يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: "ولد الإنسان حرا لكننا نراه مقيدا بالأغلال في كل مكان "، وهذا واقع الخادمات القاصرات اللواتي ولدتهن أمهاتهن أحرارا فتحولن إلى رق في بيوت مشغليهن وهن لم يغادرن طفولتهن بعد ، وخدمتهن في البيوت تعتبر نوعا من مخلفات العبودية في زمن حقوق الإنسان ،وخلال أسبوع واحد أطلعتنا وسائل الإعلام على واقعتين بطلتاها خادمتين والمسرح وجدة وإنزكان، واقعتين مختلفتين لكن ظروفهما واحدة ، والواقعتين تبرزان قساوة الخدمة في البيوت التي قد توصل إلى التعنيف البشع أو تجعل من الخادمة التي كان من الممكن أن تكون في صفوف الدراسة لو توفرت لأهلها سبل العيش الكريم إلى مجرمة تقتل طفلي مشغليها بكل برودة دم. "" بوجدة كانت خادمة صغيرة راقدة بالمستشفى ،تعمل عند أسرة أحد القضاة ،وهي معنفة وجسدها الصغير يئن تحت وقع القروح والجروح التي تحتلها من رأسها حتى أخمص قدميها نظرا لتعنيف مشغليها بطريقة غيبت الإنسانية وأبرزت الوحشية والعنف الذي تعامل به شريحة من الخادمات الصغيرات القادمات من القرى البعيدة والمنسية إلى مجهول تتحكم فيه نزوات وشطحات وأمزجة مشغليهن، من أجل دريهمات يتسلمها الأب في نهاية الشهر ليساعد بها على توفير اللقمة لأطفاله الآخرين،وفي بعض الأحيان يكون المقابل فقط طعام وكسوة الخادمة فتعمل مجانا ، لأن الأسر المعوزة تعتبر إنقاص فم من الأفواه الكثيرة التي يتم إطعامها من قبل رب الأسرة الفقير الذي يعاني من قلة ذات اليد حل جزئي، فيردد بأنه يريد لابنته أن "تشبع كرشها" فيفند بذلك مقولة كون الآباء يحولن بناتهن إلى خادمات من أجل المال. وفي إنزكان تحولت خادمة إلى مجرمة بعدما عمدت إلى قتل طفلي مشغليها التوأم انتقاما من مشغلتها . الخادمات الصغيرات يعشن بين مطرقة ظروف أسرهن وسندان مشغليهن القساة ،يدفع الفقر المدقع أسرهم إلى تسليمهن لبيوت الخدمة فيتعرضن في الأغلب الأعم للشتم والتعنيف الجسدي والاعتداء الجنسي في بعض الأحيان ، فيستسلمن لمصيرهن وتعشش في دواخلهن الانكسارات والعقد النفسية الناتجة عن عدم عيشهن طفولة سوية ،فيتأرجحن بين الحرمان من الاحتياجات الطفولية التي تظل دون إشباع من لعب وتمدرس وغيره، بالإضافة إلى حرمانهن من حنان الأبوين حيث ينتزعن من حضنهم ليصبحن مسؤولات عن المطابخ وعن أعمال التنظيف والكنس وعن أطفال يقمن برعايتهن وهن أحوج إلى من يرعاهن ومن يلبي احتياجاتهن ،فيتجذر الحرمان في أنفسهن خاصة وهن يرين أطفال مشغليهن منعمين بكل شيء من تمدرس ولعب ودفء أسري في حين يحرمن هن من كل شيء،ويضاف إلى الحرمان التعنيف الذي يتعرضن له، فيولد كل ذلك عند بعضهن كبتا دفينا قد يتفجر في أية لحظة فينقلب السحر على الساحر وتنقلب الخادمة إلى كائن لا يعرف إلا الانتقام فتصبح قاتلة ومجرمة وفي الغالب ينصب انتقامها على أطفال مشغليها ، وتطلعنا وسائل الإعلام على قصص خادمات تحولن إلى قاتلات ،وقد تصل قساوتهن إلى حد التمثيل بالجثة في بعض الأحيان كشيها في الفرن أو طهيها، ويتركز انتقام الخادمات على الأطفال لأن بنيتهن الضعيفة لا تمكنهن من الانتقام من الكبار فينصب انتقامهن على الصغار. ما تتعرض له الخادمات من تعنيف وعنف مضاد نتيجة طبيعية ومتوقعة لطفولة أهدرت حقوقها وكرامتها ، وربات بيوت غاب عنهن الحس الإنساني ، فعلينا أن نترحم على الزمن الجميل حيث كانت ربة البيت سيدة طيبة تأتي الخادمة إليها من قرية بعيدة متسخة والقمل يسرح فوق جسدها فتنظفها وتعلمها أشغال البيت وتعمل معها يدا بيد في المطبخ هي وبناتها وتنيمها وسطهن دون تحيز ولما تكبر لا تخرج من بيت مخدوميها إلا لبيت زوجها ورب الأسرة يعتبرها ابنته والأولاد يعتبرونها أختهن، لكن تغير الوضع الآن فأصبحت الخادمة الصغيرة شيئا صالحا لإنجاز أشغال البيت من الصباح إلى منتصف الليل دون راحة، لتنام في فراش مهلهل ولا تقترب من أطفال الأسرة إلا لتخدمهم، ولا تمارس طفولتها وإن ضبطت وهي تفعل ذلك في غفلة من عيون مخدوميها تتعرض للعقاب، ولما تبرعم استدارات جسدها وتهل تباشير نضجه تبدأ عيون رب الأسرة أو أبناؤه في التلصص عليها وتحين الفرص للاعتداء الجنسي عليها ، وينجحون في القيام بذلك في أحيان كثيرة ، فتصبح هي المذنبة ، وتطردها ربة البيت ،وحتى وإن لم يحدث الاعتداء تطردها خوفا من فتنة جسدها الذي تبدأ معالم النضج تظهر عليه والتي هي نفسها لا تدري عنه شيئا في خضم نسيان نفسها وسط مشاغل البيت التي لا تنتهي وكذا وسط براءتها وطفولتها التي لا تكون قد غادرتهما بعد كليا، وهذه من أسباب إقبال ربات البيوت على الخادمات القاصرات اللواتي لم يبلغن سن النضج بعد ، النضج الجسدي طبعا،حيث نسبة منهن لا يتعدى عمرهن أحد عشر سنة ، وكذلك لرخص أجرتهن التي تتراوح بين 250 درهم و500 حسب إحصاء أجري بمدينة الدارالبيضاء. وللحد من ظاهرة تشغيل القاصرات يجب إصدار مرسوم يمنع تشغيلهن ، لأن مكانهن الطبيعي بين أحضان أسرهن وعلى طاولات التمدرس وليس مطابخ السيدات والكنس والغسل وما يصحبه من تعنيف وحرمان من أبسط حقوق الطفولة، فلا حاجة بنا للدفاع عن خادمات معنفات وذلك ما نلاحظه كلما خرجت إلى النور قصة خادمة معنفة حيث تهب فعاليات المجتمع المدني للدفاع عنها فنحن في حاجة إلى استئصال تشغيلهن من جذوره، فما يبدو للوجود مجرد غيض من فيض وأغلب الخادمات القاصرات يعنفن وأغلب من يشغلون خادمة قاصرة يعتبرونها عبدة ومملوكة لهم بلا حول ولا قوة يفعلون بها ما يشاءون، وما تلتقطه آذان الصحافة من قصص تعنيف الخادمات مجرد نقطة في بحر معاناتهن، لأن البيوت تغلق على أسرارها كما يقولون ، والخادمة عملها متمركز في البيت فمعاناتها في الغالب لا ترى النور وتظل سرا من أسرار البيوت. إن انتشار أفكار حقوق الإنسان لم يمنع استمرار معاناة هذه الشريحة حيث وضعهن يظل قائما رغم الجهود الخجولة التي يبذلها المجتمع المدني لوضع حد لهذه الظاهرة، لكن هناك عوامل قوية تدفع الأسر إلى دفع بناتها الصغيرات إلى العمل في البيوت كخادمات وعلى رأسها الفقر وكثرة عدد الأبناء لعدم تحديد النسل والهدر المدرسي أو عدم تمدرس الفتيات أصلا في بعض المناطق النائية نتيجة بعد المدارس عن سكناهن. إن تشغيل القاصرات جريمة ويستحق التصدي له بمراسيم وقوانين تجرم تشغيلهن ، وكذا محاربة الهشاشة التي يعاني منها سكان المناطق النائية بتوفير سبل العيش الكريم لهم ونشر التوعية بينهم وتمكينهم من ظروف تشجعهم على إرسال بناتهم للتمدرس بدل دفعهم لبيوت الخدمة. وما علينا في الأخير إلا استحضار قولة عمرو ابن العاص: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. [email protected]