في غضون أسبوعين تقريبا، صدر تقرير تركيبي عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، يستعرض أهم معالم تدبير الشأن الديني خلال عقد زمني مغربي، وتلاه تقرير "مضاد" صادر عن مركز بحثي إسلامي، محسوب على حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، يستعرض بدوره بعض معالم سياسة التدبير ومعه معالم التديّن المغربي. "" تستعرض هذه المقالة، بعض معالم التقريرين، وتورد في عجالة، بعض الملاحظات النقدية، والتي، للمفارقة، تسحب البساط عن جدية المعنيين بتحرير التقريرين، ورغبتهم في التقدم الإيجابي نحو الأمام بما ينفع المغاربة، سواء تعلق الأمر بتقرير الوزارة الوصية، أو تقرير الحركة الإسلامية. وجبت الإشارة، إلى أنه في معرض"تقييم" ما جاء في التقريرين، فقد اعتمدنا أساسا على ما نشرته بعض المنابر الإعلامية المكتوبة والإنترنتية، بحكم أنه لم يتم إخبارنا أصلا بصدور التقريرين، وبحكم أن السلب كان رد فعل القائمين على تحرير التقريرين بعد اتصالات أجريت معهم. عشرية التدبير الديني "عشر سنوات من العهد المحمدي الزاهر 1999 - 2009، إعادة هيكلة الحقل الديني وتطوير الوقف: تأسيس، إصلاح، تأهيل"، هو عنوان التقرير الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والعمل (259 صفحة من القطع الكبير)، كما يتضح من عنوانه، يستعرض ب"المعطيات والأرقام والبيانات التوضيحية، تطور حصيلة الوزارة خلال عشر سنوات، سواء في ما يتعلق ببناء المساجد والارتقاء بها، أو تجديد الخطاب الديني وتوسيع شبكة المجالس العلمية أو تعزيز التعليم العتيق وتطوير برامجه ومناهجه أو تنمية الوقف واستثماره أو تحديث طرق التدبير الإداري والمالي". ونقرأ في تمهيد الكتاب كلمة لأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، جاء فيها أن "الخطاب الملكي ليوم 30 أبريل 2004 شكل تحولا أساسيا في تصور وتدبير الحقل الديني بالمغرب، حيث قدم جلالته توجيهاته السامية بشأن إعادة هيكلة الحقل الديني كي يواكب الحاضر الإجتماعي ويواجه التحديات الهائلة التي تتصدى لها ممارسة العبادات والشعائر الدينية والتي يراد منها أن تتصف بالإعتدال والتسامح، مسايرة بذلك مسلسل البناء الديمقراطي"، ويتعلق الأمر، يضيف التوفيق، ب"إصلاح أساسي نظرا لما للمسألة الدينية من مركزية في هيكل الدولة، وما تثيره من رهانات في خضم التحولات الإجتماعية الكبرى، وفي محيط دولي يميزه الإضطراب، وتطبعه الحيرة وعدم الإستقرار". توزعت محاور العمل على ستة فصول، خصص أولها للمساجد، ويتطرق إلى الخطة الوطنية للإرتقاء بمساجد المملكة، وترميم وإصلاح هذه المساجد، وتأطيرها بالقيمين الدينيين، والعناية بأوضاع هؤلاء، وإلى ميثاق العلماء، والتكوين كركيزة لإصلاح الحقل الديني، والأنشطة الدينية والتعليمية بالمساجد، أما الفصل الثاني المخصص للخطاب الديني، فتناول دعم التوعية الدينية والرقي بالخطاب الديني، وتعزيز المشهد الإعلامي الديني بقنوات فضائية، والعناية بالقرآن الكريم، والتأطير الديني للجالية المغربية بالخارج، وتنظيم الحج والعناية بالحجاج المغاربة، وأبرز الفصل الثالث، المخصص لموضوع التعليم العتيق، الجوانب المتعلقة بتأهيل هذا التعليم، والبناء القانوني الخاص به، وإدماجه في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وتأهيل هيأته التربوية والإدارية، وتأهيل البنية المادية لمؤسساته، وآفاق خريجيه، كما خُصّص الفصل الرابع، المتعلق بالوقف، للحديث عن المشاريع الإستثمارية، والبنايات الإدارية والإجتماعية والثقافية، والإتفاقيات مع القطاعات الحكومية، وخُصّص الفصل الخامس لمجال التدبير الإداري والمالي، وأخيرا، جاء الفصل السادس مخصصا لموضوع "جوائز محمد السادس، تأصيل لنهضة ثقافية دينية"، وهي الجوائز التشجيعية والتقديرية الوطنية والدولية التي أحدثت ابتداء من سنة 2001 والخاصة بمجالات علمية وفكرية وثقافية، تعزيزا لعملية تأهيل الحقل الديني، وتنفيذا للتعليمات الملكية. أسلمة عشرية التدبير الديني من جهته، أصدر "مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة" يوم 3 أكتوبر 2009، أول تقرير له، وخُصّص لموضوع الحالة الدينية في المغرب بين عامي 2007 و2008، حيث أكد معدو التقرير، أن المبادرة تروم الإسهام في تقديم "معرفة مركبة لمختلف مجالات الحياة الدينية للمغاربة وتحدياتها، وللفاعلين والتفاعلات التي تنشأ بينها وبين باقي مناشط المجتمع والدولة" من خلال عمليات التوصيف والتركيب لفهم تحولات الظاهرة الدينية بالمغرب والتحديات، التي تعترض التدين المغربي على المستوى الرسمي والشعبي. وتفرع تقرير المركز الإسلامي، على أربعة محاور، حيث تناول الأول إشارة للدراسات والأبحاث، التي تناولت الواقع الديني بالمغرب وتوجهاته ومنها البحث الوطني حول القيم وتقرير الإسلام اليومي لسنة 2007 وتقرير معهد غالوب 2008 والبعد المقارن للتدين المغربي، فيما تناول العنصر الثاني من المحور الأول تجليات التدين عند المغاربة وذكر منها الإقبال الملفت على ارتياد المساجد والصيام واللباس والتوجيه والتعليم الدينيين والوقف والإصدارات العلمية. وخصص المحور الثاني لأهم الفاعلين في تنشيط التدين المغربي، والحديث هنا أساسا على مؤسسة إمارة المؤمنين ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والعلماء والزوايا والحركة الإسلامية، كما ركزت مواد المحور الثالث على تحديات التدين المغربي على المستوى الأسري والقيمي الأخلاقي والفني واللغوي والمذهبي المجسد على الخصوص في التشيع، والعقدي المجسد في التنصير، ثم التحدي التطبيعي التطبيعي، في حين تطرق المحور الرابع لتفاعل السلوك الديني بالسياسي من خلال تقديم معلومات عن تفاعل الأحزاب المغربية مع قضايا الهوية ووضع حزب الأمة وأفق الاندماج السياسي وملف السلفية الجهادية وإمكانية أن يصبح الحوار مدخلا لتسوية قضية المعتقلين. وخُصّص المحور الخامس والأخير لليهود المغاربة وممارستهم الدينية تاريخيا وحاضرا. أحمد يُهمّش دور الأحمدين! كان مثيرا للغاية أن يُقزّم التقرير الصادر عن الوزارة الوصية، حصيلة كل من الرابطة المحمدية للعلماء ودار الحديث الحسنية، حيث خندقهما في الباب المتعلق بالتدبير الإداري والمالي، وليس في الباب الخاص بميثاق العلماء أو في الباب المتعلق بالخطاب الديني، فيما يُشبه تكريسا لترجمة خلافات شخصية قائمة بين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مع المسؤولين عن تدبير مؤسستي الرابطة المحمدية للعلماء ودار الحديث الحسنية، أي الأحمدين: عبادي والخمليشي، بشهادة أغلب من اطلع على ثنايا التقرير، ومنهم، محرر التقرير الإخباري الصادر عن الموضوع في موقع "إسلام أون لاين". (مقال مؤرخ في 6 أكتوبر 2009). ونتذكر جيدا أن أحمد التوفيق طبق الصمت بخصوص دور الرابطة المحمدية للعلماء في ثنايا الدرس الحسني الرمضاني الذي ألقاه أمام الملك محمد السادس، في معرض ترحاله مع المنجزات ذات الطابع المؤسساتي التي تحققت في تدبير الشأن الديني، وإذا كان الوزير يُطبق الصمت عن دور فاعل للرابطة أمام الملك، فأن يُقزّم ذات الدور في تقرير صادر عن وزارته "أولى"! (ومن باب تحصيل حاصل بتعبير المناطقة، أن يُهمّش ذات التقرير الدور الذي يقوم به موقع الرابطة المحمدية للعلماء على شبكة الإنترنت، والذي، للمفارقة، يتفوق أداؤه على أداء الوزارة الوصية! من باب تذكير من يهمهم الأمر.) المثير أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يشتكي لدى صناع القرار الديني بأن مشروع هيكلة الشأن الديني يتعرض لمضايقات من طرف الإسلاميين أو ما اصطلحنا عليه يوما بممانعة الإسلاميين، موازاة مع ممانعة العلمانيين وبدهي، أن أبسط قواعد منطق العمل المؤسساتي، تتطلب توحيد جهود المؤسسات الدينية المحسوبة على صناع القرار، وتطليق خيار الإقصاء والتهميش والتقزيم من باب مواجهة تلك المضايقات التي تسببت فيها الحركات الإسلامية المغربية، وليس الإصرار على ما نطلع عليه منذ سنين، فقط من باب تصريف تطبيقي لخلافات شخصية، على حساب تنفيذ تعليمات ملكية، تروم الانتصار لطبائع التديّن المغربي أو معالم الأمن الروحي للمغاربة. الصمت السلفي والتقزيم الصوفي في كواليس الحركات الإسلامية المغربية، ومباشرة بعد صدور التقرير الذي يحمل عنوان "الدراسة الميدانية لواقع التدين في المعيش اليومي للمغاربة" عن مجلة "مقدمات" (Prologues) تحت إشراف محمد الطوزي ومحمد العيادي وحسن رقيق، كان التقزيم من أهمية التقرير، سيد المواقف المُروّج لها، حتى لا نؤكد أن الأمر امتد إلى مرتبة "الشيطنة"، فقط بحكم أن المشرفين على التقرير ليسو إسلاميين، وتكفلت الرابطة المحمدية للعلماء، بتبني مبادرة مناقشة التقرير عبر عقد ندوة في هذا الصدد، تحت عنوان "الشباب والدين، ونظمت يوم في 5 فبراير 2008. لم ينتظر الإسلاميون المغاربة كثيرا في معرض التقزيم من تقرير مجلة "مقدمات"، حيث تكفلت حركة "التوحيد والإصلاح"، من بوابة المركز سالف الذكر، بالاشتغال على نشر تقرير مضاد (ويمكن التأكد من هكذا خلاصة عبر التأمل مليا في التعليقات التي نشرها موقع "إسلام أون لاين"، حول التقرير الإخباري إياه)، ويُحسب لهذا المركز حديث التأسيس، إصدار هذا العمل، لأنه يخرج عن الرواية الرسمية من جهة، ولأنه ثانيا، يحفز مراكز ومعاهد أخرى (على قلتها طبعا)، للانخراط في هكذا تقليد. تكفلت يومية "الصباح"، (عدد 10 11 أكتوبر 2009)، بالتوقف عند بعض الملاحظات النقدية الخاصة بتقرير المركز، ويهمنا، تأسيسا على مرجعية نقدية، التوقف السريع عند ملاحظتين أساسيتين: 1 تهم الأولى صرف النظر المثير عن تحدي عقدي ومذهبي وسلوكي يُهدّد طبائع التديّن المغربي، حيث توقف تقرير المركز الإسلامي عند التحدي التنصيري والشيعي والتطبيعي.. مع إغفال التحدي السلفي في شقه الوهابي دون سواه. 2 أما الملاحظة الثانية، فتهم الإصرار المثير على الخلط بين انتماء وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للطريقة القادرية البودشيشية، وبين سياسة الدولة القائمة على تشجيع التصوف في تدبير الشأن الدينين ضمن سياسات أخرى موازية، حيث نقرأ مثلا أن "تعيين أحمد التوفيق، القادم من الزاوية البودشيشية، على رأس وزارة الأوقاف استبطن الرهان على العامل الصوفي منذ البداية"، وأن العائد من سياسة تشجيع التصوف "لم يكن في مستوى التحديات التي يطرحها التحدي الأخلاقي، إذ ظلت الزوايا طيلة المرحلة المشمولة بالدراسة في التقرير خارج ساحة التدافع القيمي والأخلاقي". والحال أن أهل الطريقة القادرية البودشيشية واضحون في حتمية الفصل المُسبق بين انتماء الوزير للطريقة وإدارته لشؤون الوزارة، وسبق أن أشرنا لهذا المعطى في أكثر من مناسبة. أما الحديث عن تواضع نتائج سياسة تشجيع التصوف، وبقاء الزوايا "خارج ساحة التدافع القيمي والأخلاقي"، فهذا معطى ميداني سيتكفل الزمن وحده بالحسم فيه، وليس تقارير بحثية ناطقة باسم إيديولوجية إسلامية حركية، سواء تعلق الأمر بحركة "التوحيد والإصلاح" أو حركة أخرى، لأن التدافع القيمي والأخلاقي، ومعه طبائع التديّن المغربي نموذجا أكبر من أن تُخْتَزل في نمط تديّن إسلامي حركي.