التناقض الأخلاقي في مزاعم الصراع بين الصحابة "" في إطار عرض الحقيقة باختصار وتقديمها إلى القراء والمهتمين من غير إطناب ولا تكرار فقد يكون من الواجب تناول قضايا أي مذهب من جذوره ومبدأ تاريخه وتأسيسه. فحول متى نشأت الشيعة وظهرت في التاريخ قد يرى الباحث علي سامي النشار وبالاستناد على أهم المراجع والمصادر التاريخية المعتمدة أنه:"يحاول بعض علماء الشيعة – ما وسعتهم الحيلة أحيانا- أن يثبتوا أن الشيعة تكونت مع مطلع الرسالة وترعرعت في أحضانها ،ونودي بها منذ نادى الرسول بكلمة التوحيد وحين صاح الوحي في الرسول"وأنذر عشيرتك الأقربين"وأنذرهم ،فما استجاب له في قوة وفداء سوى علي أولا والعترة الطيبة المؤمنة من آله ومجموعة من رجال قريش ثانيا،والتف حوله علي منهم"شيعة علي الحكماء العلماء الذبل الشفاه الأخيار الذين يعرفون بالرهابنة من أثر العبادة"هؤلاء هم عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وسلمان في المدينة فيما بعد.ويحاول علماء الشيعة أن يثبتوا أن لكل من هؤلاء الصحابة وجهة تمثل ناحية من النواحي الروحية في الإسلام. والخطأ الأكبر في هذه المحاولة أنه لم يكن بين يدي الرسول شيعة وسنة ،وقد أعلن القرآن "إن الدين عند الله الإسلام" لا التشيع ولا التسنن ،وأتى الإسلام لكي يرفع الحجز بين الناس ،فلا هاشمي ولا قرشي ولا تيمي ولا غيره،ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ،ومن الصحابة الأوائل بعد علي وأبي بكر وعثمان بن عفان من بني عبد شمس،فهل كان عثمان يكره عليا أو هل كان أبو ذر وعمار بن ياسر يكرهان عثمان ونحن لا ننسى أبدا أن أبا بكر هو الذي أعتق عمار بن ياسر وأنه استخدمه بعد ذلك أميرا .لم يكن هناك شيعة لا روحية ولا سياسية بين يدي النبوة ،ولم تظهر كلمة الشيعة كمصطلح على الإطلاق إبان ذلك الوقت .وإذا انتقلنا إلى ولاية أبي بكر فلا نرى على الإطلاق الشيعة تلتف حول علي بالمعنى المفهوم الآن من مصطلح الشيعة" . فهذا التحليل قد يبدو ضاربا بعمق في الموضوعية والحياد المذهبي مع الإشارة إلى لب المسألة وملخصها ،الذي قد يضع المذهب الشيعي برمته في خانة المحاسبة والنقد وإظهار أوجه خلله،وذلك عندما عرض لأوجه العلاقة المتميزة التي كانت تربط الصحابة ببعضهم –وهي الحق عندنا وفي معتقدنا لا غير ذلك-ألا وهي علاقة المحبة والاحترام والتعظيم والتضحية لا الكراهية والحقد أو اللؤم الذي قد يصوره لنا الشيعة في ملاطمهم ومناحبهم وفي جل طروحاتهم ذات البعد السياسي العنصري المحض ! وذلك لكي يدللوا على أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الخلافة أو الإمامة . بحيث كيف يمكن تصور كراهية عمار بن ياسر لأبي بكر واتهامه له باغتصاب الحقوق والطمع في حطام الدنيا وهو الذي كان قد أعتقه من الرق بل أنقذ حياته ومصيره من الضياع والشقاء الكلي؟. فلو أن أخس الناس من الرعاع عندنا قد صدر منه مثل ما يتصوره الشيعة في هذا الصحابي الجليل أو غيره تجاه من أسدى إليه ولو معروفا بسيطا فسيكون في نظر المراقبين والمحللين ،بل في نظر جمهور البسطاء من الناس ،من ألأم الخلق وأحقرهم قد لا يقارن به حتى الحيوان الثعلبي و تنطبق عليه قاعدة "اتق شر من أحسنت إليه". وحاشا للصحابة الكرام أن تكون علاقتهم ببعضهم على هذا المستوى وإلا ضاعت وظيفة الرسول الكريم ومغزى تأليفه للقلوب الذي هو تأليف إلهي على يد نبوية شريفة وطاهرة وزكية منصوص عليها في الكتاب الكريم ،وخاصة في علاقة المهاجرين بالأنصار فما بالك بالمهاجرين فيما بينهم"لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم"،كما سيضيع ويندثر الرضا الذي وشح صدرهم به مولاهم سبحانه وتعالى "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا " وقول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الوسام الخالد:"لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة"كما ثبت في الصحيح.فكان من بينهم وأبرزهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وكبار الأنصار وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.في حين أن غزوة بدر الكبرى قد جعلت كل من شارك فيها من أهل الجنة ومن المغفور لهم من قبل ومن بعد ،وذلك بالنص الثابت في الكتاب والسنة والتي لم يشارك فيها أي منافق أو متشكك في دينه ،وإنما كان الفضل يخص أولي العزم وصناع يوم الفرقان يوم التقى الجمعان،والذين قد كان فيهم أيضا أبو بكر وعمر وعلي ،وعثمان الذي أخذ نصيبه رغم عدم حضوره جسديا ولكنه كان حاضرا فيها بقلبه وبمهمة تمريض أهل بيته الذين هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أي بنته رقية عليها السلام خاصة ،وهو الذي قد لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بذي النورين لهذه النسبة الشريفة. إذن فالإسقاط من الشيعة على حال الصحابة في علاقتهم وتواصلهم مع بعضهم واضح وخطير ومهدم ،وهو لا يتلاءم مع تعاليم الإسلام ولا الدور التربوي للنبي صلى الله عليه وسلم مهما حاولوا أن يبرروا به أقوالهم الواهية لإثبات أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة من أبي بكر وعمر ومزاعم اغتصابهما لها ،أو أنهما قد كانا يتطلعان إليها كمبدأ وغاية سلطوية محضة ونزاع دنيوي من أجل السيطرة والاستبداد بالحكم،بل إن هذه المزاعم ضمنا قد ترمي إلى اتهام الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر بالخيانة والانتهازية والاحتكار ،وهذه أوصاف قد لا تليق إلا بالمنافقين والزنادقة وكل وبش مارق لا دين له ولا خلق ولا صحبة لفاضل،بل لا تليق جملة إلا بالشياطين والدجاجلة. وبالموازاة مع هذا فقد يسيء هذا الطرح السلبي إلى آل البيت أنفسهم وذلك من خلال المواقف التي يريدون أن يصوروهم عليها حول موضوع الإرث الذي قد يتخذونه وسيلة للطعن في أعظم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه وأخلصهم في صحبته بالتواتر والنصوص الثابتة قطعا واشتهارا وهما :أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ناهيك عن أمهات المؤمنين وخاصة السيدة عائشة والسيدة حفصة رضي الله عنهما ،إذ هنا تكمن البلية الكبرى والطامة العظمى في مظاهر الإسفاف الأخلاقي والانحراف العقدي عند كثير من الشيعة الغلاة وحتى لدى بعض من يسمون بالمعتدلين.وهو مظهر خطير من مظاهر العقوق الديني وعدم الاعتراف بالأمومة الروحية التي نص عليها القرآن الكريم بخصوص نساء النبي صلى الله عليه وسلم،وهذا فيه كفر صريح وطعن في نص قرآني قطعي الدلالة والثبوت لا نريد التفصيل فيه عند هذه العجالة ولكن تكفي الإشارة واللبيب بها يفهم. مشكلة الإرث المادي والعداوة المصطنعة عند الشيعة فموضوع الإرث وما وقع حوله من خلاف هو موضوع فقهي محض وقد يدخل في حكم الخلاف العالي كما سيأخذ صورة التقييد والإطلاق والتخصيص والتعميم . فالطالب له هو علي رضي الله عنه ومعه زوجته السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام،وهما قد كانا على حق ،والمانع له هو أبو بكر الصديق ومعه أيضا عمر بن الخطاب فيما بعد ،وهما أيضا على حق. إذ أن أمنا السيدة فاطمة الزهراء ،وأم كل الشرفاء من هذه الأمة، قد أخذت بعموم النص وهو قوله تعالى:"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين"،بينما أبو بكر الصديق قد اعتمد خصوص النص المبين للعموم وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم :"نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"الحديث.ومن هنا حصل الاختلاف مبدئيا ووقع الوفاق نهائيا ،وسلمت السيدة فاطمة الزهراء ومعها زوجها علي بن أبي طالب بالأمر الوقع،ولم تعد هناك مطالبة ولم تطل مخاصمة سواء في السر أو العلن. لكن الشيعة قد يصورونه على صورة درامية دامية وبعيدة كل البعد عن مبادئ الأخلاق والأذواق سواء كانت دينية روحية أو نفسية إنسانية واجتماعية ك ما قد نجده لدى من يسمون بأبرز علماء الشيعة كابن طاهر الحلى حيث يقوله"ومنع أبو بكر فاطمة إرثها فقالت يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي؟والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها وكان هو الغريم لها !لأن الصدقة تحل له،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" على أن ما رووه عنه فالقرآن يخالف ذلك ،لأن الله تعالى قال:"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "ولم يجعل ذلك خاصا بالأمة دونه صلى الله عليه وسلم،وكذب روايتهم"وورث سليمان داود"..." والجواب عن ذلك كما يقول ابن تيمية من وجوه.أحدها أن ما ذكره من قول فاطمة رضي الله عنها :أترث أباك ولا أرث أبي ؟ لا يعلم صحته عنها وإن صح فليس فيه حجة. ثم يذهب إلى تحليل رائع وموضوعي للموقف قائلا:"والفرق بين الأنبياء وغيرهم أن الله تعالى صان الأنبياء عن أن يورثوا دنيا لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وخلفوها لورثتهم،وأما أبو بكر الصديق وأمثاله فلا نبوة لهم يقدح فيها بمثل ذلك كما صان الله تعالى نبينا عن الخط والشعر صيانة لنبوته عن الشبهة وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة. الثاني:أن قوله:"والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها "كذب فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم :"لا نورث ما تركناه صدقة"رواه عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة ،والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد مشهورة يعلمها أهل العلم بالحديث .فقول القائل :إن أبا بكر انفرد بالرواية يدل على فرط جهله أو تعمده للكذب"(منهاج السنة النبوية:مكتبة المعارف الرباط ج4ص195) كما سيذهب في رد شبهة الشيعة حول قول الله تعالى:"وورث سليمان داود"إلى أن:المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك لا إرث المال،وذلك لأنه قال وورث سليمان داود"،ومعلوم أن داود كان له أولاد كثيرون غير سليمان،فلا يختص سليمان بماله !!!". من هنا فلو قال القائل:"فاطمة لا تطلب إلا حقها ،لم يكن هذا بأولى من قول القائل:أبو بكر لا يمنع يهوديا ولا نصرانيا حقه فكيف يمنع سيدة نساء العالمين حقها ؟في حديث الخادم لما ذهبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فلم يعطها خادما وعلمها التسبيح". فهذا الموقف من أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيه تدعيم قوي لمشروعية خلافته وتساميها على كل مستويات الحكام وإجراءاتهم السياسية لتثبيت دعائم حكمهم باستمالة القبائل والعصبيات عن طريق الدعم المالي والهبات من غير استحقاق.بحيث لو كان أبو بكر الصديق متعلقا بالحكم وتقوية جانب العصبية في نظامه لكان قد بادر بتسليم هذا الإرث إلى السيدة فاطمة الزهراء وزوجها علي بن أبي طالب على الفور وذلك لكسب تأييدهما ومن يؤيدهما في هذا المطلب،ولأراح نفسه من عناء المعارضة كما يفعل كل الحكام من أجل الدنيا.وبما أن الأمر له أساس ديني وطاعة لله ورسوله وبقائه على العهد فقد آثر أن يمنع ويقنع بالسبب الذي رضي به الجميع الطالب والمطلوب منه.وهذا ما عبر عنه أبو بكر الصديق حينما قال:"لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به،إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ". وما أجمله من تعبير عن المحبة والصدق هذا الذي صدر من الصديق رضي الله عنه لما حان وقت حل هذا الخلاف العالي كما سميناه في البداية وذلك حينما قال :"والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي"وأيضا"ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته"رواه البخاري. كما أن من أدلتنا الواقعية والمستنتج الموضوعي هو أن علي بن أبي طالب لما تولى الخلافة وكانت بيده السلطة لم يطالب بذلك الحق الذي يزعم الشيعة أنه مغتصب من طرف أبي بكر أو عمر بالرغم من أنه قد كانت له القدرة العملية على استرداد حق زوجته وحقه معا،وحتى لو فرضنا أنه قد تخلى عن حقه فلا يمكن أن يتخلى عن حق زوجته التي توفيت قبله،والتي كانت قد تركت ولدين وبنتين:الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، كلهم لهم الحق في تركة أمهم.فلماذا إذن لم يطالب علي بهذا الحق الذي من المفروض عليه كإمام أن يعيده إلى أهله عدلا وقضاء لازما ،وذلك في ظرف لا مجال فيه هنا للتقية التي يتكاذب بها الشيعة حول سبب سكوت علي بن أبي طالب عن المطالبة بحق زوجته السيدة فاطمة الزهراء؟!!! إنه لم يفعل ولا يمكن تصور غير ذلك في سلوكه وإجرائه،وفي هذا دحض لمزاعم الشيعة وأوهامهم التي صاغوها حول موضوع الإرث وتبعاته ومزاعم التقية السلبية التي يلصقونها بعلي بن أبي طالب سيد المجاهدين والأبطال وفرسان هذه الأمة،بل قد ذهبوا في المسألة أكثر من هذا حيث نسجوا الأساطير والخرافات الهدامة التي قد لا تليق ،لا بآل البيت النبوي ولا بكبار الصحابة الكرام،منها: أن عمر بن الخطاب ربما يكون قد ضرب السيدة فاطمة الزهراء وحرق دارها ...،وحاشاه أن يفعل، هو وغيره من الصحابة الكرام، وهو الشهم الهمام كما يصفه كل المؤرخين وأصحاب السير،فتبين أنها أكاذيب شيعية مغرضة غايتها تهييج عواطف الأغبياء والأوباش من الناس وجرهم للطعن وسب الصحابة الكرام وعلى رأسهم أبرز رموز الأمة وأعمدتها في تثبيت العدل والمساواة والمحبة والتضحية في العالم أجمع. إضافة إلى هذا فتصوير السيدة فاطمة الزهراء على هذا الحال من الجشع والتشبث المتصلب بموضوع الميراث وأرض فدك هو تصوير مشوه لشخصيتها الروحية والسلوكية الأخلاقية ،هي وزوجها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وذلك لأن كلاهما قد كان من أزهد خلق الله تعالى في حطام الدنيا وزينتها،حتى إن بعض المفسرين من أهل السنة والشيعة كذلك قد يذهبون إلى أن هذه الآية الكريمة قول الله تعالى :"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا"إنما قد نزلت بحق السيدة فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب،كما قد لا يمكن التغافل عن الحديث الذي فيه أن السيدة فاطمة الزهراء لما طلبت من أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يساعدها بخادم -كما سبقت الإشارة إليه - لما تعبت من القيام بشؤون المنزل فكان الرد منه صلى الله عليه وسلم بأن وجهها نحو العمل الروحي المحض الذي هو خير معين لها على أعباء الحياة... وهو ما قد يتناقض مع التصور الذي يذهب إليه الشيعة من أن السيدة فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب قد كانا ناقمين على أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب على نمط الحرب الباردة والحقد الدفين المتبادل،وهذا كله كذب ومكذَّب بالواقع الذي كانت عليه علاقة آل البيت بهذين الصحابيين الجليلين: أبو بكر وعمر ،والتي قد وصلت إلى غاية المصاهرة وتقوية عرى الروابط الدموية والنسبية بينهم ،قد كان من أبرزها أن تزوج عمر بن الخطاب بأم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء كما هو معلوم وموثق في التاريخ. إضافة إلى هذا فما يشيعه الشيعة حول تهجم عمر أو أبو بكر على بيت فاطمة لغاية الإيذاء هو استنقاص لمقام آل البيت وللصحابة في أن واحد. بحيث هل يرضى زوج مهما كانت همته ومستوى رجولته أن تضرب زوجته أو تسب وتخترق حرمة بيته ثم لا يحرك ساكنا ولا يتفاعل مع الحدث،حتى ولو كان من أجبن الخلق وأخسهم طبعا وغيرة؟فكيف إذا كان المتهجم على أهله هو علي بن أبي طالب كأشجع الصحابة وأقواهم وأحدهم وأول فدائي في الإسلام ومفخرة أهل السنة والشيعة في فتح خيبر حيث ينسج هؤلاء الأخيرين حوله ما يشاءون من المدائح لغاية صياغة الأساطير؟. التفسير الموضوعي لمشكلة الإرث وخلفياته إنه لتناقض صريخ في وصف علي بن أبي طالب لدى الشيعة عند هذه الحادثة المزعومة والمنسوجة لغاية تفكيك بنيان الأمة وثوبها السميك الرفيع،كما قد يتضمن مسا بكرامته وشخصيته في باب الغيرة والشجاعة وصدق المواقف،بل إنهم قد يضعونه في صورتين لا ثالث لهما بحسب مذهبهم وهي:أنه لا غيرة له على أهله أو أنه من أجبن خلق الله ،وقد يمارس التقية السلبية التي قد تعني ذا الوجهين المنبوذ شرعا وعقلا وأخلاقا اجتماعية عادية،وهذا كله قد يتناقض مع شخصية علي الحقيقية وتاريخه المجيد والبطولي الشجاع ،بل قد يتناقض بيئيا واجتماعيا ونفسيا مع طابع القرشية الصلبة والمشهورة في باب الغيرة والاستماتة على المبادئ الموروثة وذات الطابع الإيجابي، وخاصة في باب الغيرة على الأهل. في حين قد نرى – وهذا ذوق روحي-بأن مطالبة السيدة فاطمة الزهراء بإرث أبيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن من أجل تحصيل المال أو كسب الثروة ولكنه قد كان لغاية شريفة ودقيقة ألا وهي الاحتفاظ بالإرث المعنوي الذي قد يصلها برسول الله صلى الله عليه وسلم روحيا،والذي قد تلمس فيه ذكراه العطرة وطيفه وحضوره النوراني على سبيل التواصل وضمان استمراره،وهو ما كان قد بشرها به النبي صلى الله عليه وسلم لما أدرك شدة تعلقها به وعدم تحملها فراقه لمدة طويلة من غير رؤيته والشعور بحنان القرب منه كما عبر صلى الله عليه وسلم بذلك حينما قال "إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ..." ،ومن هنا فقد أسر لها بضمان استمرارية هذا القرب قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم،كما في رواية البخاري وغيره:"عن عائشة رضي الله عنها قالت:دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته في شكواه التي قبض فيها فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت .قالت :فسألتها عن ذلك فقالت :سارني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت". لذا فلم تكن السيدة فاطمة الزهراء لتتشبث بتراب فان وتزاحم من أجله لحد افتعال المشاكل وإحداث شرخ في الأمة لا يريد أن يلتئم عبر التاريخ،مع علمها بأنها ستغادر الدنيا الهينة في وقت جد قريب قد لا يسمح باكتمال نضج ثمار هذا البستان أو تلك الأرض المزروعة،وهي المدة التي لم تتجاوز الستة أشهر بعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.لكن البعد المعنوي بالتأكيد اقد كان حاضرا في هذا المطلب ،وهو الأليق بأهل البيت الأطهار وبمستوى أمنا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. وهذا التفسير الموضوعي والمتطابق مع الواقع السلوكي والعقدي للسيدة فاطمة الزهراء وزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد يهشم ويدحض في العمق ترهات الشيعة ومزاعمهم وتصوراتهم المغلوطة أو المغرضة بحسب اختلاف النوايا حول دقة الخلاف الذي كان قد وقع بين أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وزوجته السيدة فاطمة الزهراء. كما سيجعلهم في موقف اتهام وضعف أخلاقي خطير قد لا يليق بروح المقاصد الدينية ودورها الريادي في تربية الفرد والمجتمع وخاصة على مبادئ القناعة والزهد والترفع عن الدناءة الدنيوية وفتاتها الفاني والتسليم لمقتضى الشرع وأوامره ، سواء صدرت من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة أو من أولياء أمور أمته ممن ساروا على هديه والاقتداء به، وخاصة الخلفاء الراشدين من بعده. من هنا فقد جاء موضوع الإرث وموقفهم السبابي و السلبي منه منذ البداية حائلا بين الشيعة وسلامة إرثهم من المدد النبوي ،وخاصة العرفاني والروحي الذي يمثل جوهر الدين، بسبب ما قد أساؤوا فيه إلى أمناء هذه الأمة وثلبوهم به لحد السباب والطعن في عقيدتهم وسلوكهم، حتى قد سلبت منهم روحانيته وأنواره –كما قد يذهب إلى هذا الشيخ محيي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات المكية- رغم مزاعمهم من حب لآل البيت والغيرة عليهم، بينما هم في الحقيقة قد يسيئون إليهم من حيث يقصدون أو لا يشعرون،وبالتالي فقد يعملون من طرف واحد وبمسؤولية غير مسئولة على الحيلولة دون تقارب مع أهل السنة،إذ كيف يتم هذا التقارب وهم يسبون أعظم سلف الأمة وخير خيارها،وهم في هذا قد يبدون خارج المنظومة التاريخية للأمة الإسلامية ورجالها المؤسسين لها. بحيث أن التأريخ والصحابة الذين يتهمونهم به من غصب مزعوم وتطاول مصطنع ويصفونهم كأعلام هم بالتأكيد غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كما أن آل البيت الذين يصفونهم ويزعمون الدفاع عنهم هم أيضا وبكل تأكيد غير آل البيت الذين تعرفهم الأمة وتحترمهم خلفا عن سلف،فكان الشيعة بهذا المسلك المشين خارج المنظومة الصحيحة لتاريخ الأمة الإسلامية وسلوكها وقواعدها المجتمعية،ومن ثم فقد فكان حالهم كما يقول علي سامي النشار في كتابه (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج2 ص28):"وفي إيجاز آمن الشيعة إيمانا عميقا بإمامة علي ولعنوا من على منابرهم إلى يومنا هذا الغاصبين الثلاثة،وهنا نقطة البدء في مذاهبهم-فلسفية كانت أو غير فلسفية-والتي عرفت في العالم الإسلامي باسم الشيعة وما اتصل بها من مذاهب ،وتشمل الشيعة في عصورنا الحاضرة فرقا ثلاثة هي:الإثنى عشرية والإسماعيلية والزيدية".و الله الهادي إلى الصراط المستقيم.