ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ورزازات.. توقيف شخصين متهمين بالنصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسألة التعليمية في المغرب واللامفكر فيه
نشر في هسبريس يوم 16 - 11 - 2009

يتعلق الأمر في هذه الورقة بمقاربة للمسألة التعليمية تنظر إليها من باب أو من منفذ لم نتعود ه أو نتحاشاه. إنه باب اللامفكر فيه. إن الأمر يتعلق أساسا بواقع ماثل أمام أعيننا نراه ونعيشه كل يوم ولكن على مستوى الفعل، وحتى على مستوى الخطاب في بعض الحالات، نتيه ونضل الطريق. وعلى هذا المستوى نبقى إذا ما استعرنا تعبير لوي ألتو سير نتأرجح بين رؤية الأشياء الماثلة أمامنا ولا رؤيتها في نفس الوقت Vue et Bévue*. وذلك هو الغلط الكبير Bévue حسب ألتو سير دائما. وهذه اللارؤية في اعتقادنا هي التي تتركنا ثابتين في أماكننا نتوهم في كل إصلاح أننا وضعنا أيدينا على المشكل في حين أنه يظل ثابتا في مكانه، ويجدها فرصة لكي يتقوى و يتطور ويصبح إشكالية، بما توحي إليه هذه الأخيرة من صعوبات نظرية، وما ينجم عنها من قلق للذهن الذي يجد نفسه تائها بين افتراضات متعددة. وكلما اعتقد أنه توصل إلى الحل، كلما وجد نفسه أمام مشاكل أخرى تثيرها في وجهه جوانب من تلك الإشكالية ومن مظاهرها وبالتالي يتحول الحل المأمول، كما يقول الأستاذ الجابري، إلى ما يشبه السراب. تلك في نظري أهم مميزات العمليات الإصلاحية التي عرفها مشكل التعليم في المغرب والتي ظلت للأسف تتحكم فيها النظرة السابقة وكأن على أعين منظرينا ومسئولينا التربويين غشاوة تحول دوما دون نظرة فعلية لواقع الحال بعيدا كل التأملات النظرية الزائفة و الواهمة. ""
لقد كان من نتائج مثل هذه النظرة اتساع مجال المسكوت عنه في المجال التربوي، وفي أحد مجالاته الأساسية: المؤسسة المدرسية. وذلك ما ستحاول هذه الورقة الكشف عنه اعتمادا على مفهوم أساسي يلخص كل العملية. إنه مفهوم اللامفكر فيه، وعلينا في هذا الإطار أن نتساءل، ومن زاوية ايبستيمولوجية صرفة، عن ما الذي يعنيه هذا المفهوم وعن مدى اجرائيته في مقاربة وضعنا التعليمي؟ خاصة وأنه يحيل إلى فكر بل وإلى فلسفة بعينها: إنها الفلسفة الغربية في المنتصف الثاني من القرن العشرين كما فرضت نفسها بشكل جريء ورافض بل ومتعال مع مجموعة من الأسماء مثل نيتشه، بول ريكور، ألتو سير، فوكو وآخرون ؟ماهي مجالات اللامفكر فيه في حقلنا التعليمي وكيف تتمظهر ؟ بل ويمكننا أن نتقدم أكثر في التساؤل وفي التفكير لماذا هذا السكوت؟ لماذا نتحاشى الحديث في مجالات وممارسات نعرفها، نقبلها أو نرفضها سرا وعلنا لكننا لا نتحدث عنها كإمكانات حلول أو كمشاكل أو عوائق حقيقية تعيق تقدم منظومتنا التربوية وتعطل فهمها في حقيقتها ؟
يحيل مفهوم اللامفكر فيه كمفهوم فلسفي كما سبقت الإشارة قبل قليل إلى الفكر الغربي المعاصر. وهو مفهوم توضح أكثر مع الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي يشير به إلى كل مجالات الحياة التي بقيت مهمشة داخل الفكر الغربي بالرغم من حضورها الضروري والطبيعي الدائم عل مستوى الحياة البيولوجية للإنسان أو على مستوى معيشه اليومي.إنه يحيل إلى كل الممارسات الإنسانية الفردية والاجتماعية غير الخاضعة للتفكير و المساءلة لدرجة أنها تحولت إلى شبه طابوهات محرمة، كل واحد منا يتحاشى ويتجنب الحديث فيها.
بخصوص تحليله المجتمع الغربي سيلاحظ فوكو أن ثمة مجالات أو قارات ظلت غير مخترقة وغير مفكر فيها وبشكل يكاد يكون جماعيا، وكأن ذلك غير مسموح به أو كأن ثمة قوة عظمى -خفية بطبيعة الحال- تحول دون ذلك، بالرغم من أن الكل يعاني منها في صمت. ذلك شأن موضوعة الجنس بالنسبة إليه الحمق، السجن وكل مجالات التهميش و النفي و الإقصاء. إنها مجالات يتم التعامل معها بشكل متعال محتشم أو أخلاقي انطلاقا من ثنائية الخير /الشر العقل /اللاعقل المباح/غير المباح... الخ من هذه الثنائيات الميتافيزيقية التي حكمت العقل الغربي لسنوات عديدة منذ العصر اليوناني وظهور اللوغوس الذي لا يومن إلا بالوحدة و الانسجام والرافض كلية للتناقض والاختلاف.
هذا بشكل عام ومختزل شيئا ما، ما يحيل إليه مفهوم اللامفكر فيه كما يقدم نفسه داخل النسق الفلسفي الغربي المعاصر. وهي تجربة أو طريقة في النظر قريبة بشكل كبير من المنظور السوسيولوجي وطريقة تدبير السوسيولوجيين وتناولهم لموضوعاتهم. نستحضر في هذا الإطار تعريف ألان تورين للسوسيولوجيا كمجال للبحث عن الخفي وإظهاره والكشف عن سر التخفي والإخفاء.تلك وظيفة السوسيولوجيا والتي تتقاطع مع الفلسفة، على الأقل مع ذلك الاتجاه الذي دشنه ميشيل فوكو وأبدع فيه ومن ثم جعل التفكير الفلسفي مرتبطا وقريبا أكثر من الواقع، والتحليل الفلسفي كتتويج لما يقدمه السوسيولوجي عن هذا الواقع بمعطياته الظاهرة والخفية.
بعد هذه التحديدات النظرية العامة والضرورية أيضا نعود إلى الموضوع الذي يهمنا في هذا المقام والمرتبط بالمسألة التعليمية في المغرب للوقوف على خفاياها اعتمادا على هذا المفهوم الذي اخترناه في هذه المهمة والذي نشير منذ الآن أننا نستعمله إجرائيا وليس علميا سائرين على هدي الباحث المصري أنور عبد المالك عندما يميز بين الطابع العلمي للمفهوم كتصور نظري أفرزه واقع ما ويظل بمقتضى ذلك الارتباط الأولي الجنيني مشدودا إليه، وطابع إجرائي بمقتضاه نستعمل المفهوم ونحن واعون بامكاناته العملية وبحدوده في نفس الوقت. بعد هذه التحديدات المنهجية والضرورية أيضا نخلص إلى التساؤل عن الجوانب المسكوت عنها في مجالنا التعليمي، تلك الجوانب التي تدخل في مجال ما فضلنا تسميته باللامفكر فيه.
تحيل أو توجد هذه الخفايا /الظواهر ضمن المجالات التالية: مجال البنيات التحتية، مجال التواصل والعلاقات داخل البنية المؤسسية وجانب العلاقة مع المحيط السوسيو اقتصادي والثقافي. وبشكل عام فهي تحيل إلى كل المكونات التي من خلالها يمكن أن نقارب أو ننظر إلى المؤسسة المدرسية فالمؤسسة هي أولا وقبل كل شيء بنيات وبالتالي يحق لنا التساؤل إلى أي حد يمكن لمدارسنا على هذا المستوى و في حالتها الراهنة أن ترغب في التمدرس وأن تنهض به ؟ و هي ثانيا علاقات وتواصل بين فئات أو مكونات الفعل التعليمي أو التربوي بشكل عام، ما طبيعة هذه العلاقات؟ إلى أي حد هي سوية؟ وهل يحكمها نفس التصور التربوي؟ كيف تشتغل ؟كيف تتحرك وما الذي يحكم تدخلاتها؟ هل هي موجهة بمشروع تربوي؟ إلى أي حد تستطيع تجاوز املاءات المنهاج التربوي أو على الأقل تحترمه بعيدا عن كل التأويلات والتي تكون في غالب الحالات ذاتية؟ ثم إن المؤسسة التعليمية، من جهة ثالثة ،هي مجال لا يمكن أن نعزله عن العالم الخارجي، عن سوق الشغل وعن متطلبات الحياة بشكل عام في شكلها المادي الاجتماعي والثقافي ومن ثم التساؤل كذلك إلى أي حد استطاعت المؤسسة التعليمية أن تنسج علاقات سوية مع محيطها التربوي؟ على الأقل ذلك الذي تشاركها مؤسساته مهام التنشئة الاجتماعية إن بطريقة أو بأخرى. هنا أقصد أساسا الأسرة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، الشارع وثقافته، الأحزاب والتنظيمات المهنية. وبكلمة واحدة تختزل كل هذه العلاقات هل هناك مشروع مجتمعي تتأطر ضمنه أهداف المؤسسة ومشروعها؟ ويتم العمل على تنفيذه بمعية المؤسسات والمصالح السالفة الذكر بغض النظر عن طبيعة هذا المشروع هل هو تقليدي حداثي رجعي ....الخ
للأسف عندما نتأمل الوضع جيدا، ولو على مستوى الخطاب، لا نقف حتى على ملامح مشروع من هذا القبيل يمكن أن يضاهي مشاريع أو أنظمة تربوية نعثر عليها في مجتمعات أخرى.فلو أخذنا المجتمع الأمريكي على سبيل المثال نجد أن نفس التصور الفلسفي البراغماتي السائد على مستوى الفكر والتصورات حاضر و مأجرء على مستوى الخدمات والتدبير الاقتصادي وكذلك على مستوى التناول السوسيولوجي حيث هيمنة التيار الوظيفي، وبالتالي نجد التجانس على مستوى المشروع نظريا وعمليا وكل المؤسسات التربوية الاجتماعية والإعلامية مجندة لخدمته و إنجاحه بعيدا عن تلك التنافرات القاتلة التي نجدها بين مؤسساتنا التربوية والتي لا يمكن وبحكم اختلاف تصوراتها، مرجعياتها وآليات اشتغالها أن تنتج سوى ذوات ممزقة وشخصيات مريضة و مغتربة.
- مستوى البنيات التحتية ׃على هذا المستوى ينبغي أن نقر أن المؤسسات التعليمية المغربية تفتقر إلى الكثير من المرافق الضرورية. وبالتالي فهي لا توفر الجو المريح أو على الأقل الملائم للمشتغلين فيها مدرسين ومتمدرسين. وعندما لا يجد الشخص راحته، على الأقل الفيزيولوجية، داخل مجال ما فأكيد أنه سيفكر في مغادرته عند أول فرصة تتاح له. ينبغي أن نقر كذلك أنها تفتقر في هندستها للكثير من الحس الجمالي وفي غالب الحالات نجد أن موقعها نفسه يثير التقزز.
إذا تجاوزنا هذه الملاحظات، والتي وإن كانت تبدو جزئية لأول وهلة فإن لها تأثيرها الخاص على مستوى الصيرورة التعليمية وعلى أهم طرف فيها الذي هو المتعلم، فإن ثمة مرافق أخرى ضرورية للأسف كذلك لا نعثر عليها داخل مؤسساتنا كالمكتبات وقاعات المطالعة والمختبرات والملاعب و الأجهزة الرياضية فكيف يمكن جعل التلميذ يتشبع بروح النقد والبحث العلمي وتعويده على ذلك في غياب مختبرات علمية بمستلزماتها الكاملة؟ وكيف يمكن خلق تقليد القراءة لديه، صقل مواهبه وتنمية الجانب الإبداعي فيه في غياب مكتبة بالمعنى الدقيق أي مكتبة نوعية لا تكتفي فقط بالمقررات الدراسية بل مكتبة تحاول أن تواكب كل المستجدات العلمية منها والإبداعية وعلى كل المستويات التي تهم المعلم والمتعلم . على مستوى الحجرات الدراسية كذلك إلى أي حد تبيح هذه المجالات الهندسية التجديد على مستوى بيداغوجي والعمل بمقاربات بيداغوجية متنوعة؟ ألا يفترض أو يوحي مجال القسم المستطيل الشكل الممتدة كراسيه والمنظمة بشكل معين الى ببيداغوجية معينة ومحددة سلفا: البيداغوجيا التقليدية وتواصلها المحدود الاتجاه. هذا دون أن نتحدث عن ظاهرة أصبحت حاليا شبه مهيمنة داخل مدارسنا، ظاهرة الاكتظاظ وقلة الفصول الدراسية والتي أصبح نظام الدراسة داخل مؤسساتنا التعليمية وتوزيع المواد الدراسية يخضع لها أكثر من خضوعه لاعتبارات بيداغوجية أو ديداكتيكية تراعي خصوصية المواد المدرسة بساطتها أو تعقدها، نسبة أو درجة الانتباه أو التركيز التي تتطلبها وبالتالي كيفية توزيعها أو تدبيرها على امتداد اليوم الدراسي بشكل ايجابي يراعي كل هذه الاعتبارات المرتبطة بالمادة وبالموجهة إليه/المتلقي.
هذه المعطيات الظاهرة نجدها حاضرة في مختلف تقارير المجالس التعليمة ومن ثم فهي ليست جديدة ولكن مع ذلك يتم استبعادها في مختلف الإصلاحات والتدخلات. عوض ذلك يتم البحث في مشاكل التعليم عبر مستويات أخرى يطغى عليها الجانب الذاتي البيداغوجي كما سنلاحظ. ويتم إهمال هذا الشرط الموضوعي المرتبط بالبنيات التحتية وهو شرط نعتقد أنه هو القاعدة المؤسسة للعملية التربوية، وأنه آن الأوان لكي ينتمي أو ينتقل إلى مجال المفكر فيه لأنه ببساطة ماثل أمام أعييننا وبشكل مفضوح ولا مجال للاستمرار في تجنب مواجهته أو- وهذا هو الحاصل حاليا- التعويل على جهات هي أصلا إما عاجزة فقيرة-جمعية آباء وأولياء التلاميذ- أو تفتقد الثقافة اللازمة للنهوض بعمل نبيل كهذا-القطاع الخاص -.
- المستوى التواصلي أو جانب العلاقات׃ على هذا المستوى كذلك تبرز مجموعة من الثغرات هي الأخرى ظلت خارج مجال التفكير لأن الهاجس المحرك في كل الحالات كان ومازال ينظر إليه من زاوية بيداغوجية محضة. فتراجع التعليم دائما في نظر البعض هو مرتبط بأداء المدرس الذي ينبغي أن نخضعه لهذا التوجه البيداغوجي أو ذاك، خاصة وأنه سبق لهذا التوجه أن أثبت نجا عته في الغرب. مشكل التعليم من هذا المنظور هو مشكل بيداغوجي بامتياز. وهو منظور للأسف حول مدارسنا إلى مجال لاختبار المقاربات البيداغوجية المنقولة دون مراعاة الوضعيات التربوية والتي يمثل التعدد أهم سماتها، ودون الاستفادة من المكتسبات السابقة للمدرسة المغربية والتي كانت، وحتى العقدين السابقين، تعاني من عدم وجود أطر متخصصة مؤهلة بيداغوجيا لممارسة المهنة و مع ذلك استطاعت أن تنتج طاقات هي التي تمثل حاليا الثقافة المغربية في مختلف تجلياتها. عوض هذه الانزياحات ينبغي التفكير في عقلنة العلاقات داخل المؤسسة التعليمية في مختلف اتجاهاتها بشكل يصبح كل طرف فيها معنيا بدءا من إعداد المقررات إلى تقويمها، فلا يعقل أن يبقى المدرس دائما في حالة انتظار يكتفي فقط بتنفيذ ما شرعه الآخرون ونفس الشيء بالنسبة للتلميذ الذي يظل ينصت ويتلقى مادة لا تتناسب في كثير من الحالات لا مع حاجياته السيكولوجية ولا اهتماماته المرتبطة بوضعه الاجتماعي والأنطولوجي أيضا، وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يبحث عن إجابة لتساؤلاته المشروعة خارج مؤسسة المدرسة، وحتى إن اقتضى الحال عند من هو أصلا غير مؤهل لتقديم الإجابة الشافية. في هذا الإطار ينبغي التحرر من سلطة المنهاج الدراسي الذي أصبح يتحكم فينا جميعا لدرجة جعلت المدرس لا يفكر إلا في إتمام برنامجه ووفق توصيات التوجيهات الرسمية ولا يهم إن استوعب التلاميذ الدرس جيدا أم لم يستوعبوه. والمفتش من جهته قد يتفهم الوضع ولكنه، دائما و في نهاية المطاف، يستعمل كلمة" لكن" اللعينة.وفي الأخير عندما نتأمل الوضع جيدا يظهر لنا وكأننا أمام عمل مسرحي نقدمه بدقة بالغة: التلميذ يكره المدرسة وغير مقتنع بأدائها لكنه يعمل على الحضور إليها باستمرار ويفرح عندما يمرض أو يغيب مدرسه. والمدرس من جهته غير مقتنع أصلا بأدوات وشروط عمله ويعرف أنه من الممكن تدبير المادة الدراسية بشكل أفضل لكن مع ذلك يظل هاجسه هو إتمام برنامجه في الوقت المناسب بغض النظر عن طبيعة ذلك الأداء. ونفس الشيء بالنسبة لأسر التلاميذ بل وللمجتمع كافة فالكل ينتقد وغير مقتنع بوظيفة المدرسة حاليا والكل يملأ فراغات أو ثغرات الأداء المدرسي بطريقة أو بأخرى وتستمر الحياة ويكثر المعطلون و تنمحي القيم ويبدأ التفكير في التعطل وعليكم تقدير ما سيأتي.إن ما سبق يحكم على المدرسة بالجمود ويجعل منها جهازا معطلا محافظا يعمل على إعادة إنتاج نفس الوضع الاجتماعي أو يوهم نفسه بذلك لأنه، وحتى على هذا المستوى لم تعد المدرسة هي المجال الوحيد الذي يستقي منه التلميذ عاداته وقيمه بل ثمة كما نعرف قنوات تواصلية أخرى تؤدي وظيفة التطبيع هذه وبطرق أكثر جمالية وجاذبية. فحتى على هذا المستوى إذن، لا يمكن أن يعول على المدرسة باستثناء تلك الوظيفة التقليدية وظيفة الانتقاء و التقويم والتي حلت محل مهمة أخرى نبيلة: مهمة التكوين والإعداد للحياة وحيث كانت تقدم معرفة مرتبطة بالواقع منسجمة معه وتبيح فهمه تحليله وتفسيره وبالتالي التعامل معه من منظور عقلاني متزن يساير ويساهم في تطور المجتمع مما كان يؤهل المتعلم في النهاية إلى الانتقال من مجرد مستهلك للمعرفة إلى منتج لها *.
تلك بشكل عام بعض مجالات اللامفكر فيه في مسألتنا التعليمية وفي المدرسة باعتبارها أهم مجال لمعاينة ذلك، نعتقد أن التفكير فيها - إذا كانت هناك رغبة- قد يساعد المدرسة في تجاوز الكثير من تعثراتها الحالية شرط أن تطغى النظرة السوسيولوجية الشاملة في مقاربة قضاياها.وذلك لن يتأتى، في نظرنا، إلا عبر دراسة ومتابعة تشخيصية تبحث عن الأزمة في مختلف تمظهراتها وتنصت لجميع الأطراف المعنية بالشأن التربوي، في المدرسة وخارجها بعيدا عن منطق التوافقات الظرفية والحلول المكتبية والتي تقوم على إرضاء السياسي وإقصاء المعني المباشر/المدرس/رجل الميدان المدرك جيدا لما تعانيه حرفته و الذي يظل هو وحده بحكم ممارسته اليومية العارف بشؤؤنها وبكيفية تصحيحها.فمتى سننصت إليه؟ ومتى سننظر إلى مشاكل التعليم الحقيقية؟ والتي توجد ماثلة أمامنا يكفي فقط أن ننظر إليها وأن لا نفعل كما فعل جحا عندما سئل أين توجد أذنه فنختار الحلول البعيدة ونوهم أنفسنا بالحل.فليس المهم هو إيجاد الحل ولكن مدى تناسب الحل وحجم المشكلة ومدى إمكانية الأجرأة والنجاح في إقناع الأطراف المشاركة في العملية.
هوامش ׃
*-يستعمل لوي ألتوسيرهذا المفهوم للتمييز بين النظرة الدقيقة لماركس للاقتصاد الرأسمالي وبالتالي اكتشافه لمفهوم القيمة المضافة ورؤية الاقتصاديين الكلاسيكيين ريكاردو و سميث والتي عجزت أو لم ترد إدراك ذلك الفائض كقيمة مضافة واكتفت باعتباره مجرد ربح. انظر لوي ألتو سير، قراءة الرأسمال.
*-انظر في نفس الموضوع عبد الكريم غريب سوسيولوجيا التربية، محمد فاوبار سوسيولوجيا التعليم بالوسط القروي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.