ستة أشهر بعد تعيينه، عباس الفاسي، الوزير الأول المغربي، يجد نفسه اليوم تحت النيران المتقاطعة لوسائل الإعلام الوطنية، سواء المعارضة منها أو التي توجد في خندقه، فيما تتنبأ صحف وجرائد أخرى بمغادرته القريبة لكرسي الوزارة. «عباس الفاسي متعب»، هكذا يعلق أحد الرباطيين، وهو يشاهد صورة الوزير الأول المغربي على صدر الصفحة الأولى لإحدى الجرائد الوطنية، مرفوقة بعنوان عريض حول الصعوبات التي يواجهها عباس في تهدئة غضب الشغيلة المغربية، التي بدأت تهدد برفع مستوى الاحتجاجات والإضراب العام. لقد تحول هذا المسؤول الحكومي إلى «كبش فداء» مثالي، لتبرير فشل الحكومة المغربية في مواجهة ارتفاع الأسعار. ولم يكن ممكنا للزعيم الاستقلالي تفادي كل الضوضاء التي حامت حوله قبل أو بعد ولايته الحالية، خصوصا أن كل الأصداء تبين أنه لا يحظى بالكثير من الشعبية في المشهد السياسي المغربي، ويتعرض لاحتجاج دائم يصل في بعض الأحيان حد الإهانة، بينما هو في برجه العاجي. لا تتردد وسائل الإعلام المغربية اليوم في تذكير عباس بقضية النجاة، التي أنهت مساره في وزارة التشغيل، كما أنها لا تتوقف عن محاكمته كوزير «غير كفء» في مهامه التنفيذية، وتعمل على الإشارة دوما إلى الوعكة التي تعرض إليها سنة 2006، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويصل الأمر ببعض الصحف إلى حد مطالبة الوزير الأول المغربي بضرورة تقديم كشف كامل عن الحالة الصحية، لرجل يقال إنه ضعيف جسمانيا، وينزعج من أقل الأشياء. لكن الضربات القوية تلقاها عباس من داخل خندقه السياسي، الذي انتقد فيه خضوعه الكامل للقصر، خصوصا عندما صرح، بمجرد تعيينه، قائلا: «سأطبق حرفيا توجيهات الملك»، وهو ما دفع أحد شبان الشبيبة الاستقلالية إلى التصريح بأنه : «يجب أن ننتهي وبسرعة من عباس الفاسي، يجب تجديد جيل الحزب». «لم يرحمني أحد»، يقول عباس مؤخرا في إحدى خرجاته الصحفية القليلة. هذا الوزير الأول الذي يتلقى الضربات يوميا دون أن يدافع عن نفسه، تاركا ملحقه الصحفي والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري أمام فوهة المدفع، بينما لا يتردد حفيد علال الفاسي، الذي دخل أيضا معترك السياسة منذ نعومة أظافره، في القول: «إن كل هذا الهجوم لم يمنع أبدا عباس من أن يجعل من حزب الاستقلال أكبر الأحزاب المغربية، وهو ماجعله يحظى بثقة جلالة الملك». يبدو للوهلة الأولى أن كل شيء يقوم به عباس الفاسي اليوم هو عكس ما كان يقوم به الوزير الأول السابق إدريس جطو، فهذا الأخير كان ينهي عمله على الساعة السادسة والنصف مساء، يحضر جميع مواعيد العمل، ويسافر باستمرار إلى الخارج في المناسبات الرسمية، أما «السي عباس» فلديه أجندة خفيفة في الصباح، يتحرك قليلا، ويعين تمثيليات تنوب عنه باستمرار، كما أنه لا يعبر عن نفس الطاقة من أجل بيع صورة «المغرب الذي يتحرك». ومن أجل تفادي وعكاته يعتمد عباس الفاسي على زوج ابنته نزار بركة، الوزير المنتدب في الشؤون الاقتصادية، الذي يصف صهره بالشخص «الذي يعمل على تطبيق خارطة الطريق الحكومية المنبثقة عن برامج مختلف أحزاب الأغلبية، والتي حضيت برضا القصر»، كما أن الملك يتدخل بصفة مباشرة في الملفات التي بين يدي الوزير الأول، وهو ما يشكل سابقة من نوعها في المشهد السياسي المغربي، لأنه نادرا ما عرف تاريخ الحكومات المغربية شخصية وزير أول سرعان ما وهنت، حتى وصل الأمر إلى اتخاذ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قرار إلغاء لقاء له مع عباس كان مبرمجا خلال زيارته الأخيرة إلى المغرب، ما دفع المتتبعين إلى التنبأ بقرب نهايته على رأس الوزارة الأولى، ولكن مادام يستفيد من دعم القصر فهو في الحصن الحصين، وما يمكن أن يقلب الأوضاع الحالية هو ارتفاع نسبة التوتر الاجتماعي، آنذاك ستكون السلطة مجبرة على اتخاذ القرار المناسب قبل نهاية فترة ولايته. وسيكون الطريق معبدا لصعود صديق جلالة الملك، فؤاد عالي الهمة، الذي يملك في يده كل المفاتيح التي تستطيع قلب الحكومة الحالية رأسا على عقب، بتحالفه مع المعارضة من خلال طرح «مذكرة رقابة»، مرفوقة طبعا بالبركة الملكية. بتصرف عن جون أفريك