في خطوة لافتة، أصدر المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة تقريره الأول من نوعه حول الحالة الدينية بالمغرب 2007/2008 ركّز فيه على ثلاث محاور كبرى: الأول عقدي ومعرفي يهم العقائد والمعارف الدينية، والثاني يتعلق بمنظومة القيم والأخلاق، أما الثالث فركز على السلوك وارتباطها بمنظومة العبادات والمعاملات. ويقول القائمون على التقرير إنه يسعى إلى أن يسهم في تأسيس انعطاف علمي لتجاوز عثرات البحوث السابقة، والسعي لتقديم معرفة مركبة لمختلف مجالات الحياة الدينية للمغاربة وتحدياتها. يركّز التقرير في المحور الأول منه على الواقع الديني بالمغرب، من خلال ثمانية مؤشرات، الأول خاص بالمساجد، كشف أن المساجد بالبادية (34 ألف) أكثر منها بالمدينة ( 13ألف)، وأكد التقرير أن 7 مساجد لكل5 آلاف نسمة هو المعدل الوطني. أما المؤشر الثاني فيتعلق بصيام رمضان، رصد فيه التقرير مميزات تدين المغاربة في رمضان والقيم الإيجابية والسلبية خلاله، ثم الحج كمؤشر ثالث باعتباره حدثا استثنائيا، كشف فيه التقرير أن ثمة طلب متزايد على الحج انتقل من 110 آلاف إلى 170 ألفا بين 2007 و2008 . أما المؤشر الرابع فيتعلق بالتعليم العتيق ودور القرآن، وسجّل أن عدد تلاميذ مؤسساته يصل إلى 300 ألف، فضلا عن 500 مدرسة خاصة. ويتعلق المؤشر الخامس باللباس وتعبيراته، خصوصا ظاهرة الحجاب وعلاقتها بالتوجهات الدينية للمغاربة. أما المؤشر السادس فحاول دراسة تأثير الفضائيات على حركية التدين، والتحديات التي تفرضها، وأشار إلى القنوات الإباحية حيث عرفت سنة 2007 إطلاق 19 قناة إباحية. وتوقف التقرير في المؤشر السابع عند إشكالية الفتوى والتأطير الديني بعد إحداث هيأة عليا مكلفة بذلك، وقال إن حضورها كفاعل بارز في الفضاء العام ما يزال محدودا، وبيّن في المؤشر الثامن المتعلق بالتراث الإسلامي أهم الإصدارات والمخطوطات التي صدرت في 2007 و2008 التي تتوزع على مختلف الخزائن المغربية. أما الوقف فتطرق له في المؤشر التاسع، وقد أوضح التقرير أن الوقف يمثل اقتصادا متكاملا قائما بذاته. وبخصوص أداء الفاعلين الدينيين في المغرب، التي تشكل المحور الثاني من التقرير، تطرق هذا الأخير إلى أداء كل من إمارة المؤمنين كنظام، وقال إن مبادراتها متعددة همّت تفعيل دور العلماء من خلال ميثاق العلماء، ودعم وتجديد التصوف من خلال لقاء سيدي شيكر، إضافة إلى التحديث المؤسسي والتشريعي والاجتماعي. ثم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وسجّل التقرير تقدم أدائها في الجوانب المرتبطة بالمساجد والعلماء والإشعاع العام، وفي تدبير الأوقاف، وضعف السياسة التواصلية مع الفاعلين، ومحدودية الانسجام بين سياسات الوزارة وسياسات بعض القطاعات الحكومية. أما العلماء، فإن تصاعد الاهتمام الرسمي بهم بدأ بعد تفجيرات 16 ماي ,2003 ويؤكد التقرير أنهم احتلوا موقعا مركزيا في برامج إعادة تأهيل الحقل الديني وتوفير الأمن الروحي للمغاربة، وإرساء المجالس العلمية وصولا الى طرح مشروع ميثاق العلماء. وصنّف التقرير الزوايا كفاعل ثالث بعد العلماء، وقال إنها عرفت تحولا نوعيا مسّ وظيفة الفاعل الصوفي بشكل رئيس نظرا للرهانات السياسية والدينية التي أصبحت مطلوبة منه، خاصة بعد إطلاق لقاء سيدي شيكر والدعوة إلى إحداث هيئة عالمية لمنتسبي التصوف، وتحكم هذه السياسة ثلاث رهانات مرتبطة بنوعية التدين الذي يراد، وبدور الفاعل الصوفي في حدّ ذاته وموقعه، وبالعائد الإقليمي والخارجي له على المغرب. أما الفاعل الرابع فهو الحركة الإسلامية، ودرس التقرير أداء كل من حركة التوحيد والإصلاح، وجماعة العدل والإحسان، وجماعة الدعوة والتبليغ، وسعى التقرير إلى رصد أدائها وتفاعلاتها وتحليل المواقف الصادرة عنها. وتطرق التقرير في محور ثالث إلى تحديات التدين بالمغرب، وهي تحديات داخلية وخارجية، تتمثل الأولى في قضايا مرتبطة بالحياة الأسرية والتعليمية، والتحدي الأخلاقي والقيمي، ثم تحديات ثقافية عرفها المجال السينمائي والفني واللغوي، أما التحديات الخارجية فتتمثل في التشيع والتطبيع والتنصير. وخصّص التقرير المحور الرابع منه لتفاعلات السياسي والديني، وتأثيرات ذلك على حالة التدين وواقع القيم بالمغرب، ومدى انعكاسه على الحياة العامة، وتطرق فيه إلى قضايا الهوية والدين في برامج الأحزاب السياسية، كما تطرق إلى المخاض الذي عاشته الحركة من أجل الأمة، والذي انتهى إلى تأسيس حزب سياسي، ثم محور خاص بالسلفية الجهادية بالمغرب، والتي عرفت سنة 2007/2008 فتح الدولة لحوار معهم بعد نداءات بذلك من لدن الحركات الإسلامية وبعض مكونات المجتمع. وتطرق التقرير في المحور الخامس والأخير منه إلى اليهود المغاربة، برصد وضعيتهم انطلاقا من الإطار التاريخي للجماعات اليهودية بالمغرب، وقد توقف التقرير عند تشكلات الهوية اليهودية وتاريخ هجرتهم، وجرد لأهم مواسمهم، وتفاعل اليهود المغاربة في الحياة العامة، وسجّلا التقرير وجود مسارين من التقلص العددي لليهود بفعل الهجرة والتي تطال الشباب بشكل خاص، وفي المقابل سجّل غياب حالات توتر بين اليهود والمسلمين، ولاحظ تنامي الاهتمام الروحي من خلال الاحتفال بالمناسبات الدينية في المزارات اليهودية بالمغرب.