ننشر سلسلة حوارات مع سياسيين، ومناضلين ومفكرين واقتصاديين وباحثين منشغلين باسئلة المغرب الراهن، علي ضوء عشر سنوات من العهد الجديد. ونحن نريد بذلك حوارا مع الفاعلين ومع تحولات هذا الواقع المغربي نفسه ، الذي بدأت ابدالاته الكثيرة تطرح نفسها على الحاضر والمستقبل. في السياسة كما في الاقتصاد أو في التمثل الثقافي، جاء العهد الجديد بالكثير من المتغيرات كما أنه يحافظ على الكثير من الثوابت..وكما يحدث في كل فعل تاريخي ، يكون الجوار الزمني بين الحاضر والمستقبل موطن افرازات وانتاجات، مادية وتاريخية تستحق المساءلة والاستنطاق. اليوم مع الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي جلال كندالي { بعد مرور 10 سنوات على حكم الملك محمد السادس، ما هو تقييمكم لهذه الفترة؟ > يتعلق الأمر، كما أسلفتم، بعملية تقويم فترة امتدت على مدى عقد من الملك، وعليه، فلا مناص من التأمل في نقطة الانطلاق ثم النظر بعد ذلك في الراهنية. لقد تميزت نقطة الانطلاق، من دون شك، بتطلعات كبرى وآمال متعددة؛ لكن نعلم جميعا أن الواقع عنيد وأنه لا يطابق دائما ما يطمح إليه الإنسان. ومهما كان من أمر، لا بد من التأكيد على ما أنجز خلال هذه السنوات العشر بفضل تظافر الجهود وبفضل التحول الأساسي الذي حصل، في نهاية عهد الحسن الثاني، بمشاركة أحزاب الكتلة في تدبير الشأن العمومي. فقد شرعت البلاد في فتح مجال الحريات وفي مرحلة تصالح مع ماضيها القريب، بفضل أداء هيئة الإنصاف والمصالحة، كما أننا استطعنا تحسين أوضاع المرأة، رغم المناورات والمحاولات التي أقدم عليها كل النكوصيين والرجعيين؛ ثم أنشئ المعهد الملكي للتراث الأمازيغي الذي مكن من الشروع في تحقيق مكتسبات تؤكد تعدد أسس حضارتنا المغربية الأمازيغية العربية الإفريقية الإسلامية. كما حصل اهتمام أكبر بالجانب الاجتماعي سواء بالنسبة للعاملين في الوظيفة العمومية أو بالنسبة للناشطين في القطاع الخصوصي، وعلاقة بإرساء قواعد مبادرة التنمية البشرية، تقوى الاهتمام بأوضاع المواطنات والمواطنين الذي يعيشون في ظروف قاسية وفي هشاشة كبرى، دون إغفال عنصر أساسي يتجلى في كون ميزانية الدولة أصبحت تخصص أزيد من 50% منها للقطاعات الاجتماعية عوض 44% كما كان الحال قبل مطلع القرن الحادي والعشرين. وفي نفس الوقت، لابد من التذكير بما حصل في ميدان البنيات التحتية من إنجاز: الموانئ- الطرق السيارة وكل ما يهم إعداد التراب- إنتاجيا (صناعيا وفلاحيا) وخدماتيا (السياحة والتقنيات الحديثة...)، وفي ميدان العمران بهدف امتصاص ظاهرة توافد سكان الأرياف نحو المدن ورغبتهم في إيجاد ظروف عيش أفضل. لكن التطلعات، كما قلت، كانت ومازالت كبيرة. ففي ميدان الحريات، تزامن الانفتاح الملحوظ مع بزوغ ظاهرة الإرهاب دوليا وإقليميا، مما أدى إلى كبت العديد من الفضاءات الواعدة في ميدان الحريات. أما التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فأخذت تصطدم بواقع الأزمة العالمية، المالية والإنتاجية، حيث أخذ المنطق المالي السائد المرتكز على النمط الرأسمالي يدخل اقتصادنا وحياتنا الاجتماعية في حلقة التضخم الذي ينسف بشكل ممنهج مكتسبات الشغيلة أو يكاد. وحتى التحسن الذي سجل في الفترة ما قبل تأثرنا بانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، لم يكن مصحوبا بتوزيع عادل للثروة بين المواطنين بل أدى، عمليا إلى تعميق الهوة أكثر بين أولائك الذين يعيشون في ضيق(حتى وإن كان نسبيا) و أولائك الذين يحبون حياة راضية. في ميدان حياة المجتمع والمواطنين اليومية، مازالت ظواهر التسلط والارتشاء والمحسوبية والفساد قائمة بل ازدادت قوة في بعض الميادين بشكل مخيف بالنسبة للمستقبل. أما في ميدان الصحة والتربية والتكوين، فبالرغم من كل الجهود التي بذلت وتبذل، مازالت النتائج لم ترق بعد إلى طموحات شعبنا. لذا وحتى لا أطيل يمكن القول بأن هذا العقد الأول من عهد محمد السادس مكن وطننا من طي صفحة الماضي وفتح آفاقا واعدة علينا جميعا؛ وعلى القوى الديمقراطية والتقدمية أن تزيد من توسيعها بإصرار وثبات وتبصر. { ما الذي تحقق، وما لم يتحقق منذ 1999 إلى حد الآن؟ > لقد أشرت في الجواب السالف إلى العديد مما تحقق وكانت كذلك إشارات إلى العديد مما لم يتحقق. وفي هذا الباب علينا أن ننظر إلى الأمور بنظرة دينامكية جدلية: ففي الوقت الذي نحقق فيه بعض المكتسبات، يبتعد خط الأفق وتظهر انتظارات و احتياجات وطموحات جديدة إضافة إلى كوننا كمجتمع لم نستطع تحقيق ما كنا نطمح إليه في المرحلة السابقة بشكل كلي وشامل. لنأخذ مثلا مضمون الحكامة الجديدة التي نادي بها صاحب الجلالة في أحد خطاباته الأولى، هل تغير سلوك ممثلي السلطة و الإدارة؟ إذا كان من الموضوعي الإشارة إلى بعض التحسن ولاسيما على المستويات العليا للإدارات، ففي المستويات المتوسطة والدنيا مازلنا نسجل نفس الاختلالات ونفس السلوكات التي لا تمت بصلة «للمفهوم الجديد للسلطة «. وهذا يقتضي مراجعة عميقة في التعامل مع من عليهم مسؤولية خدمة المجتمع والذين يعتبرون لحد الساعة أن المجتمع والمواطنين في خدمتهم هم. ويستوجب تحقيق هذا الهدف الحزم والصرامة، علاوة على مراجعة النصوص القانونية والتنظيمية المتصلة بالميدان ذاته، وإحداث أجهزة ومساطر متطورة للمراقبة والضبط تهم المستويات العليا للإدارات وكذا مستوياتها الوسطى والدنيا. وفي ميدان الحريات، مازلنا نطمح في المزيد إن على مستوى الحريات الفردية أو على مستوى الحريات الجماعية. لنأخذ في هذا الميدان ما يهم حرية الصحافة مثلا. لا أحد يجادل في أن أحوال صحافتنا حاليا لا تقبل المقارنة مع ما كانت عليه في العقد الأخير والعقد ما قبل الأخير. لكن لقد تغيرت الأوضاع خارجيا وداخليا وما كان يمثل قفزة في وقت معين، لم يبق كافيا اليوم. لذا أصبح لزاما على قانون الصحافة أن يلغي كل العقوبات الحبسية المتضمنة فيه، لكن في المقابل، على هيئة الصحفيين أن تضبط سلوك العاملين في الحقل الإعلامي حتى لا تحصل تجاوزات من شأنها أن تمس الأفراد أو الجماعات. في نفس الميدان المتعلق بالحريات، كانت بلادنا مجبرة، بعد تعرضها لأعمال إرهابية، على استصدار قوانين لمحاربة آفة الإرهاب، وهذه القوانين تحد بطبيعتها من مجال الحريات، لذا علينا أن نسلك مسلكا شبيها بذلك الذي يسير عليه البرلمان البريطاني الذي ينظر، في كل سنة، في ما يسمى بقانون الإرهاب سعيا إلى مراجعته أو إلغائه حسب التطورات التي تحصل في الميدان. معنى هذا أن علينا أن نبقى حذرين ويقظين حتى لا نترك المجال مفتوحا لكل من لا يرضيه التقدم في ميدان الحريات. في المجال الاقتصادي، حصل تقدم ملحوظ لكن هذا التقدم لم يعفنا من استمرار اقتصاد الريع المبني على المحسوبية والزبونية والتجاوزات. فبالرغم من إعادة الروح إلى « مجلس المنافسة» فما زلنا لم نتخلص بعد من السلوكات والاختلالات السيئة المشار إليها. في الميدان الاجتماعي مازال مجتمعنا يتميز بفوارق طبقية صارخة ، فحتى وإن أخذنا نسجل انخفاضا في نسبة البطالة، فهذه الأخيرة ازدادت خطورة لأنها تهم الشباب الحاصل على شهادات عليا أكثر من أن تهم فئات اجتماعية شابة أخرى وهذا أمر يطرح بحدة كبيرة إذا أضفنا إليه التباين الكبير في المداخل الخاصة بالأسر الغنية والأسر الفقيرة وهو إشكال نوجزه في طريقة توزيع الثروة الوطنية. إن أدبيات أحزاب الصف الديمقراطي مليئة بالإشارات إلى ما لم ينجز لحد اليوم وما يجب إنجازه بسرعة إذا أردنا أن نضمن الاستقرار لشعبنا، وقد لا يسمح حيز حوار مثل هذا بالإلمام بجميع الثغرات التي مازالت قائمة في حياتنا الوطنية، لذا فالمهم هو أن نناضل بقوة وإصرار حتى نغير ما بوطننا من نقط ضعف وتخلف وما أكثرها. { هناك، حسب خطاب الملك، إدارة للتغيير على هذه مستويات، هل ترجمت هذه الخطب إلى أرض الواقع؟ ما هي الأسباب أو الجهات في نظركم التي شكلت عناصر تعثر؟ > لا يمكن أن نقول بأن كل ما جاء في خطب الملك قد ترجم على أرض الواقع .فأين نحن من الحكامة الجديدة؟ من تفعيل الإدارة؟ من جعل حد لاقتصاد الريع؟ أين نحن من الديمقراطية التشاركية، أو المشاركتية؟ أين نحن من جودة التعليم ؟ أين نحن من تطبيق مدونة الأسرة؟ إن التساؤلات كثيرة ومحيرة, لكن نحن كشعب سائرون على الدرب، فعلى أحزاب الصف الديمقراطي والتقدمي أن تتحلى بالثبات والمثابرة والانصهار أكثر مع شعبنا. إن الأسباب التي تساهم في عدم تفعيل الإرادة إلى الأحسن كثيرة؛ منها ما ننعته في حزب التقدم والاشتراكية «بالعدوين اللذوذين» لدمقرطة حياتنا الوطنية الشاملة أي الجهل والفقر اللذين مازالا منتشرين في مجتمعنا بشكل قوي، ومنها ما هو متصل بالتموقع الطبقي والمصلحي للفاعلين الأساسيين في الحياة الوطنية. مؤدى هذا الواقع أنه على القوى الراغبة فعلا في التطور والتقدم أن تولي اهتمامها أولا للقضاء على الظاهرتين المشار إليهما، وهذا يتطلب إصراراً ومثابرة. أما المعطى الثالث وهو التموقع الطبقي والمصلحي، فهذا شيء طبيعي يوجد في كل المجتمعات ويتجلى على جميع المستويات السياسية منها والاجتماعية والثقافية والسلوكية ويجب مواجهته بكثير من التبصر والذكاء. إذن الجهات التي تشكل عنصر تعثر فيما يتعلق بترجمة الخطب على أرض الواقع، تتمثل في الأشخاص والفئات الذين يعتبرون أن مصلحتهم الآنية تقتضي «إبقاء دار لقمان على حالها». وإذا أمعنا النظر في الموضوع فيمكن أن نفاجأ. ولقد أعطتنا الانتخابات الأخيرة في شتنبر 2007 وفي يونيو 2009 موضوع تأمل في هذا الشأن. { ما هو تقييمكم للوضع السياسي الراهن؟ > يتميز الوضع السياسي الراهن بمجموعة من المفارقات منها أننا، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تكتل كل أنصار التقدم والتغيير الايجابي نلاحظ استمرار تشرذم قوى هذا التغيير المتمثلة في اليسار وفي الكتلة الديمقراطية. وهذا يفسر جزئيا كون العديد من المواطنين ولا سيما منهم أنصار التغيير والديمقراطية يبقون في موقع المتفرج اليائس. ولم يبق يساهم في الحياة السياسية الميدانية ( بالنسبة للانتخابات) إلا من لا حول ولا قوة له وبعض الملتزمين الحزبيين وبالتالي تفوت على شعبنا فرص هائلة كان من شأنها لو استغلت أن تضمن التغيير والتقدم وتعمق المسير الديمقراطي في البلاد. لا ريب أن لأحزاب الصف الديمقراطي و مسؤوليها نصيباً كبيراً في حدوث واستمرار هذا الواقع المزري الذي يذكرنا بالمستوى الذي سبق لتجربة بريطانيا في ميدان الديمقراطية التمثيلية أن عرفته في نهاية القرن 19 مع ظاهرة « القرى المتعفنة» bourgs pourris»، تلكم التجربة التي مكنت أصحاب الجاه والمال من التحكم في مصير المجتمع في ذلكم الحين. إن الوضع الراهن في بلادنا وضع خطير. إنه حبل في آن واحد بالعديد من السلبيات والعديد من الايجابيات. أما السلبيات الاقتصادية والاجتماعية، مع انعكاساتها السياسية المرتقبة فستذكيها الآثار المحتملة والحاصلة من الآن و الناجمة عن الأزمة العالمية. علينا جميعا أن نعي بأنه إذا كانت لحد اليوم آثار الأزمة العالمية غير واضحة للعيان فهذا يعزى إلى جودة السنة الفلاحية، فلولاها لانخفض رقم الناتج الداخلي العام بشكل كبير. ويعني هذا أن آثار هذه الأزمة ستبدو جلية إذا لم نسجل موسماً فلاحياً جيداً في السنة المقبلة وهذا ممكن. كما أن التحولات الديموغرافية التي يعرفها مجتمعنا والناتجة عن حركية السكان ولاسيما سكان الأرياف الذين ينزحون إلى المدن لأن الهياكل الزراعية والبنى العقارية السائدة لم تمكنهم من ضمان حياة ملائمة لتطلعاتهم المشروعة ستزيد من خطورة الأوضاع. ولهذه الظاهرة أي نزوح سكان الأرياف إلى المدن آثارها المكلفة إذ ترغم بلادنا على مجابهة طفح الحواضر وتشييد مدن جديدة مع كل التجهيزات الاجتماعية الضرورية. وهذا يكون في الكثير من الحالات، فوق طاقات المجتمع الكفيلة بإنتاج الثروة. إن هذه الآفاق المحتملة تفرض على جميع القوى الحية المساهمة في إعطاء دفعة قوية لمسلسل الإصلاحات التي تشير إليها الخطب الملكية والأخرى التي لم تأت في هذه الخطب. إن المغرب في حاجة إلى نفس جديد بعيد كل البعد عن تلكم المحاولات العشوائية التي لاحظناها طيلة السنة المنصرمة والتي أدت إلى ارتجاج الساحة السياسية الوطنية دون أن تأتي بجديد ايجابي. ونظرا لاحتياج الوطن إلى هذا النفس الجديد الذي سيؤدي إلى مصالحة العديد من المواطنين والمواطنات مع العمل السياسي وكذلك إلى إعادة الثقة إلى نفوس الجميع، فلا مناص من إشباع مختلف حاجات المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية ومن الخوض في تحقيق إصلاحات مؤسساتية إدارية وسلوكاتية (محاربة الفساد) واجتماعية بتقوية نصيب الإنصاف الاجتماعي خصوصا بالنسبة لسكان الأرياف والبوادي مع وضع مخططات ترمي أكثر إلى تعميم المعرفة بالقضاء على الأمية والجهل والرفع من مستوى التكوين والتعليم والمزيد من تحسين الخدمات الصحية العمومية. إن هذا المجهود يقتضي كذلك الاستمرار في الإنجازات التي تدخل تحت مفهوم « الأشغال الكبرى» وتحقيق كل البرامج المتعلقة بمختلف مرافق الحياة الاقتصادية الوطنية كبرنامج «البزوغ» » Emergence « وبرنامج رواج الخاص بالتجارة والبرنامج المتعلق بالتكنولوجيات الجديدة وغيرها من البرامج والمخططات. إذا سلكنا هذا المسلك فسنساعد الوضع السياسي الراهن على الانفتاح على ما هو أفضل. و إذا لم نسلك هذا المسلك فكل السلبيات التي يحملها الوضع السياسي الراهن ستطفو على السطح، لا قدر الله. يتبع { امتدت فترة الانتقال الديمقراطي لمدة سنوات، حيث عاش هذا الانتقال تحت ظل حكمين، حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وحكم محمد السادس، كيف تقيمون الانتقال في ظل المرحلتين، وما هو مآل الانتقال اليوم؟ > أنا لا أقول بوجود فترة يمكن أن نلقبها بفترة الانتقال الديمقراطي وذلك لسبب بسيط هو أن المجتمعات ، كل المجتمعات حتى تلك التي لها باع طويل في الممارسة الديمقراطية (التمثيلية)، تعيش باستمرار فترة انتقال ديمقراطي. إن الديمقراطية وهي مفهوم يجب أن لا نحصره في الجانب الانتخابي التمثيلي إذ يهم، حسب تصوري، الميادين الأخرى للحياة المجتمعية من اقتصاد وثقافة وعلاقات اجتماعية، مسلسل لا نهاية له وتشييد مهدد، على الدوام، بالزوال والتآكل. وبالتالي فجميع المجتمعات تحيى فترة انتقال ديمقراطي. ولتأكيد ما أقول آخذ مثل الولاياتالمتحدة. أتظنون أن المجتمع الأمريكي في مأمن من التراجع في ميدان دمقرطة حياته الوطنية العامة؟ إن كان الأمر كذلك كيف يمكن أن نلقب فترة قمع الفهود السود وتصفيتهم جسديا خارج كل الضوابط القانونية؟ وكيف يمكن أن نلقب الراهنية المبنية على أسس ما تضمنه قانونا «العقد الوطنيI و II» (Patriot act I et II) ؟ ألم يجعل مكتسبات الشعب الأمريكي في ميدان الديمقراطية والحريات في كف عفريت علماً أن وصول «أوباما» إلى الرئاسة لم يغير، لحد اليوم شيئا، من هذين القانونين؟ يمكن كذلك أن نتأمل في مثل بريطانيا التي جعلت عمليا حداً لنظام «جسدك ملك لك « Habeas corpus الذي كان يضمن للمواطنين حقوقهم الفردية التي لها علاقة مباشرة مع مفهوم الديمقراطية؟ والأمثلة كثيرة تبيح لنا حث الكلام عن عدم انتهاء فترة الانتقال الديمقراطي في أي بلد مهما كان نوعه وحجمه. إن فترة الانتقال الديمقراطي ظاهرة لا حد لها في الزمان لكنها متصلة اتصالا متيناً بموازن القوى فكلما أفل نجم القوى المؤمنة بالديمقراطية ( في شموليتها أو في جزء منها) كلما ضعف حظ تعميق مسير الديمقراطية نحو الأحسن والأمتن. وكلما تقوت القوى الطامحة في المزيد من الديمقراطية كلما تحققت مكتسبات في الميدان. وانطلاقا من هذه المعطيات ندرك تمام الإدراك أسباب تباطؤ ما يسمى بفترة الانتقال الديمقراطي في بلادنا. في ظل حكم الحسن الثاني رحمه الله كان نجم قوى التقدم الراغبة في دمقرطة البلاد يلمع ويسطع. وبعد عقد من ذلكم الزمن تراجع نفوذ هذه القوى لأنها فرطت في وحدتها ولم تتشبع بمضمون الميثاق الذي سبق لها أن وضعته قبل الإعلان عن تكوين الكتلة الديمقراطية الخماسية المكونات. كما أنها تركت تآكل نفوذها الناتج عن ممارستها للسلطة وتدبيرها للشأن العمومي يتغلب على مكانتها لدى الرأي العام لأنها لم تشرك الجماهير في كل قراراتها ولم تطلعها على كل الأسباب والمسببات التي تحكمت في مواقفها منذ تحملها مسؤولية تدبير الشأن الحكومي. إن مآل الانتقال الديمقراطي بين أيادي الراغبين في تكريس الديمقراطية في البلاد مهما كانت أطيافهم. وهذا يفرض على هؤلاء أن يتحاوروا ويصيغوا وثيقة وأرضية تأخذ بعين الاعتبار كل ما أتى به التطور الذي حصل منذ ما يناهز 15 سنة إذا اعتبرنا أن الميثاق الذي صيغ سنة 1991 يحتاج إلى مراجعة وتحيين. سؤال 6: 10 سنوات من حكم الملك محمد السادس، لم يسجل فيها لحد الساعة أي تغيير على مستوى الإصلاحات الدستورية، ما هي قراءتكم لذلك؟ جواب 6: صحيح أن قانوننا الأسمى لم يعدل منذ 1996 في حين أنه في حاجة إلى مراجعة. ويرجع سبب هذا الأمر إلى معطيين على الأقل: الأول متضمن في الجواب السالف والثاني له علاقة بحل قضيتنا الوطنية الأولى التي لم تصل بعد إلى النهاية. كثيرا ما نقول أن دستورنا شبيه بالدستور الفرنسي. هذا صحيح فيما يهم سلط رئيس الدولة، لكن هناك فوارق كثيرة بين الدستورين تكمن في كون الدستور الفرنسي يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الحالات. ففيما يهم الجهات والهيكلة الترابية مثلا، يدقق الدستور الفرنسي كثيرا، في حين أن قانوننا الأسمى يكتفي بإشارات سريعة ولا يتيح الفرصة لتأويلات إيجابية. تعلمون أن الرئيس الفرنسي زار مؤخرا جزيرتي «المارتينيك» و «الكوادلب» وتكلم عن منح الجزيرتين تدبيرا ذاتيا متقدما. ولم يكلفه هذا مراجعة الدستور بل كلفه فقط قراءة متأنية لهذه الوثيقة الأساسية. إن هذا العجز الحاصل في دستورنا يفرض مراجعة هذا القانون الأسمى؛ لكن التطورات السياسية الحاصلة في المنطقة لم تفصل بعد في قضية وحدتنا الترابية وبالتالي يبدو أن التريث في هذا الباب من الحكمة. هذا تأويلي لما يحدث علاقة مع إشكال مراجعة الدستور الوطني. لكن يجب أن لا ننسى أن الحياة السياسية تحكمها موازن القوى وبالتالي أترك للقارئ أن يستخلص خلاصاته. سؤال 7: ارتباطا بموضوع الإصلاحات الدستورية، ما هي الأولويات في هذا الباب بالنسبة إليكم؟ جواب 7: فيما يخص الإصلاحات الدستورية التي نطالب بها ونناضل من أجلها فيمكن أن نصنفها إلى أربعة أبواب: 1) استخرج الخلاصات من تجربة دامت 12 سنة تجلت في برلمان ذي غرفتين لهما نفس الصلاحيات تقريبا مما يقربنا من العبث. لسنا بالضرورة ضد ازدواجية الغرف في البرلمان لكن نعتبر أن الغرفة الثانية أو الغرفة العليا، (لقِّبوها كما تشاءون) يجب أن تتحول إلى غرفة الجماعات المحلية في حين أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنصوص عليه في الدستور فسيكون بالأساس مجلسا يرتكز عمله على القضايا التي تهم الشغيلة والمهنيين بجميع أصنافهم. 2) الاهتمام أكثر بالجهات مع تصنيفها وإعادة النظر في صلاحياتها وسلطاتها أخذا بعين الاعتبار إرادة المغرب في منح نظام متطور للتسيير الذاتي لأقاليمنا الجنوبية الغربية. وعندما نتحدث عن إعادة النظر في الصلاحيات والسلطات التي ستمنح للجهات، فهذا يعني تعميق مفهوم اللاتمركز وتعميق دمقرطة التسيير مع مساعدة النخب الجهوية على البروز، وهذا يقتضي تطوير الحكامة بشكل قوي. 3) خلال العقد الأخير حققت بلادنا مكسبا هائلا باعترافها بأن كياننا الوطني يستند من بين ما يستند عليه، على تراثنا و موروثنا الأمازيغي ،وما إنشاء المعهد الملكي للتراث الأمازيغي إلا خطوة أولى على هذا الدرب. لذا نعتبر أنه حان الوقت لدسترة الأمازيغية ثقافة ولغة. 4 ) في ميدان القانون وبعد الإجماع الحاصل حول التأكيد على احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا ودوليا لقد حان الوقت - دون التفريط في شبر من السيادة الوطنية - لنقول صراحة بأولوية مضامين المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب وملاءمة-بالتالي- قوانيننا مع محتوى هذه المعاهدات. وهذا يحتم الخوض المتبصر، لكن الصارم، في مراجعة أوضاع قضائنا مع التأكيد على ضرورة احترام استقلاليته إزاء كل السلطات التنفيذية والتشريعية. بالنسبة للسلطة التنفيذية هناك ضرورة تقوية صلاحيات مؤسسة الوزير الأول تفعيلا لمضمون المادة 65 من الدستور التي تشير إلى هذه الصلاحيات وتجعل من الوزير الأول المشرف و المنسق لجميع المرافق الحكومية و بالتالي لجميع الإدارات. ونظرا لكون مغرب اليوم ليس مغرب بداية الستينيات فمن المفيد أن يمر تعيين كل المسؤولين الساميين في دواليب الدولة أمام مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك بعد أن تكون الحكومة قد تداولت في الموضوع من ذي قبل. ويقتضي تدعيم صلاحيات الوزير الأول تقوية الطاقم المساعد له، غير أن هذه الإصلاحات وغيرها التي لم ترد في هذا الاستجواب والتي يمكن أن تبرز من خلال الحوار والنقاش اللذين يمكن تنظيمهما داخل أحزابنا أو تكتلاتنا، ستبقى حبراً على ورق حتى وإن أدرجت في نص الدستور إذا لم تكن مصحوبة بتغيير في العقليات وبالمساهمة الواعية للمواطنين والمواطنات في تتبع ومسايرة الحياة الوطنية. سؤال 8: كيف تنظرون إلى المطالبة بالإصلاحات الدستورية، هل بشكل منفرد أم عن طريق تكتل مع القوى التي ترون أنها تتقاسم معكم نفس الرؤية؟ جواب 8: لضمان نفاذ المطالبة بالإصلاحات الدستورية يجب أن تندرج في عمل جماعي وأن تنجم عن توافق وتراضي بين الفرقاء الفاعلين في الساحة السياسية. طبعاً هذا المسعى لا يمنع من أن تتقدم هيئة سياسية بشكل منفرد بمقترحاتها لكن سيكون لهذه المقترحات وزن أكبر إن تقدمت بها مجموعة من الهيآت التي تتقاسم تصوراتها ومنظورها. ومهما كان من أمر علينا ألا ننسى أن كل تغيير في القانون الأسمى لأي دولة رهين بموازن القوى وبإنضاج الأفكار المجددة. سؤال 9: ما تقييمكم للأجواء التي مرت فيها الانتخابات الجماعية الحالية؟ جواب9 : تميزت الانتخابات الجماعية التي عرفتها البلاد في شهر يونيو المنصرم بمظاهر متناقضة وبمفارقات غريبة. أولها هو أن حزباً ظهر حديثا وتموقع في المعارضة لحكومة الملك ليلة الاقتراع، استطاع أن يرشح أكبر عدد من المرشحين وحاز على ما يربو على 20% من الأصوات المعبر عنها. والغريب في الأمر هو أن هذا الحزب المعارض للحكومة التي أكد صاحب الجلالة ثقته فيها ودعمه لها 24 ساعة بعد إعلان هذا الحزب عن خروجه من صفوف الأغلبية ، يدعي أنه هو الحامل لمشروع الملك الذي تسعى جادة الحكومة تفعيله على أرض الواقع ! هذه هي المفارقة الأولى التي طفت إلى السطح بالنسبة للمراقبين. أما الظاهرة الثانية (وأعتبرها أكثر خطورة من كل الظواهر التي همت العمليات الانتخابية) هي أن من بين العشرين مليونا من المواطنين الذين وصلوا سن الرشد الانتخابي، 13 مليونا منهم ،هم الذين سجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية، و 7 ملايين منهم هم الذين قاموا بواجبهم الانتخابي علماً أن مليونا من هؤلاء الآخرين ألغيت أوراق تصويتهم لأسباب مختلفة منها الموضوعية ومنها الذاتية. معنى هذا أن أقل من ثلث المواطنات والمواطنين هم الذين أدلو برأيهم، و بالتالي علينا نحن في الصف الديمقراطي، وفي اليسار بالخصوص، أن نتمعن كثيرا في هذا الواقع ونجد السبل والطرق من أجل ربط الصلة مع هؤلاء الذين يفضلون الابتعاد عن الساحة السياسية وأغلبهم لا محالة من الشباب. من دون شك أن الممارسات التي سار و يسير عليها عدد من الأحزاب لا تحفز أحدا على دخول حلبة المعركة السياسية، لكن، في نفس الوقت، يجب أن نقول بشكل قوي أن هذا العزوف لا يخدم التغيير ولا يخدم تطوير دمقرطة هياكل البلاد ويحرم من يسلكه من حق أساسي بل من سلطة خفية ولكنها أساسية ألا وهو التصويت الذي يمثل في الواقع سلطة هائلة تمنح لكل مواطن ومواطنة مرة على رأس كل 5 سنوات بالنسبة للانتخابات التشريعية ومرة على رأس كل 6 سنوات بالنسبة للاقتراع المحلي. إن هذا العزوف المرهب لا يساعد على تصحيح الأوضاع و تنقية الساحة من المفسدين. وإذا كان المواطنون والمواطنات الشباب يرغبون فعلا في تغيير الأوضاع نحو الأحسن،فعليهم أن يدركوا مدى مسؤوليتهم و يساهموا في نصرة قوى التغيير بالتصويت والمساهمة النشيطة في العمليات الانتخابية. و إلا ستبقى لمدة دار لقمان على حالها إلى حين تزداد الأوضاع تدهورا. و نجد أنفسنا جميعا في ورطة لا مخرج إيجابي لنا منها. لقد يطول الحديث في موضوع الأجواء التي مرت فيها هذه الانتخابات الأخيرة وانعكاساتها على الساحة السياسية. سؤال 10: في ظل النتائج التي أفرزتها هذه المحطة الانتخابية، تبين أن منطق التحالفات لم ينبن على تقاطعات في البرامج والتصورات، ما هي الخطوات العملية التي ترونها كفيلة لتلافي مثل هذا الارتباك؟ جواب10: دعوني أعبر لكم عن غضبي للطريقة التي سارت عليها الأمور في ميدان التحالفات المحلية ولاسيما في المدن الكبيرة . وبالنسبة لهذه المدن الكبيرة إننا، نحن هيآت الصف الديمقراطي، نؤدي ثمن الأخطاء التي ارتكبناها سنة 2003 حيث تركنا المجال للخصوم ولم نتفق فيها بيننا في ذلك الحين. هكذا ضعنا في الدارالبيضاء وفي الرباط وفي مكناس والقائمة طويلة. لقد طالبنا، في حزب التقدم والاشتراكية أن نضع على الأقل، وقبل الانتخابات، برنامجاً مشتركاً لأحزاب الكتلة مدعومة بأحزاب اليسار من أجل تدبير شؤون المدن الكبرى. لكن لم نجد أذانا صاغية فأصبحت أحزاب الصف الديمقراطي تتحالف مع كل من هب ودب ولا حول ولا قوة إلا بالله. لقد حان الوقت لأن نلتقي ونبسط، في إطار موائد مستديرة، نقط اختلافنا ونقط تلاقينا ولي اليقين من أننا سنجد الأساليب الكفيلة بإعادة الثقة للمناضلين وللمواطنين في أحزابنا وفي خططنا. إن التاريخ لا ينتهي بانتهاء الفترات الانتخابية ومازالت أمامنا فرص استدراك أخطائنا. نحن على أتم الاستعداد في حزب التقدم والاشتراكية للمساهمة في أي لقاء، موسعا أو محدوداً كان للتدارس في أوضاع البلاد وفي أوضاع الصف الديمقراطي وفي أوضاع اليسار. سؤال 11: هل اليسار ضمن المنظومة الحالية يجب أن يكون إلى جانب الملكية بخصوص مشروع التحديث، أم يتطور في استقلال عنها؟ جواب11: أظن أن كل فاعل في الحقل السياسي، في أي مجتمع كان، مستقل إزاء الفاعلين الآخرين، لكن الاستقلالية لا تعني بالضرورة عدم التلاقي وإلا سيتحول المشهد السياسي إلى مشهد فسيفسائي غير ذي جدوى. إن التحديث هو مسعى نتواجد فيه مع المؤسسة الملكية وهذه فرصة تاريخية ثمينة بالنسبة للوطن والشعب المغربيين يجب أن نوليها كل الاهتمام وأن نصونها ونطورها. سؤال 12: خلال تجربتكم الحكومية، متى شعرتم بأن هناك خطوطا حمراء وأن هناك كوابح للإصلاح؟ جواب 12: خلال السنتين ونيف اللتين قضيتهما في كل من وزارة التربية الوطنية ( التعليم الابتدائي والإعدادي حتى أضبط الأمور) و وزارة الفلاحة لم أتعرف على أي خطوط حمراء، ولم أضع لنفسي أي خطوط حمراء. كنت اشتغل في إطار البرنامج الذي وضعته الحكومة ووافق عليه البرلمان ولم يتدخل أي كان في تدبير أمور القطاعين اللذين كانا تحت مسؤوليتي. هذا لا يعني أنه لم توجد كوابح للإصلاح وأهمها هو جمادية الإدارة المركزية (inertie ) وتماطلها في بعض الحالات وهذا يعود بالأساس إلى السلوك البيروقراطي الذي يطبع إدارتنا عموماً. 8