تعرف موسوعة العلوم الاجتماعية الفساد على أنه سوء استعمال النفوذ العام من أجل تحقيق مصالح خاصة ومكاسب شخصية.و قد صنف تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2013 المغرب في المركز 91 من 182 دولة عبر مؤشر محاربة الفساد، كما خلص صندوق النقد الدولي أن الفساد هو بمثابة عائق رئيسي للتنمية بالمغرب. إن قضية الشكولاتة التي اشتهر بها الوزير الشاب في حكومتنا المحترمة تسائل جميع السلطات من برلمان و دوره الرقابي و تسائل السلطة التنفيذية و الإجراءات الواجب اتخاذها في قضايا فساد الوزراء و دور السلطة القضائية في ردع الفساد كما أنها تسائل جميع الهيئات المكلفة بمراقبة و حماية المال العام، و تذكرنا بالعشرية الأخيرة أي من 2003 إلى 2013 حيث انفجرت مجموعة من قضايا الفساد دون جدوى ، فقضية الصندوق الوطني للضامن الاجتماعي تزداد تعقيدا و تأجيلا فغرفة الجنايات المكلفة بالجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء قررت في شتنبر الماضي تأجيل الاستماع إلى المتهمين إلى وقت لاحق ، كما أن قضية القرض العقاري و السياحي ما زالت في طور التحقيق و تمتع المدير العام السابق بالسراح المؤقت كما أن المتتبعين لفضيحة المكتب الوطني للمطارات تفاجئوا بالأحكام الخفيفة على المتهمين و ضالة الغرامات المحكوم بها، و عدم الحجز على الممتلكات المختلسة من طرف المتهمين وقد استنكرت جمعية Transparancy ذلك من خلال بلاغها في الموضوع . ثم قضية صفقة اللقاحات لوزيرة الصحة السابقة ، ففي تقرير رسمي وموثق أنجزه المجلس الأعلى للحسابات حول طريقة تدبير وزارة الصحة للأدوية قطع الشك باليقين وكشف وجود تلاعبات كبيرة و اختلالات مسطرية عديدة تجعل الصفقة الشهيرة تدخل رسميا ضمن خانة الصفقات المشبوهة والمتسمة بالاختلال الفاضح. ثم قضية تبادل التعويض بين وزير المالية السابق و الخازن العام للمملكة ، والذي تم ترقيته إلى" درجة "وزير. و لم تتم أية متابعة قضائية لمكتب التصدير و التسويق لحدود اليوم واللائحة مفتوحة، ناهيك عن قضايا الفساد التي يكشفها المجلس الأعلى للحسابات في تقاريره السنوية. و هذه القضايا نذكرها على سبيل المثال لا الحصر فاللائحة طويلة و ما زالت مفتوحة بدون شك على فضائح أخرى. يجب أولا الإقرار أنه بالرغم من المجهودات المبذولة عبر إنشاء الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، ومجلس حماية المنافسة، والمجلس الأعلى للحسابات، أو عبر صياغة قوانين تنظيمية تنص على شفافية المعلومة، ومعايير التعيينات في مناصب المسؤولية، و ربط المسؤولية بالمحاسبة إلا أن النتائج مخيبة للانتظارات، فالمتتبع لقضايا الفساد في المغرب يستخلص أن الأمر يتعلق ببنية للفساد منظمة و مستشرية في جميع المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.بل الأدهى من ذلك أن السياسية أصبحت الطريق السهل و المعبد لمراكمة الثروات، الأمر الذي يساءل مدى و جود إرادة سياسية للمقاربة الزجرية للفساد على المدى القصير بدل سياسة عفا الله عن ماسلف، و وضع استراتيجية أو مداخل للوقاية من الفساد على المدى المتوسط و البعيد الأمد. مداخل محاربة الفساد : عدم الجمع بين التجارة و السلطة : لم يعدمقبولا الجمع بين التجارة و السلطة فالجمع بينهما يؤدي لتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة وبالتالي فساد السلطة السياسية ، وهو الأمر الذي طالما حذر منه العديد من المفكرين ، واليوم يتسبب الجمع بين التجارة والسلطة في أزمات خانقة لدول الجنوب وخصوصا في الدول العربية نتجت عنها ثورات شعبية ترتبت عنها حالة عدم استقرار ( مصر و تونس ...)وحرب تهدد وحدة المجتمع ووجود الدولة (سوريا و ليبيا نموذجا) . لذا يجب إقرار قوانين في المغرب تمنع الجمع بين التجارة و السلطة، على غرار البلدان الديمقراطية أو التي شهدت انتقالا ديمقراطيا سلسا وناجحا في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا التي حسمت أمرها وأقرت قوانين تمنع الربط بين الوظيفة والتجارة،فالجدل القائم اليوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية منصبٌّ على أحقية الرئيس أوباما في بيع كتبه من عدمها له دلالته الرمزية،في الوقت الذي يمنع فيه على رئيس أكبر قوة في العالم ممارسة أي نشاط تجاري أو صناعي أو زراعي أثناء فترة تولية رئاسة أمريكا، نجد في المغرب أن آفة الجمع بين السلطة و التجارة ممتدة في جميع مستويات مناصب المسؤولية. المقاربة الزجرية : يجب تعزيز هيئات مكافحة الفساد في رصد و زجر الفساد ، و بالتالي يجب أن يمتد دور الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى المكافحة فالوقاية والمكافحة في مجال محاربة الفساد آليتان تسيران جنبا إلى جنب في اتجاه تحجيم فرص ارتكاب أفعال الفساد، فالوقاية و المكافحة توجهان أساسيان لا يمكن تغليب أحدهما على الآخر في أي سياسة لمحاربة الفساد. والمحاربة تقتضي التسلح بالترسانة القانونية الني من شأنها أن تمنح للهيئة صلاحيات و اسعة تمكنها من مساعدة السلطات القضائية من أجل زجر الفساد الإداري. إن تجاوز رمزية دور الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة تمتد كذلك إلى المجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات فبالرغم من أهمية التقارير السنوية حول تدبير المالية العمومية على مستوى القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية التي استطاعت أن تزيل الحجاب عن الاختلالات التي تهم التسيير و فضحت المستور، غير أن الوضعية القانونية للمجلس الأعلى للحسابات تجعله مشلولا في محاربة الفساد، فوضعية هذه المؤسسات بقيت غامضة عندما تم إفرادها بالباب العاشر من الدستور، وتم التنصيص على إحداثها بصفتها هيآت للرقابة "العليا على تنفيذ قوانين المالية"، لذا بجب الارتقاء بها إلى سلطات قضائية و إدراجها ضمن الباب السابع من الدستور المخصص للسلطة القضائية و استقلال القضاء، حتي نستطيع أن نخول للمحاكم المالية سلطة زجر المتسببين في هدر المال العام . الإصلاح الإداري : بجب الارتقاء بدور الوزارة المنتدبة لدى الوزير الاول المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة التي انفجرت فيها فضيحة الشوكولاتة ، و ذلك بأن تسند لها مهام جديدة من شأنها أن تفعل دورها في الإصلاج الإدراي و محاربة الفساد الإداري و ذلك بأن تشرف على: - إرساء مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية, مثل الجدارة والإنصاف والأهلية؛ - تفعيل الإجراءات المناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء؛ - و ضع منظومة أجور منصفة و عادلة؛ - وضع استراتيجية تكوينية لتمكين الموظفين من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية, وتوفر لهم التكوين المتخصص والمناسب من اجل إذكاء وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم؛ - اعتماد تدابير تشريعية وإدارية مناسبة من شأنها الوقاية من الفساد كالمساهمة في ورش حقيقي لتبسيط المساطر الإدارية؛ - اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية و منع تضارب المصالح. إن هذه المداخل من شأنها أن تساهم في مجاربة الفساد السياسي و المالي و الإداري في المغرب الذي أصبح مستشريا في جميع القطاعات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بدون استثناء و بدرجات متفاوتة، مما يؤدي إلى نخر المجتمع و هدم أسس الدولة في حالة السكوت عنه و عدم التصدي له، لذا يجب الضرب بيد من حديد على كل من تخول له نفسه أن يعرضنا أو يعرض الأجيال الصاعدة للمجهول بسبب آفة الفساد.