تسعى هيئات حقوقية مغربية إلى تشكيل جبهة لدعم ومساندة طلبة كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان، المضربين عن الدراسة والامتحانات منذ شهر دجنبر الماضي، بهدف الضغط على الحكومة، ممثلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، للجلوس معهم إلى طاولة الحوار، بما يفضي إلى عودتهم إلى فصول الدراسة، والحيلولة دون الانتهاء إلى سنة دراسية بيضاء. وجاء الإعلان عن هذا التوجه خلال مهرجان تضامني مع طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، نظمته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مساء اليوم السبت في مقرها المركزي بالرباط، حيث أكدت عدد من الهيئات الحقوقية والنقابية التي شاركت في المهرجان عن "دعمها المبدئي واللامشروط" للطلبة المحتجين، وتنديدها بقرارات التوقيف في حق عدد منهم وإخضاعهم للمجالس التأديبية. وأكدت الهيئات المشاركة في المهرجان التضامني، الذي حضره الطلبة وأولياؤهم، اتفاقها مبدئيا على "تنسيق الجهود من أجل عمل مشترك ووحدوي"، مشيرة إلى أنها ستواصل تنسيقها، خلال الأسبوعين المقبلين، مع توجيه الدعوة إلى إطارات حقوقية ونقابية أخرى بهدف إنشاء آلية أو شبكة لدعم الطلبة على الصعيد الوطني. ووصفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الوضعية التي توجد عليها كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، بسبب الإضراب المستمر للدراسة ومقاطعة الامتحانات من طرف الطلبة، "منعطفا مقلقا بسبب تعنّت الدولة"، كما جاء على لسان عضو مكتبها المركزي الطيب مضماض، واصفا القرارات التي اتخذتها إدارات الكليات في حق عدد من الطلبة ب"القرارات الانتقامية"، قبل أن يضيف أن "الطلبة يتعرضون للانتقام، وعلى الدولة والحكومة أن تكفا عن تعنتهما". واعتبر بنعبد السلام، في كلمة باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان "يخوضون معركة الشرف والدفاع عن الجامعة العمومية والمرفق العمومي في قطاع الصحة، ويريدون أن يكونوا أطباء حقيقيين وطبيبات حقيقيات"، في إشارة إلى رفض الطلبة تقليص مدة التكوين من سبع سنوات إلى ست، ومطالبتهم بتجويد ظروف التكوين داخل فضاءات التدريب بالمستشفيات. وانتقدت الجمعية القرارات التي طالت عددا من الطلبة، والتي وصلت إلى توقيفهم لمدد تتراوح بين أسبوعين وسنتين، واصفة إياها ب"الخروقات الجسيمة" و"القرارات الانتقامية غير محسوبة العواقب"، وطالبت الحكومة بأن "تتحمل مسؤوليتها السياسية وتفتح حوارا مع الطلبة حول ملفهم المطلبي الموضوع منذ ستة أشهر لدى وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية". وكانت الجمعية قد وجهت، بتاريخ 23 مارس الماضي، مراسلة إلى رئاسة الحكومة طالبت فيها ب"وقف التصعيد ضد الطلبة وفتح حوار معهم لحل الأزمة"، كما راسلت الوزارتين المعنيتين، لاحقا، بخصوص الموضوع نفسه، ووجهت رسائل إلى إدارات الجامعات التي تتبع لها كليات الطب والصيدلة، مطالبة إياها بالتراجع عن "القرارات التعسفية التي تضرب حق الطلبة في التعليم وفي التعبير والاحتجاج السليم". وطالبت الهيئات الحقوقية والنقابية، المشاركة في المهرجان التضامني مع طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، الحكومة والوزارتين الوصيتين ب"التدخل الفوري وبدون تردد من أجل إنقاذ السنة الدراسية الحالية التي تقترب من الانتهاء على وقع سنة بيضاء"، معتبرة مطالب الطلبة المضربين عن الدراسة "عادلة ومشروعة". وفي هذا الإطار أكدت النقابة الوطنية للصحة، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن مطالب الطلبة "عادلة ومشروعة"، مضيفة أنه "من الضروري أن يدافعوا عنها لأن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بالدفاع عن المصلحة العامة"، وانتقدت غياب المقاربة التشاركية في القرارات التي تهم قطاع الصحة العمومية. كما انتقدت بشدة قرار تقليص سنوات التكوين في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، الذي يشكل الحلقة الأساس في مسلسل احتجاج الطلبة، مبرزة أن "ما تفعله الدولة هو الحط من قيمة دبلوم الطب"، وأضافت أن "الدولة تتحدث عن جودة التكوين في إطار مشروع الحماية الاجتماعية، لكن على أرض الواقع نرى العكس". وعبرت النقابة الوطنية للصحة عن "مساندتها المطلقة للطلبة لأن مطالبهم عادلة ومشروعة وتصب في الدفاع عن تكوين أطباء ذوي تكوين عال"، كما جاء على لسان ممثل النقابة، الذي اعتبر أن السنة السابعة، التي تم حذفها، "تعد أساسية في التكوين، حيث يخضع فيها الطلبة للتداريب الإكلينيكية، وهي المرحلة الأخيرة في التكوين، ولها دور أساسي في مسار تكوين الطالب لأن كفاءة الأطباء تأتي كثمرة للأعمال التطبيقية". من جهته اعتبر الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، وهو إطار حقوقي يضم اثنتين وعشرين هيئة حقوقية، "معركة الطلبة من أجل تجويد التكوين في الطب والصيدلة مسألة أساسية"، منتقدا المقاربة المتبعة في تدبير الأزمة المخيمة على كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان منذ سنوات. وقال عبد الإله بنعبد السلام، عضو الائتلاف الحقوقي المذكور: "يظهر من خلال الواقع الحالي أنه كما أجهزت السلطات على المدرسة العمومية تريد الإجهاز على التكوين في مجال الطب عبر تكريس خوصصة القطاع، وهذا إجهاز على الكليات العمومية، التي يستفيد منها بالأساس أبناء الفئات المتوسطة والفقيرة، وهذا استهداف للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئات". وتابع المتحدث ذاته "عوض فتح الحوار مع الطلبة والبحث عن حلول لملفهم المطلبي، تتم مواجهتهم بإجراءات تأديبية وعقابية، وهذا يوضح أن الدولة لا تسلك سلوكا واقعيا يستوجبه التعاطي مع أبنائها"، ذاهبا إلى القول إن الدولة "مطالبة بالعودة إلى رشدها، والتراجع عن إجراءاتها العقابية في حق الطلبة، وفتح الحوار معهم من أجل الاستجابة لمطالبهم العادلة والمشروعة". الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي (FNE)، ممثلة في "اتحاد شباب التعليم بالمغرب" التابع لها، انتقدت بشدة تصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في مجلس المستشارين، الأسبوع الفارط، الذي أكد فيه أن الوزارة تعتزم إجراء امتحانات الدورة الثانية في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، رغم مقاطعة كل الطلبة للدراسة منذ ستة أشهر. وقالت ممثلة "اتحاد شباب التعليم بالمغرب" إن "هذا التصريح جاء في غير محله، ففي الوقت الذي كان يفترض أن يجلس هذا المسؤول إلى طاولة الحوار مع الطلبة للوصول إلى حل، جاء ليدلي بتصريحات في الاتجاه المعاكس"، داعية إلى "توحيد النضالات وحشد جبهة شبابية قوية للتصدي للسياسة الطبقية التي يعد الشباب الفئة الأكثر تضررا منها". ووجهت الهيئات الحقوقية، المشاركة في المهرجان التضامني مع طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، نداء إلى الدولة، داعية إياها إلى "التراجع عن القرارات التعسفية في حق الطلبة، والجلوس معهم إلى طاولة الحوار من أجل الاستجابة لمطالبهم"، معتبرة أن تبنّيها ملف الطلبة ودعمها لهم "يمثل جوابا عن ادعاء الوزيرين (وزير الصحة والحماية الاجتماعية، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار) بكون الطلبة يخدمون أجندة معينة".