صباحكِ عطرٌ أيتها الأميرة "" لم أتوقع أن يأتي اليومُ الذي أجدني فيه واقفا بين يديك فلا أتلعثم، وما توقعتِ أنتِ أن ينهض واحد من الرعية مثلي ليكلّم أميرةً مثلَك دون وساطة أو حجاب أو نفاق. ولكنه حدث. أنا الآن مضطر إلى أن أترك ارتباكي وجُبني في بيتي، وأغلق على نفاقي باب القلب وأجيئك جريئاً وجارحاً. فلم يحدُث أن تحدّث صحفيٌّ إلى أميرة بمثل هذا الجرأة التي بها سأكلمُك. وأنا إذْ أفعلها الآن، فليس بحثا عن شهرة خادعة أو بطولة مزيفة، ولكنها الضرورة أجبرتنا على أن ينهض واحدٌ منا ليصرخ أن أوقفوا هذا الجنون! قد كان من الممكن أن أختار من أصحاب المقامات غيرَك كي أكلمه، غير أني أفهم أن الأمرَ لكِ في بلدٍ تحرسُ عرشَه النساء. فمن سواكِ سيدةُ نساء البلاد التي تهتف في الرجال: واعتصموا؟ أيتها الأميرة جئتكِ لأشكو إليكِ أباك، أباك الذي من ثرائه تحول إلى ملك، ومن جنونه صار ملك الملوك، فصرتِ أنتِ بالبداهة لجميل الصدف أميرةَ الأميرات. هل تعلمين أيتها الأميرة أن أباك البطلَ يحمل سيفه ويتربصُ بأقلامنا خلف المحاكم؟ كيف طال سيفُه البتارُ حتى تخطى كل هذه الحدود ليقف على رقابنا؟ هو يعرفنا جيدا. ولعله مازال يحتفظُ في مكتبه بكتاباتنا التي بايعناه فيها قائدا للأمة. يوم كنا مأخوذين بجنونه المتطرف الذي يستنهض الكرامة في زمن صار الذل فيه مرادفا للحكمة. كتبنا فيه الخطب والأشعار والرسائل والأغاني علّ المديح يكون مُحفزَّه على الاستمرار نحو النصر العظيم. غير أنه تغيّر فتغيرْنا. فقولي لأبيكِ: لا تصدق ما تردده أبواقُ البلاد؛ أي إنك القائدُ السيد العليم الحكيم العظيم المطهَّر الأنقى. لا تصدق ركوعَ المنافقين الذين ذاقوا منك الرفاهية والسلطة واستلذوا الانبطاح. لا تصدق ما يُظهره تلفزيونك من صور شعب يهتف بحياتك ويبكي فرحا عند زيارتك المباركة، لأن هذا الشعب وأنت تدري يتألم يتألم يتألم... في صمت. قولي لأبيك: نحن شعبٌ لا نغضب كثيرا حين تُهين شعبَك هناك، نحن لا نتدخل في شؤون الآخرين، لكن حين يتسع حجم حذائك ويهددنا بالدوس على كرامتنا هنا، فاسمح لي أن أقول لك إننا لسنا ذاك الشعب. نعم، يمكن أن يستعبدَ أبناؤك خدماً مغاربة لكنهم لن يستطيعوا هم وجيشُك أن يستعبدوا ضميرا مغربيا واحدا. قولي لأبيك: أنت لا تريد أن تصدق أننا لسنا كما تُروّجُ عنا الألسن والأعيون والأقلام، شعب يحترف الرذيلة وينهكه الفقر ويتلذذ بالانبطاح، نحن أطهرُ وأغنى وأشرف. نحن أفضل من شعوب كثيرة، ولا شيء يُخجلنا الآن وغداً من أن نرفع رؤوسنا عاليا أينما توجهنا. صحيح أننا مازلنا نحلم بمغرب أفضل، لكننا نفتخر وسنظل بأننا مغاربة. أيتها الأميرة إن بدا لك أننا لا نعيش في نعيم الحرية تماما، فتأكدي من أننا أيضا لا نعيش في جحيم الخوف. فقولي لأبيك: كُفَّ عنا فإننا لن نكُفّ. ويمكنُك يا ملك الملوك أن تُريق ما شئتَ من نفطٍ على كلّ شعركَ كي تُخفيَ شيبَك، لكن، لا يمكن أن تريقَه على كل الأوراق كي تُخفيَ عيبَك. [email protected]