إسمها نجود، فتاة بسيطة صغيرة، تنحدر من محافظة «حجة» شمال غرب اليمن حيث تعيش مع والديها رفقة 16 من الأخوة والأخوات. تعتقد نجود أنها تبلغ من العمر عشر سنوات، ففي بلدها اليمن لا يتوفر السواد الأعظم من أبناء البوادي على وثائق ثبوتية، وغالبيتهم لا أثر لهم في سجلات الولادة. مثل أي فتاة في العاشرة من العمر، تعشق نجود اللعب بين أزقة قريتها، وتحب لعبة القط والفأر مع صديقاتها وأخواتها، والألوان المفضلة لديها هما الأحمر والأصفر، وهي تفضل الشوكولاتة وجوز الهند، وتحب الكلاب والقطط، كما أنها لم تعرف البحر مطلقاً وتحلم بأن تعانق يوما أمواجه. نجود علي رفقة الصحفية الفرنسية ديلفين مينوي، تقربنا من تفاصيل تجربتها الفريدة، التي صاغتها في كتاب عنونته ب«أنا نجود، عممري 10 سنوات، مطلقة» حيمنا أتوجه رفقة مونة للتجوال في شوارع الحايل لا نشعر قط بمرور الوقت. يحدث في العديد من المرات، بعد ضغطنا بوجهنا على الواجهة الزجاجية للمحلات التجارية المفضلة لدينا ان تختفي بذلات السهرات بفعل البخار الذي نحدثة حول أعيننا. كان أحد فساتين العرسان ابيض اللون ترتديه دمية بلستيكية يثير انتباهي دائما. فستان للسيدات. تناقض كبير بينها وبين كل السيدات في الشارع، المكسوات بلون أسود من أعلى رأسهن الى أسفل أرجلهن. إن شاء الله، سيكون لك واحدة مثلها، يوم زفافك، تنبس بها منى وهي تحملق في بعينيها البراقتين التي يؤطرها نقابها الذي ترتديه كلما غادرنا البيت ليغطي ما تبقى من وجهها. قلما تضحك منى. لم يحالفها الحظ في ان يكون لها حفل زفاف سعيد ومليئ بالأفراح. لقد تزوجت بسرعة، لم يكن لها الحق الا في اقتناء فستان ازرق اللون، وباستثناء تفصيل اللون هذا، كانت تتهرب دائما من الغوص في ظروف عقد قرانها. فمنذ ان غادرها زوجها، بشكل فجائى، لا أعرف أي وجهة اتخذها، لم أسمع قط حديثا بشأنه. اتصوره شد الرحال الى مكان ما بعيدا عن اليمن، اني لا أود معرفة مزيد من تفاصيل. فمنى لا تحب ان نطرح عليها أسئلة في هذا الموضوع. كانت تسعد وهي تقول لي أن ما تتمناه هو ان اكون سعيدة و ان اتزوج من رجل لطيف ومحترم. لم تكن لي، بخصوص الزواج، اية فكرة واضحة. فبالنسبة إلي فالزواج، هو حفل ضخم، هدايا كثيرة، والشكلاطة، والعديد من المجوهرات بالطبع. منزل جديد! سنوات خلت، سمحت لي الفرصة أن أحضر العديد من حفلات الزواج، لافراد العائلة. كان في الحفل موسيقى ورقص. كانت النساء يظهرن أنيقات وهن يرتدين معاطف سوداء طويلة. وجوههن مزينة بعناية، كما سرحن شعرهن عند الحلاقة، يبدين مثلما صور النساء في ملصقات قنينات «الشامبو». أما الشعر المنسدل على الجبين فقد أخذ لدى الجميلات منهن شكل فراشة. استمتع دائما في هذه الحفلات. اتذكر الحناء التي تزين أيادي وأدرع الزيجات الشابات. برسوم واشكال الزهور. كان ذلك جميلا. ان الحناء جميلة. واقول مع نفسي اني انا ايضا في يوم من الأيام، سأضع الحناء على يدي. الخبر كان مفاجئا وغير منتظر، عندما اعلن لي والدي ان دوري قد أتى. لم أفهم حينها. في البداية حسبت الامر خلاصا بالنسبة لي، وبمثابة مخرج إغاثة. لقد اصبحت الحياة في البيت مستحيلة. فمنذ ان فقد والدي عمله في البلدية، لم يتمكن من ان يجد عملا قارا. لقد كنا دائما نتأخر في أداء مستحقات الكراء، وكان مالك البيت يهددنا دائما بالطرد. وكي تقتصد الوالدة بعض الشئ في مصروف البيت، كانت لا تقدم لنا إلا الأرز والخضر. كانت قد بدأت حينها، تعلمني شؤون البيت لمساعدتها. رفقتها، كن نعد «الشفوط»، وهو نوع من الرغيف سميك وكبير الحجم المكسو بالياغورت المعطر بالبصل والثوم. و«بن الساحل»، المصنوع من العسل، الذي كان تحليتنا بعد الطعام. وحنيما يحدث، ان يجلب الوالد بعض المال، يبعث احد اخواني لشراء دجاجة، كنا نطهيها ونعدها يوم الجمعة. أما اللحم الاحمر، فلا مكان للحديث عنه، فإن ثمنه باهظ بالنسبة لنا. فآخر مرة اكلت فيها «الفتة» (لحم البقر)، كانت حين قبلنا دعوة افراد عائلتي، حيث دعونا للاحتفال بالعيد في احد المطاعم. وكانت ايضا المرة الأولى التي شربت فيها «بيبسي»و هذا المشروب الغازي القادم من أمريكا. وعندما فرغنا من الأكل، واخترنا مغادرة المحل. رش النادل على يدي بعضا من العطر مثلما يفعل مع الكبار. رائحة طيبة. لقد علمتني والدتي ايضا اعداد فطائر الخبز. كانت توقد الفرن في الوقت الذي كنت فيه أبسط الفطائر وامنحها شكلا قبل ان اضعها للطهي في الفرن، الذي تخلت عنه والدتي يوما مقابل بعض المال. فكلما كنا في حاجة الى بعض النقود ، كانت تبيع بعض حاجياتها الخاصة. في الواقع، لم تعد الوالدة تعتمد على والدي. لقد اتي اليوم، الذي لم يبق لدينا شيء ذا اهمية في البيت يمكننا بيعه. وبفعل عدم انتظام الوجبات الغذائية في المنزل الذي كان ضيق ذات اليد سببا فيه، التحق اخوتي بصف الباعة المتجولين الصغار، الذين أخذوا من أمكنة علامات المرور في شوارع مكانا لجلب المال مقابل بيعهم لسائقي السيارات علب العلك، او علبة مناديل ورقية. اما منى فقد اختارت طريق التسول، غير انها كانت لها في ذلك تجربة سيئة. فبعد اربع وعشرين ساعة، تقلفتها دورية للشرطة و تم ارسالها الى مركز مخصص للأشقياء. حين عادت منى إلى البيت، حكت لنا أنها التقت نساء متهمات بمعاشرة اكثر من رجل. وقالت لنا كيف كان حراس السجن يسحبنهن من خصلات شعرهن.. عاودت منى الخروج للتسول في الشارع، بعد فترة، لكنها سقطت ثانية في يد الشرطة. مما جعلها بعد ايقافها للمرة الثانية الابتعاد عن التسول. لقد جاء بعد ذلك دوري انا و اختي هيفاء، يدا في يد خرجنا نطرق زجاج سائقي السيارات طلبا لبعض النقود. يتجاهلوننا في العديد من المرات. كنت لا أحب هذا، لكن لا خيار أمامنا.