عادة جميلة في بعض الدول المتحضرة تسمى "أعمال التطوع"، وهي مبادرة حرة يقوم بها الشباب في الغالب وبعض المتقاعدين، تقتضي تقديم خدمات إنسانية للمجتمع بلا مقابل. وهي عادة قليلة الوجود وموسمية لدى شبابنا وشيبنا على حد سواء. في أمريكا اليوم، يوجد حوالي 100 مليون متطوع كل سنة، ينتمون لجمعيات خيرية تشتغل في الرعاية الصحية للكبار أو تساهم في أشغال النظافة أو في التظاهرات الرياضية الكبرى وغير ذلك. ومن المتطوعين من يساهم باختصاصه النادر كالطب والهندسة وما شابه. وفي كندا تكاد نسبة المتطوعين تقارب ثلث المجتمع النشيط، أما في فرنسا فقد وصل عدد المنخرطين في التطوع إلى ما يناهز 17 مليونًا سنة 2019. والأجمل من هذا أن الشباب الذين أنهوا دراستهم تحتسب لهم ساعات التطوع عند الترشح لوظيفة أو منصب، وتكون صحيفة أعمال الخير عندهم عاملًا حاسمًا في نيل الشغل إلى جانب الشواهد العالية والكفاءة الكبيرة. قبل سنوات، في شاطئ مولاي بوسلهام، نظمت إحدى الجمعيات البيئية حملة واسعة لتنظيف الرمال من أوساخ المصطافين التي لوثتها، بل جعلت المشي عليها خطيرًا من كثرة الزجاج المكسور المدفون فيها. وبقدر ما أدخل ذلك سرورًا كبيرًا في قلبي، بقدر ما أصابني بيأس شديد من أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا. ذلك أن الإناث اللواتي شاركن في هذا العمل التطوعي تعرضن لحملة عنيفة من التحرش بالكلام والفعل، حتى أن عددهن بدأ ينقص واندثرن كالماء في الرمل. في مقرراتنا المدرسية لا نجد ذكرًا لفضيلة العمل التطوعي، فلا يسمع به الأطفال في أي مكان: البيت، الشارع، المدرسة، ووسائل الإعلام. كلها خالية من التطوع، وكأنه رذيلة أو عبودية أو تضييع للجهد والوقت، بينما الأمم الراقية تجعله في صلب تربيتها ومناهجها وعقيدتها الاجتماعية. ظهرت مؤخرًا حملة تطلب من المغاربة القيام بواجب الصلاة. شيء جميل، وماذا بعد الصلاة؟ ما درجة انعكاس الصلاة على سلوك المواطن، كبيرًا كان أو صغيرًا؟ ماذا يفعل المغاربة قبل الصلاة وبعدها؟ لماذا ينقطع سلوكهم المشين المتخلف لحظة السجود والركوع؟ ثم يرجعون إلى غيهم بعد ذلك؟ أليست الصلاة تأمر بالمعروف؟ أين هو المعروف في جحافل المصلين يوم الجمعة ومساءات رمضان؟ لا شيء يظهر على السطح كسلوك مدني متحضر. هذا لأقول لكم إن ما يشغل الشبكات الاجتماعية هو الطالح والمنحط ومنعدم القيمة، وفي أحسن الأحوال اتجاهات تُزايد على الناس في الدين، معتقدة أنها ملائكة مسخرة لتنبيه القاصرين الغافلين. نعم، الشبكات الاجتماعية تستطيع إخراج الآلاف إلى الشوارع من أجل فلسطين أو الهروب الجماعي إلى سبتة، ولكنها لا تستطيع إخراج مواطن واحد للتطوع من أجل المصلحة العامة. لماذا تنجح في إخراج الشباب للهدم والتخريب ولا تخرجهم للعمل التطوعي؟ كيف خرج طفل صغير قاصر إلى شوارع الفنيدق ينوي الهجرة إلى سبتة؟ من أقنعه بذلك؟ أين أبواه؟ أين المجتمع؟ أين المدرسة؟ من يتحمل المسؤولية؟ لماذا لم تعد القوة العمومية رادعة كما كانت في الأزمنة الهادئة؟ لمن نقدم مشاهد حقوقية تتجاوز أعرق الديمقراطيات؟ هل نحول بلادنا إلى مشهد واسع من تخريب البلاد كي لا يُقال عنا كذا وكذا ولا نُنعت بكذا وكذا؟ وإذا قررت الشبكات الاجتماعية إخراج الناس في كل المدن دون رخصة للتظاهر، هل نشتت القوة العمومية هنا وهناك؟ هل نستعين بالقوات المسلحة الملكية؟ هو طريق الفتنة إذن؟ لا أريد الحديث عن المؤامرات الخارجية ولا ما يُحاك ضد بلادنا من جيران السوء، ولكن أقول إن جزءًا كبيرًا من هذه الفوضى صنعناه بأيدينا، بفضل التراخي والابتعاد عن الصرامة، وتعزيز الحق مرتبطًا بالقانون والواجب.