آميمتي...آآآه..التفتت إلى هذا النداء الممتزج بالدموع الحارة، لتجد فتاة صغيرة جدا لولا بطنها المنتفخ لما صدقت أنها امرأة مكتملة الأنوثة وستصير أما بعد لحظات، كانت الأم الصغيرة تبكي وتتلوى على الفراش وحيدة، منظرها جعلها تنسى للحظات ما هي فيه، وتستغل تلك الاستراحة التي منحها إياها مخاضها لتقترب منها، وتحاول أن تمسد لها ظهرها علها تخفف عنها الألم.. "" اقتربت منها، همست في أذنها:"لماذا تبكين؟ سيكون كل شيء بخير، اصبري تمسكي بإيمانك، إذا بكيت ستصعبين الأمر عليك.." بينما كانت تمسد ظهر الأم الصغيرة التي هدأت قليلا دون أن تتوقف عن البكاء، قفزت كأنما لسعتها موجة كهربائية بعد أن باغتها المخاض من جديد..تمنت لو كان بإمكانها أن تترك يدها تمشي وتجيء على ذلك الظهر الصغير لكنها لم تستطع، سحبتها دون تفكير وعادت تهرول كالمجنون في الممر وتضغط على أسنانها.. كان الألم في هذه اللحظات أكبر، شعرت بماء دافئ ينساب بين فخديها..اختفت تلك الاستراحات التي كان يمنحها إياها مخاضها، لم تعد تقو على التماسك، بدأت تخرج أصوات عالية من حلقها رغما عنها، لم يقترب منها أحد، حدة الألم تتصاعد، ويتصاعد معها صراخها العالي جدا، تمسك وسط ظهرها، تتمنى أن تدخل في غيبوبة لا متناهية حتى لا تشعر بهذه العاصفة من الألم..نصفها السفلي يكاد ينفجر، تطلب النجدة، وأخيرا يدخل طبيب رفقة الطبيبة التي نهرتها قبل قليل، يعرفون من حدة صراخها أنها على وشك الولادة، تأتي على إثرهم ممرضة تدفع كرسيا متحركا وتطلب منها في أوج العاصفة أن تجلس على الكرسي لتنقلها إلى غرفة الولادة.. يا إلهي، إنها لا تستطيع الجلوس أو الانحناء، لا تستطيع أن تقوم بأية حركة، إلا أن الطبيب والممرضة يجلسانها برفق، كأنهما يرغمانها على الجلوس على النار..ألا توجد أي وسيلة أخرى لنقل النساء غير الكراسي المتحركة؟ كيف يمكن الجلوس مع كل هذه الآلام؟ ..لكنها أخيرا جلست.. ارفعي قدميك" قالت لها الممرضة التي تدفع الكرسي المتحرك..من أطلت برأسها من قلب عاصفة الألم لتلقي نظرة على أسفل قدميها، فاكتشفت أنه لا يتحتم عليها فقط احتمال الجلوس ولكن عليها أن تبقي قدميها مرفوعتين حتى لا تتجرجران في الأرض، لأن ما كان من المفترض أن يسندهما في هذا الكرسي المتهالك مفقود.. حاولت أن تحافظ على توازنها وأن تبقى قدميها مرفوعتين في الهواء، إلا أن رأسها المنهوك تهاوى على كتفيها وهي تئن، ولم تعلم إلى أي مدى انفصل رأسها عن جسدها إلا عندما شعرت بأحد الأبواب يرتطم به، ليرتفع صوت الممرضة"آللا جمعي راسك ها انت وصلت.." وأخيرا وصلت خائرة القوى، ساعدتها الممرضة لصعود فراش مغلف بالبلاستيك، قبل أن تعود من حيث أتت..تبعها الطبيب الذي تركته وراءها في الغرفة الأولى، فحصها برفق دون أن يقول أية كلمة، وضع شيئا يشبه البوق على بطنها وبدأ يجس نبض الحياة في أحشائها، نظر إلى وجهها الواهن، ثم انصرف.. بعد دقائق قليلة، جاءت المولدة، بدأت تصدر أوامرها بصرامة، "بلاتي ما تزحميش (لا تدفعي)، حلي رجليك مزيان..تنفسي من فمك... تذكرت نصيحة جارتها لها قبل أن تغادر المنزل عندما وضعت ورقة من فئة خمسين دهما في جيبها وقالت لها "لا تعط شيئا لأي شخص سوى للقابلة التي تكونين متأكدة من أنها هي التي ستولدك، لكي تساعدك ولا تتركك مرمية بعد الولادة على ذلك الفراش البارد" تلمست جيبها، وعندما اقتربت منها، وضعت الورقة في سترتها، انتبهت المولدة للورقة الخضراء وتأكدت من استقرارها في مكان آمن، إلا أنها تظاهرت بأنها لم تر شيئا، واصلت عملها برفق أكبر"بسم الله..يالله عاونيني وكلشي غادي يكون على خير"..استمر الألم في التصاعد وبدأت تددفع الهواء الى بطنها رغما عنها، إلا أن المولدة نصحتها بأن تتنفس وتدلي لسانها حتى لا تؤذي نفسها أو تؤذي طفلها.. أصبحت الولادة أكثر رحمة رغم الألم...كيف لم تتذكر نصيحة جارتها عندما دخلت، لو أنها حملت معها حزمة من الأواق الخضراء لما تعرضت لأي إهانة.. يالله زحمي (ادفعي) ..زيدي ..زيدي..قربت.. الرأس على وشك الخروج... خارت قواها لم تستطع الاستمرار في الدفع، لكن المولدة بادرتها "لا ..لا تتوفي الآن..استمري في الدفع اصبري لم يبق إلا القليل يالله..عاونيني آبنتي الله يرضي عليك.. استجمعت قواها، للحظة عابرة تذكرت النساء اللواتي يلدن في الأفلام الأمريكية، وكيف يتم حقنهن وتزويدهن بالمصل لكي يستطعن اجتياز هذه اللحظات العصيبة، إلا أن كل ذلك يبدو مجرد سينما، أرجعتها المولدة التي امتلأت رحمة وعطفا بفضل الوقة الخضراء، إلى الواقع عندما ربتت على فخديها العاريتين..يالله زحمي..قولي آآلله وزحمي زيدي..زيدي ..قربت صافي خرج الراس..ما توقفيش.. زحمي.......شعرت بشيء دافئ وصلب يندفع من أحشائها ويسحب معه كل آلامها إلى الخارج....يتبع http://mariamtiji.maktoobblog.com/