تعرف عليها من أول نظرة. كان فستانها الأزرق المتقادم وشعرها القصير الأشيب يميزانها. كان قد اعتاد رؤيتها في مسقط رأسه و منبته، أمام مقهي "الفن السابع" حيث كان يلتقي بأصدقائه، فقد اتخذت مكانا أمام بابه ونشرت بعض اللافتات، دونت عليها قصتها. كان كل ما يتذكره الفتى هو أنها لاجئة من بلد ما. ولكن ما الذي أتى بها إلى هذه المدينة ؟ ها هي ذي تحمل في يدها أزهارا حمراء، لا بد أنها تبيعها للمارة، فكيف للاجئة أن توفر قوت يومها في هذا البلد الذي يعاني نصف أبنائه أو يزيد من البطالة ؟ فكر أنها تعاني من الوحدة، في بلد غريب عنها. ربما تحاول استيقاف المارة لتبيعهم من وردها، لكنها تفشل في كل مرة. أشفق على حالها، وتحرك شيء ما في داخله عندما رأى البسمة لا تغادر شفتيها رغم كل ما تكابده. تقدم نحوها وسألها: كم ثمن الورد؟ نظرت نحوه، التقت أعينهما، وكأنها حدقت في روحه مباشرة، كل ما رآه، هو جزيرة استوائية، شمس ساطعة، وسماء صافية لونها زرقة عينيها. الوردة بعشرة دراهم. كانت لغتها العربية مقبولة لا بأس بها، و كانت تضفي عليها اللكنة الأوروبية جاذبية خاصة. أعطاها عشرين درهما وطلب منها أن تحتفظ بالباقي. لمعت عيناها فرحا وناولته وردة من التي في يدها، مغدقة عليه عبارات الامتنان. أخذ الوردة، حدق فيها، ثم توجه إلى بائعة الورد بالكلام. هل تقبلين مني هذه الوردة ؟ أمسكت الوردة وجزءا من يده، ثم ارتمت عليه وعانقته، ثم شكرته بعينين تقاومان الدموع، ابتسم لها وغادرت. منحه الأمر شعورا بالفخر والسعادة، أحس وكأنه أحدث تغييرا في حياة إنسان، أو فعل شيئا لا يحصل كل يوم. فعلا، من يهدي بائعة الورد، وردة ؟ [email protected]