جيوش من الأفكار السوداء والأحاسيس السلبية تهاجمنا من كل صوب، سيول من الأسئلة المقلقة والهواجس المؤرقة والكوابيس المرعبة، جبال متراصة من العقبات، حيطان عالية وأبواب موصدة.. هكذا تبدو الحياة إن نظرتَ إليها بعيون متشائمة وعشتها بحواس مصابة بالعطب وقلب أبكم. لكنها قد تبدو غير ذلك تماما إن كنت تشعر بالرضى في داخلك، تجادل نفسك وتثق في إمكاناتك وتجلب السعادة لغيرك.. أفكار جميلة وسامية تملأ رأسك وطباع هادئة نبيلة تحكم علاقاتك، وروح تهدي بالحب والحرية والنجاح وتطمح إلى حياة خيّرة ترقى بك وبأحاسيسك. لقد أصبح الناس عصبيين ومتوترين، يفقدون صبرهم لأتفه الأسباب ويخافون كل شيء.. الماضي والحاضر والمستقبل، أصبحوا عدوانيين قساة، لا يلقون التحية ولا يردونها، لا يبتسمون ولا يشكرون ولا يعترفون بالجميل ولا يسعون إلى فعل الخير.. لا يعتذرون ولا يسامحون. سلوكات غريبة تبناها الناس وسلّموا بها فأصبحوا كالأشباح. حينما تعبرك سحابة حزن، إما أن تتركها وتنسحب لتنقذ نفسك أو تظل حبيسها عاجزا عن التخلص منها كجسد مقيد أو كطائر مكسور الجناح.. لا تهز كيانك لتتعافى من آلامك وخيبتك والأجواء الخانقة التي تكتم أنفاسك فتصبح حطام إنسان وبقايا آمال.. تفقد شهية العبادة والفرح والحب والعمل والزاد والأمل، فيصبح صوتك متخشبا خشنا أجشَّ وجارحا كأنه أنين روحك المتقطع وتصبح ملامحك جامدة لا توحي بشيء مطلقا.. إذ تفقد الإحساس بكل التفاصيل اليومية الجميلة والتي تبدو لك أمورا تافهة لا تستوقفك ولا تحرك حواسك المخدرة. أحيانا، تبدو مشاكلنا صغيرة جدا وتافهة إن نظرنا إليها من فوق، وتبدو كبيرة مستعصية إن نظرنا إليها من أسفل.. لذلك تسحقنا وتردينا مرضى متعبين ومنهكين ومكتئبين خائري القوى، نجر أذيال الخيبة ونشتكي.. فيما أعتقد أن مصيرنا بين يدينا نستطيع بالصبر والإيمان والأمل والحب والتحدي وبكل الأحاسيس الإيجابية أن نتجاوز محننا ونخرج من امتحانات الدنيا الصعبة منتصرين عوض أن نتقبل ضعفنا وفشلنا ونرضى به ونركن إلى زاوية الحياة نندب حظنا صاغرين. كم أحترم الأشخاص العصاميين الذين بنوا أنفسهم عزلا أمام الفقر والحاجة و»الحكرة» والغربة وقسوة الطقس وحسد الأعداء وكيد الأصدقاء وخيانة الأحبة.. مهما جرحوا وعُذبوا وتعثروا وسقطوا ينهضون ويواصلون مسيرة الحياة الصعبة التي لا ترحم، يركبون قطارها الذي إن تخلفت عن موعده رحل وتركك وحيدا حزينا مخذولا وتائها ما من أحد يدلك على الطريق. قد يتملكك شعور بالأسى بمجرد أن تستيقظ، تفتح عينيك فتقفز فوق رأسك كل الهموم والمصائب والخيبات كأنها كانت تتربص بنومك لتعاقبك لأنك بالكاد أغمضت جفونك وأرحت بدنك.. تتراءى أمامك تلك الوجوه التي لا تمحى لأناس لن تسامحهم أبدا، فيبدأ يومك كأنه انتهى.. تقيلا، أسودَ، ومخيفا.. فيما تستطيع أن تستيقظ مفعما بالأمل وبرغبة قوية في الحياة والفرح والتغيير، تبتسم لصورتك في المرآة وتغمز لنفسك قائلا: «صباحك سكر» وتستحضر وجوها تحبها تبعث بداخلك أشياء مبهمة، عذبة وجديدة، لم تكن موجودة في حياتك من قبل. هكذا فقط، تستطيع أن تضع مصيرك بين قبضة يديك مهما عبثت به مفاجآت القدر السارة والمحزنة.. هكذا فقط، تحافظ على توازنك فلا تهوى..إلاّ في الهوى.