إيمانه وعقيدته، فإن الدين الذي لا ينهى عن المنكر الكبير ليس بدين فكيف به لم ينه هؤلاء عن منكر صغير نسميه "مباراة في كرة القدم تلهي عن ذكر الله". http://el-ouakili.maktoobblog.com http://el-ouakili.maktoobblog.com