ليس من عادتي الرد على المعلقين، لأني مع احتفاظي بوجهة نظري، حتى يتبين عدم صوابها، أحترم رأي الآخر. "" و قناعتي هذه بتعددية الفكر نتاج إيمان عميق بنسبية الحقائق المتعلقة بالكائن السيكولوجي الذي ينظر للعالم من حوله حسب محيطه الجغرافي و الاجتماعي و التاريخي.. فالعربي، على سبيل المثال، علاقته بالماء و الحيوان غير تلك الموجودة عند الأوروبي أو الأسيوي(أقصد آسيا الجنوبية كمثال). لماذا لأن العربي عاش في بيئة قاسية قلّت بها المياه جعلته في بعض الأحيان يدخل في حروب طويلة من أجل بئر. بينما الأوروبي الذي نعمت طبيعته بكثرة المياه لن يحارب من أجل منبع ماء. لذلك فإني أعتبر أن نظرة الإنسان المختلفة للكون من حوله و المنعكسة في فكره لا تخلو من ذاتية موضوعية أي أن نظرته تبقى موضوعية من حيث بيئته التي نشأ فيها و ذاتية في نفس الوقت لأنها تنطلق من تجربته الخاصة والفردية. و للتوضيح أقول: المسيحية التي ألحقت بها رواسب وثنية في أوروبا و المتمثلة في الإيقونة التي ترسم باليد ثم تعبد إنما هي نتيجة للنظرة الفلسفية للكون عند كل من اليونان و الرومان. لأن هاتين الحضارتين أساس البنية الحضارية في كل من أوروبا الغربية و الشرقية على حد السواء. والمطلع على هذه الحضارة يفهم جيدا ما أقصد. إنّ الذي دفعني إلى مخالفة ما اعتدت عليه هو ردود فعل بعض القراء، الذين بعضهم كفّرني و إن كان بشكل غير مباشر. مما يثبت أن فكرتي عن المسلمين الأرثدكس الجدد صحيحة و أنني كشفت سرهم. فتكفيرهم لي لن يضيرني في شيء بل هم الخاسرون من حيث لا يعلمون. فبحكمهم هذا قد أشركوا بالله حيث أنه لا يعلم الغيب و ما بذات الصدور إلا الله. فحتى الأنبياء، عليهم السلام جميعا، لم يملكوا علم الغيب. يقول تعالى:"قل لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب" (الآية 50 سورة الأنعام)، و يقول عز جلاله أيضا:"و لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب" (الآية 31 سورة هود). رغم الآيات الكثيرة التي تنص على أن الغيب كشفه عند الله فإن هذه الجماعات الأرثذكسية الجديدة تأبى إلا أن تشارك الخالق في ملكه و علمه. و هذا التصرف في حد ذاته ليس بغريب عن أشخاص نصبوا أنفسهم أوصياء على البلاد الإسلامية و المسلمين و باتوا لا ينظرون إلى الفكر الديني إلا من خلال وجهة نظر السيد قطب و أخيه محمد قطب، و لا يقبلون بتفسير الذكر الحكيم إلا من تلامذة المذهب الوهابي. إنهم يتهجمون على الشيوعيين و البلاشفة و هم ينهجون نهجهم و يخطون خطواتهم. فأنت لست مسلما ما دمت لا ترى الدنيا بمقلتهم، و أنت لست مسلما ما دمت لا تسير على منوالهم، و أنت لست مسلما إن خالفت أباطرتهم. إنهم لن يرضون عنك حتى تتبع ملتهم و تكون لهم من المدعنين. و هناك بعض ثاني نعتني بالعلمانية و قد نسوا أن مصطلح العلمانية جاء من ع،ل،م التي يتكون منها فعل "علم" و منه اشتقت كلمة علم. فالعلماني يا حضرات هو من يرتكز على العلوم الإنسانية و الدقيقة منها لاكتشاف نواميس الكون وبذلك يعزز و يقوي إيمانه بالخالق. فإيمان العلماء ليس كإيمان العامة. لكن المسلمون الأرثذكس الجدد يربطون، عمدا، بين العلمانية و الإلحاد حتى تبقى العامة في جهل و ظلال، فتكون السيطرة عليها يسيرة غير عسيرة. هل نسي الأرثذكس الجدد أن أمريكا دولة علمانية و مع ذلك فإن الرؤساء الأمركان يؤدّون القسم على الإنجيل بل لا يمكن لأي كان زعامة الدولة دون الإيمان بالله. وكذلك دول أوروبا على الأقل الغربية. فالدول العلمانية المعروفة إنما أبعدت رجال الدين عن السلطة و لم تبعد الله. لأن الكنيسة لا تمثل الخالق وجوبا و خير مثال الكردينال الفرنسي ريشليو الذي كان يستغل نفوذه الروحي للوصول إلى أهدافه السياسية. إن المسلمين الأرثذكس الجدد ينهجون ديماغوجية على العامة لإبعادهم عن طريق العلم و المعرفة و ذلك باعتماد أسلوب الترهيب حيث أن الإنسان أصبح يخاف من العلمانية و كأنها ويل من جهنم. و قد نجحوا في تحويلها إلى تهمة كافية للتكفير. هناك البعض الآخر الذي حاول إقناعي بالابتعاد عن مقصيدي و كأنني ولي أمره أو وكيله. إن مقصيدي لا يحتاج لأحد للدفاع عن أفكاره لأنه و كما يقول المثل الشعبي المغربي: "فرّان و قاد بحومة". إنني لا أدافع عن مقصيدي يا مالكي الحقيقة المطلقة. إن دفاعي كان و لا يزال عن عن حرية الرأي و الموضوعية و المنطق العلمي السليم. انتبهوا كيف أنه لا أحد منكم تحلى بأخلاق الأسلام السمحة و حاول أن يتعامل معه كباحث، ربما ظل طريقه و ربما هو في الطريق الصحيح لكن بمنتصفه. لماذا؟؟؟ لأن هذا الموقف ليس في صالحكم و صالح من تشتغلون لصالحه. إنكم تفرقون صفوف الجماهير في الوقت الذي يدعو فيه الإسلام إلى توحيدها. و كان الأجدر بكم أن تجعلوا من الحروب ضد الصليبيين، لتحرير بيت المقدس منهم، مثالا أعلى و قدوة لكم، حيث شارك فيها مع المسلمين المسيحيون و غيرهم و تصدو للعدوان كتفا للكتف و ظهرا للظهر. فأين أنتم من هذه العلاقة؟ لاحظوا كيف يخدم المصالح الإمبريالية شيخكم بنلادن، فلو لاه لما استطاع الأمريكان ترهيب العالم لتمرير مواقفهم السياسية و العدوانية. إنكم تخدمون أعداء الأمة الإسلامية من حيث لا تعلمون و ربما تعلمون و لكنكم تتستّرون، و الله أعلم مني و منكم بما تخفون. و هناك البعض الثالث الذي حاول إتباث ما لا يحتاج إلى دلائلهم الهشة، لغناه عنها، بما اعتبره متصلا بعلم المنطق. و دخل فيما لا علم له به، إذ خفي عنه أنه في علم المنطق قد تبني نظريتك على معلومات صحيحة إلا واحدة منها فتتوصل إلى نتيجة منطقية مائة بالمائة، لكنها تنهار مع أول تحليل دقيق نحو: الشجرة لها جدع و أوراق و جذر في الأرض تتغذى به و تحتاج إلى ماء و هواء و شمس.. و النخلة لها جدع و أوراق (الجريد) و جذر في الأرض تتغذى به و تحتاج إلى ماء و هواء و شمس.. إذا النخلة شجرة. لكن الحقيقة العلمية تقول بأن النخلة من فصيلة شجيرات الدوم و النبق و الموز.. و قد يمكن سرد مثال آخر على نفس المنوال يتعلق بالسمكة و الدلفين و المختصون لا يخفى عنهم قصدي. إن المنطق علم له مقوماته و قوانينه التي لا كيان له من دونها. و أخيرا اتهمني البعض بالتعالي و العنصرية الفكرية لاستعمالي كلمة "العامة". و جوابي يكون على النحو التالي: لو أنكم لم تكونوا من العنصريين الفكريين و المتعاليين على عامة أمتنا لما تبادرت إلى ذهنكم مثل هذه الأفكار المنعدمة في قاموس تربيتي و حياتي. فأنتم من تضايق من الكلمة لارتباطها السلبي في ذهنه الناتج عن عوامل بيداغوجية أو اجتماعية أو إقتصادية الله أعلم مني بها. لو لم تكونوا تحتقرون العامة لما خطر على بالكم مثل هذا التخمين لأن كلمة العامة مستخدمة حتى في علم الشريعة، حيث يفسر العلماء أمور الفقه المستعصية لعامة الناس. أي أولئك الذين ليس الفقه، على سبيل المثال، اختصاصهم. و هنا يكون العالم الفزيائي و الطبيب و المهندس بل و الحاكم من العامة و الفقيه من الخواص. بينما يصبح الفقيه من العامة عندما يرتبط الأمر بعلوم ليست من اختصاصه و يصبح العامي المختص من الخواص. يا أصحاب الحقيقة المطلقة تواضعوا لله يرفعكم. أما عن تقديس الفرد فأقول لكم: لا تراوغوا و تحتالوا على العباد لأنكم تعرفون المقصود عندي هم مشاييخ الفكر الهدام الذين لا يكشفون للعامة من تاريخ الإسلام إلا ما تناسب و طموحاتهم السياسية. أما و قد أجبت على الاتهامات الواهية فلا بد من توضيح بعض الحقائق التي تغيب عن فكر المسلمين الأرثذكس الجدد و ربما يغيبونها عن قصد فالله هو العليم الخبير بصدورهم. لنبدأ بالصراع حول إمارة المؤمنين حيث قال البعض بأنها تكون لأهل البيت و قال البعض الآخر بخلاف ذلك و رفض طرف ثالث الدخول في الصراع من أساسه. و السؤال المطروح هو: لماذا هذا الصراع على السلطة إن نحن أسلمنا لله و أصبح "الناس سواسية مثل أسنان المشط"؟ ألم يلتحق الرسول الكريم (ص) بالرفيق الأعلى دون تعيين خليفة له لكي يكون "أمرهم شورى بينهم" ؟ أ لا يكون هذا الصراع دافعه عامل سياسي محض لا علاقة له بالعقيدة؟ أو أنه صراع من أجل حلول سياسية للفتنة التي لحقة بالدولة الإسلامية الفتية من جراء وفاة الرسول الكريم(ص) و كل يرى أن حلّه هو الصائب؟ ثم ألم يقل تعالى في اقتتال المسلمين فيما بينهم أن القاتل و المقتول كلاهما للنار؟ و مع ذلك فقد اقتتلوا فيما بينهم من أجل السلطة الدنيوية. فهل تطرق مؤرخونا بالدراسة العلمية لهذه الأحداث أم اكتفوا بالإشارة إليها دون تحليلها، اللهم فيما تعلق بتحميل السنة من وزر للشيعة و نسب الشيعة للسنة من إثم؟ هذا من جانب و من جانب آخر هل نعلم شيئا من حياة العرب الروحية في فترة ما قبل الإسلام غير ما يسردونه علينا من كلام حول الجاهلية و ما تلاها؟ علما بأن العرب لم يكونوا كفارا بل يمكن أن نقول عنهم بأنهم كانوا مشركين و هو التعبير الأصح. و ذلك لأنهم كانوا يؤمنون بالله و اليوم الآخر و كانوا يحجون و يطوفون بالكعبة مرددين: لبّيك اللهم لبّيك.. إلا أنهم مع هذا كانوا يعبدون اللاة و العزة و هبل و يعتبرونها ذرية لله يتقربون بها إليه. و أما عن دفن البنات فإنها عادة كانت عند قريش، و ليس كل العرب، و لم يلتزم بها كل القرشيين. و أولهم ورقة بن نوفل (يُعتقد أنه كان يدين المسيحية) الذي كان يفتدي الضحية بالمال و يتبناها. هناك أسئلة تاريخية كثيرة لم يجب عنها مؤرخونا بل و يرفضون الإجابة عليها نحو فتح طارق بن زياد للأندلس و من كان يمده بالمعلومات من داخل معسكر العدو؟ فما هو سبب صمت هؤلاء المؤرخين الورعين تجاه هذه الحلقات المفقودة، عنوة، في تاريخ الإسلام؟؟؟ إن الإجابة على كل هذه الأسئلة و غيرها موجودة و ليست بالعسيرة على من يرغب في المعرفة. خلاصة القول إن العلم و المعرفة لا يناقضان الدين و العقيدة أية كانت، إن ما تصطدم به الحقيقة العلمية هو الفكر المتحجر لبعض رجال الدين الذين لا يرغبون في الخروج من مرحلة تاريخية معينة لخوفهم فقدان مشروعيتهم و مكانتهم و بالتالي مصدر رزقهم لأنهم في حقيقة الأمر مسترزقون بآيات الله. مثلهم مثل دور الكتاتيب التي كانت منبع المعرفة الأساسي فترة زمنية إلى أن جاءت المدرسة فأفقدتها مكانتها و سحبت البساط من تحتها. إنها سنة الله في الحياة التي خلقها في ديناميكية دائمة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و ختاما أدعوا للجميع بالهداية و أسأل العلي القدير أن يرزقنا الحكمة في تسخير العقل لاكتساب معرفة ملكه و عظمته المتمثلة في الكون الشاسع و أن لا يحرمنا من نعمة العلم. و السلام عليكم و دمتم مرضى بحمى المعرفة.