نهاية مأساوية لصعوده السياسي عُرف الرئيس الكوري الجنوبي السابق «رو مو هيون» أثناء صعوده السياسي باسم «السيد نظيف» لأنه كان مُسيِّراً حسن السمعة في مجتمع يستشري فيه الفساد على أعلى المستويات. "" والآن بعد أن غادر منصبه مع إحساس دفين بالعار، اختار الانتحار بعد أن حامت الشبهات حول شرفه واستسلامه لثقافة الفساد السياسي الذي كان قد وعد بالقضاء عليه. غير أن انتحاره، يوم السبت، جاء قبل أيام فقط من التاريخ الذي كان من المتوقع أن توجَّه إليه فيه تهمة استغلال النفوذ رسمياً، ليترك بذلك البلد في مواجهة أسئلة جديدة ومزعجة حول السجلات الأخلاقية لزعمائه المنتخَبين. وقد أعلن الحداد في عموم كوريا الجنوبية، يوم السبت، حزناً على زعيم مثَّل ما كان الكثيرون يعتبرونه تحولا مهماً في الحياة السياسية لبلدهم. وفي هذا السياق يقول ديفيد كانج، رئيس معهد الدراسات الكورية بجامعة ساذرن كاليفورنيا: «لقد كان أولَ متنافس خارجي حقاً يصل إلى السلطة السياسية في كوريا الجنوبية، لأنه لم تكن لديه واسطة عائلية أو خلفية عائلية متميزة. كما أنه لم يكن في نظر المحافظين في البلد واحداً منهم»، مضيفاً «ولكنه ترك الآن الكثير من الأسئلة بشأن تأثير ونفوذ الأشخاص الذين كانوا من حوله، وحول ما إن كان هو نفسه ضالعاً حقاً في الفساد. كما ترك وراءه بالنسبة للعديد من الكوريين الكثير من الإحباط». وكان «رو»، 62 عاماً، قد انتحر بإلقاء نفسه من مرتفع بالقرب من منزله في مدينة بوسان الجنوبية، خلّف أيضاً تركة زعيم إنساني أكثر مما ينبغي ربما بالنسبة للأجندة الأخلاقية التي أقسم باتباعها. ونظراً لتركيزه على إبراز السيادة والاستقلال الوطنيين عن القوى العظمى مثل الولاياتالمتحدة، أصبح «رو» رمزاً للتقدم نحو التحول إلى ديمقراطية كورية أكثر ليبرالية واستقلالا، كما يقول أنصاره. غير أن منتقديه يقولون إن التاريخ لن يكون لطيفاً في حكمه على «رو» الذي انتهت ولايته لخمس سنوات العام الماضي، وذلك على اعتبار أنه كان في كثير من الأحيان مثيراً للجدل ومفتقراً للثقة في النفس، كما كان يفتقد أيضاً مهارات القيادة لحشد بلد يتطلع إلى اتجاه سياسي جديد. كما أنه تحدى موقف المحافظين واتبع سياسات أكثر مرونة تجاه كوريا الشمالية. بل ويتساءل البعض بشأن مؤهلاته الشخصية للمنصب السياسي الأعلى في البلاد. يذكر أن «رو» وُلد في 1946 لوالدين مزارعين في بلدة جيمهاي الريفية. وفي كتاب «مجموعة قيادات رئاسية»، الذي يتضمن فصلا حول «رو»، ترى المؤلفة «تشوي جين» أن طفولة «رو» الفقيرة والمحرومة أثرت على بقية حياته وسياساته كرئيس لكوريا الجنوبية، ومن ذلك مثلا نزوعه إلى زيادة الضرائب على الطبقة الوسطى الأعلى، وتقول: «إن طفولته كانت حافلة بالشعور بالدونية والغضب والمقاومة، وكان الحقد يملأ قلب والدته لإحساسها بأنه قد وقع التخلي عنها (من قبل المجتمع) في بلدة جبلية». وأكدت «تشوي» أن طريقة نشأة وتربية «رو» هي التي جعلته يتساءل بشأن حدود سلطة الحكومة. وحين كان «رو» شاباً، اختار تعليماً قانونياً، ولاحقاً أصبح محامياً يدافع عن حقوق الإنسان، ثم قاضياً. وفي الأخير، دخل عالمَ السياسة بميول قوية إلى إنهاء الجهوية في كوريا الجنوبية. وفي 2002، تم انتخاب «رو» على نحو غير متوقع رئيساً للبلاد بعد أن تفوق على منافسه بفارق نقطتين مئويتين. وكان قد فاز بالرئاسة بعد أن تعهد خلال حملته الانتخابية بوقف الارتفاع المنفلت عن السيطرة في أسعار العقارات، وتنظيف عالم السياسة من الفساد، وانتزاع «البيت الأزرق»، القصر الرئاسي، من قبضة الزعماء الذين يمثلون مصالح الشركات الكبرى. غير أن فترة رئاسته لم تكن خالية من الخطوات الخاطئة وغير الموفقة، حيث باءت محاولاته زيادة الضرائب ونقل العاصمة من سيئول بالفشل. كما يعيب عليه منتقدوه ما يعتبرونه تساهلا مع كوريا الشمالية. غير أن إدارته، بالمقابل، فتحت الباب أمام مزيد من حرية وسائل الإعلام، كما يقول الخبراء. وفي هذا الإطار، يرى برايان مايرز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دونجسيو في بوسان، أن «رو» كان «هو أول رئيس سمح بأن يكون موضوع سخرية. فكان في عدد من المرات شخصية طريفة»، مضيفاً «والواقع أنه حين ينظر المرء إلى جهود الرئيس الحالي لي ميانج باك الرامية إلى السيطرة على الصحافة والإنترنت، فإنه يفهم الفرق ويقدره». وقد غادر «رو» الرئاسة في فبراير 2008؛ غير أنه بعد 14 شهراً فقط، عاد ليصبح من جديد محط اهتمام الجمهور حيث اشتبهت السلطات في تلقي زوجته وابنه 6 ملايين دولار من الرشى من صاحب شركات لصناعة الأحذية مشهور مقابل معاملة تفضيلية بشأن عدد من المشاريع التجارية؛ غير أن «رو» أنكر الاتهامات. وفي الأسابيع الأخيرة من حياته، اشتدت وطأة الأمر على نفسه، وبخاصة حين استُدعي الشهر الماضي إلى سيئول من أجل التحقيق معه. وكان من المتوقع أن يوجه المحققون التهمة بشكل رسمي إلى «رو» في غضون أيام معدودة؛ ويعد بذلك هو الرئيسَ الثالث في كوريا الجنوبية الذي يواجه تحقيقاً حول الفساد بعد مغادرته منصبه منذ 1995. خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»