منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، أولى المغرب أهمية خاصة لتطوير البحرية الملكية لتقليص فارق القوة العسكرية بينه وبين كل من الجزائر وإسبانيا. وقد تزايد هذا الاهتمام خاصة بعد قرصة الأذن التي تعرض لها بعد أزمة جزيرة ليلى / بيريخيل مع إسبانيا، بعدما انتبه إلى أن بحريته هي أضعف قوة عسكرية مقارنة بالسلاح البري والجوي. حيث استغل المغرب توجس الولاياتالمتحدة من استهداف تنظيم القاعدة للبوارج والسفن الحربية التي تمر من المضيق، وبعد تمكنه من الظفر بموقع شريك استراتيجي للحلف الأطلسي عام 2004، للعمل على إنشاء أكبر قاعدة بحرية على البحر المتوسط، وتحديث سلاحه البحري. 1- إنشاء قاعدة بحرية بالقصر الصغير المقومات اللوجستيكية للقاعدة أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، انطلاق الأشغال الفعلية لبناء قاعدة بحرية بها. وهكذا أعلن المغرب عن الشروع في إنشاء قاعدة بحرية عسكرية منذ شهر مارس 2008، على بعد 25 كيلومترا فقط من مدينة سبتة بتكلفة بلغت 127 مليون أورو. فعلى طول 512 كيلومترا من الشواطئ المتوسطية، سيشكل باعتباره أول ميناء بحري على الضفة المتوسطية للمملكة، قاعدة لرسو السفن التابعة للبحرية الملكية، التي تتولى حماية الساحل الشمالي. كما سيشكل حجر الزاوية في التغطية البحرية، التي تقوم بها البحرية الملكية بمضيق جبل طارق بالمنطقة المتوسطية، علاوة على ما سيتوفر عليه من بنيات تحتية حديثة. وقد شرعت هذه القاعدة العسكرية التابعة للبحرية الملكية المغربية بمدينة القصر الصغير، والواقعة على بعد 30 كيلومترا من طنجة، العمل على استقبال فرقاطة وسفن حربية. كما أن أفرادا من القوات البحرية الملكية المغربية استقروا في القاعدة نهاية سنة 2012. في حين أن وحدات من البحرية الملكية شرعت في التمركز خلال الشهور الأخيرة من سنة 2011 بالقاعدة التي استقبلت ابتداء من سنة 2012 الفرقاطة "فلوريال" الفرنسية وسفن حربية من نوع "سيغما" الهولندية الصنع، على أن تتعزز هذه الترسانة بفرقاطة "فريم" المتطورة التي اقتناها المغرب من فرنسا والمتخصصة في مراقبة الغواصات. الأهداف الاستراتيجية من القاعدة على الرغم من طول شريطه الساحلي –المتوسطي –الأطلسي الممتد على مساحة 3500 كيلومتر، فقد بقي المغرب منذ استقلاله لا يتوفر سوى على أربع قواعد بحرية صغيرة: * القاعدة البحرية الأولى: الدارالبيضاء * القاعدة البحرية الثانية: الناظور * القاعدة البحرية الثالثة: الداخلة * القاعدة البحرية الرابعة: أكادير وبالتالي تعد هذه القاعدة البحرية العسكرية الأكبر من نوعها ليس بشمال المغرب، بل القاعدة العسكرية الأكبر من نوعها في المغرب مقارنة مع باقي القواعد البحرية الأخرى. حيث إنها ستوفر للمغرب وجودا استراتيجيا في مضيق جبل طارق، مما سيعزز من تواجده على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق. وسيشكل قفزة نوعية للبحرية الملكية وعودتها للعب دور استراتيجي في حماية مضيق جبل طارق، الذي ظل حكرا على بريطانيا وإسبانيا. بعدما ظل هذا الوجود محدودا للغاية، وظل حكرا على كل من بريطانيا وإسبانيا العضوين في حلف الشمال الأطلسي. كما أن إحداث هذه القاعدة سيمكن المغرب من تقوية بنياته التحتية وتجهيزاته الأساسية في المجال العسكري، والأمني، والاستخباراتي وتأمين الحدود البحرية وحتى الجوية والبرية. خصوصا وأن القوات البحرية الملكية شهدت الكثير من العصرنة والتحديث في الآونة الأخيرة، مما يسمح لها بالقيام بدور كبير على مستوى مراقبة كل من مضيق جبل طارق وشرق البحر الأبيض المتوسط، وكذا منطقة الساحل جنوب الصحراء وغرب إفريقيا. كان قرار المغرب سنة 2007 بإحداث قاعدة عسكرية بالقصر الصغير قد أثار قلق وحنق القيادة العسكرية الإسبانية، التي اعتبر قادتها التحول الجديد في الاستراتيجية العسكرية في مضيق جبل طارق مؤشرا مقلقا، مما جعلهم يقررون تشييد قاعدة عسكرية مماثلة بمدينة سبتةالمحتلة، قبل أن يتراجعوا عن الفكرة بسبب التكلفة الباهظة للمشروع، وانخفاض الميزانية العسكرية الإسبانية بسبب الأزمة المالية التي عرفتها البلاد. 2- تحديث الترسانة العسكرية البحرية التطوير التدريجي لتجاوز بعض مظاهر الضعف التي تعاني منها البحرية المغربية مقارنة بباقي الأسلحة البرية والجوية للجيش المغربي، ولتجسير الهوة التي تفصلها عن البحرية الجزائرية والإسبانية، خضعت البحرية المغربية لتحديث تدريجي، حيث انتقلت من كونها قوة حماية ساحلية – مجهزة بشكل أساسي بكورفيت من فئة Descubierta وأربع سفن دورية صاروخية من فئة لازاغا – لتصبح قوة بحرية رئيسية في المنطقة ولديها حقا قدرات المحيطات. الاعتبارات الجيوستراتيجية يمكن إرجاع دوافع هذا التحديث إلى اعتبارين: * إقليمي: عززت دول مثل الجزائر ومصر قواتها البحرية. حيث أن اقتناء هذه الأخيرة لمجموعة من المعدات البحرية المتطورة جعل من أسطولها البحري الأسطول الرئيسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، في حين أن عمليات الاستحواذ التي قامت بها الجزائر جعلت من أسطولها البحري الأهم في منطقة المغرب العربي، دون التغافل عن القوة البحرية التي يتوفر عليها الأسطول الإسباني بالمنطقة. * داخلي: يتمثل في حماية مصالحه البحرية، خاصة بعد اكتشاف بعض الثروات المعدنية في المحيط الأطلسي خاصة بالقرب من جزر الكناري. المعدات البحرية المحدثة تم اتخاذ الخطوات الأولى نحو تحديث البحرية المغربية بإدماج فرقاطتين فرنسيتين من نوع "فلوريال"، واقتناء ثلاث فرقاطات من طراز SIGMA مزودة بأحدث جيل من الأسلحة والأنظمة الإلكترونية، وفرقاطة FREMM التي يبلغ وزنها 6000 طن وطولها 142 مترا، وهي واحدة من أكثر الوحدات القتالية الحديثة في المنطقة. وهكذا أصبحت البحرية المغربية تضم 12000 فرد، منهم 3000 ينتمون إلى مشاة البحرية، مع سبع فرقاطات وطرادات، وقوارب دورية صاروخية مختلفة، بالإضافة إلى زوارق دورية وخمس وحدات برمائية وقوارب نقل ودعم وأسطول طائرات الهليكوبتر. الرغبة في امتلاك الغواصات تعد الغواصات نقطة ضعف في الأسطول المغربي، خصوصا مع امتلاك كل من الجزائر وإسبانيا غواصات متطورة. وقد عبر المغرب عن رغبة ملحة في اقتناء غواصات تسهم في تقوية قدرات البحرية الملكية، وحماية أمن حدوده البحرية، وخلق نوع من التوازن العسكري مع الجزائر، وبالأخص بعد تشغيله لقاعدة القصر الصغير. عندما يمتلك المغرب غواصاته الأولى، ستزداد قدرات أسطوله البحري بشكل كبير فيما يتعلق بحماية سواحله التي تمتد على مدى 2952 كيلومترا. خاتمة يبدو أن المغرب، الذي أدار ظهره للبحر لقرون متواصلة، قد ركز منذ تولي الملك محمد السادس الحكم على تقوية قدراته البحرية. فمنذ إعلان المغرب في مارس 2008 عن إنشاء قاعدة عسكرية قرب القصر الصغير، أكد توجهاته المتوسطية الجديدة التي تهدف إلى تقوية حضوره في منطقة استراتيجية وعدم ترك المجال فارغا لإسبانيا وحدها. من هنا أصبحت البحرية الملكية تشارك في عدة مناورات بحرية مع دول أوروبية كفرنسا وإيطاليا أو دول عربية وإسلامية كالسعودية والأردن وباكستان، بالإضافة إلى مناورات مع الولاياتالمتحدة في إطار مناورات الأسد الإفريقي، مما سيعزز من مهاراتها واكتساب تجارب في إدارة الحروب البحرية والدفاع عن الحدود الوطنية. كما سعى المغرب في إطار تحديث ترسانته العسكرية، إلى تطوير سلاح البحرية الملكية من خلال تجهيزها بأنواع مختلفة من الفرقاطات والسفن الحربية في انتظار الحصول على غواصات. وبذلك قد تصبح المملكة الدولة التاسعة في البحر الأبيض المتوسط التي تمتلك غواصات بعد إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا واليونان وإسرائيل ومصر والجزائر.