بعد مضي 18 شهرا من الترددات، والتي كان بالإمكان تجاوزها، صادق أخيرا البرلمان المغربي في جلسة عامة على إلغاء الفقرة الثانية من المادة الشهيرة 475 من القانون الجنائي المغربي. وبالمناسبة،نهنئ أنفسنا على هذه اللحظة التاريخية الموسومة بدلالات التقدم، والافتخار، والأمل. وهي اللحظة التي ينبغي لكل القوى التقدمية الاعتزاز بها بفعل تعبئتها لتحقيق هذا الانجاز الذي يندرج في سياق المثل التي تترجم نضالنا من اجل الكرامة الإنسانية، والمساواة بين الجنسين. انه انتصار يتماشى مع الرهانات المجتمعية التي نناضل من اجلها بقوة، نحن التقدميين، بمعية المجتمع المدني، وداخل قبة البرلمان.واليوم،يحدونا شعور مليء بالحسرة،وبالعرفان لذكرى أمينة الفيلالي، واتجاه كل النساء ضحايا الانزلاقات التشريعية.ولعل هذا المخاض الموسوم بالألم بقدر ما يحيلنا على نزعات المحافظة التي يريد البعض تسليطها علينا، بقدر ما تسائلنا هل كان من اللازم أن تموت العديد من الفتيات حتى نفتح نقاشا بهذا الشأن؟، وأي نقاش هذا؟. انه سيل من الشتائم والمغالطات التي انتهت بانتحارات إضافية لفتيات تعرضن لكل أشكال التنكيل والتدمير بفعل الزواج الذي سلط على رقابهن، وبفعل التجريح والتحقير الذي مارسه عليهن بعض المسؤولين السياسيين ..نعم، إنها جروح لن تندمل بكل تأكيد إلا بعد انصرام عقود من الزمن.فهل كان ضروريا أن نعيش كل هذه المآسي والآلام حتى نصحح حماقات التشريع ومنزلقاته. ولنا أن نتساءل بكل تجرد هل يمارس حقا الوزير(ة) مهمته(ها) عندما يصرح قائلا" ليس هناك عيب أن نزوج فتاة لمغتصبها بشرط توفير المصاحبة اللازمة للزوجين" أو" إن ابنة الوزير(ة) لن تكون ضحية للاغتصاب لأنها تلقت تربية حسنة"؟. إنها انزلا قات عديدة تتخفى في بعض الأحيان في لبوس الرأفة التي سرعان ما تنكشف خلفياتها تحت ضغوط المنطق، والحس السليم. ولتنكشف معها كل التصريحات الفاحشة.ولم يسلم النقاش من تغريدات البجعة لترديد لازمة "عدم المس بالشعور العام".غير أننا نذكر هؤلاء بأن السياسات الحقيقية مطالبة بان تكون محملة بالرؤية المستقبلية والطليعية للمجتمع، وإلا سيكون رحيل أمثال هؤلاء الساسة عن السياسة خيرا للأمة. إن المعركة التي ربحناها اليوم يجب أن تشكل صحوة تقدمية، وحافزا لإثارة كل النقاشات المجتمعية بشجاعة قصد مواكبة التطور المجتمعي، ومنظومة العادات والتقاليد.لأن ألأمر لا يتعلق بصراع من اجل الحقوق المشروعة فقط، بل انه صراع من أجل ترسيخ الثقافة الديمقراطية في النقاش العمومي من خلال اختيارات حقيقية للمجتمع المنشود، ولأنماط الحكامة المرجوة..هل نريد مجتمعا يؤسس تعاقداته على قيم حقوق الإنسان ومساواة الجميع أمام القانون؟ ، أم نريد تكريس المجتمع البترياركي الذي يعمد إلى التضحية بشرائح واسعة من المجتمع( النساء، الأشخاص في وضعية إعاقة، ألأأميون ، الفقراء، المهمشون...) وتسييجها في درجات دنيا من المواطنة؟. لقد حان الوقت كي نعالج بكل مسؤولية الهوة الموجودة بين التشريع السائد وواقع مجتمعنا اليوم في العديد من القضايا ، ومن ضمنها تشغيل القاصرين ، وتشغيل الطفلات الخادمات، وإلغاء الإعدام، والتكفير، والإجهاض، والإرث...الخ.ويستوجب الذكر أن العديد من المقاومات الشرسة التي تعترض هذه المطالب من قبل لوبيات متمترسة خلف خطاب المحافظة والتقليدانية سرعان ما يتلاشى مباشرة بعد إقرار التشريعات الملائمة والتي سيحتضنها المجتمع في سيرورة تطوره. لنتداول إذن في شأن هذه الرهانات دون تجريح أو تهديد، ودون شرخ اجتماعي ، أو تطرف محمل بالشتائم والتكفير. لقد حان الوقت لندق ناقوس الخطر من جراء تفشي الممارسات الشمولية التي تعود لعصور غابرة ، وهي الممارسات التي تتسلل إلى دوائر النقاش العمومي من أجل إجهاضه، أو التشكيك في مشروعيته. إننا نتساءل أليست الديمقراطية هي فن إدارة الحوار بشأن كل القضايا المجتمعية باحترام كل وجهات النظر المتعارضة.وهذا النضج السياسي يفترض إعلاء المصلحة العليا للمجتمع فوق كل المصالح الحزبية الضيقة. وهي دعوة لحوار الأفكار الذي لا ينبغي أن يسقط في المحافظة بمبرر تعطل أو تعطل شروط التوافقات، ولا أن يخضع لسلطة الأصولية الأخلاقوية. وهذا النداء دعوة لحوار وطني واسع يشرك المواطنين في كل الإصلاحات المجتمعية الضرورية، ويصالح المجتمع المدني مع الشأن السياسي.إن احترام الشعب الذي يدعي البعض الرغبة في "حمايته" يتطلب الثقة فيه، وإشراكه بشكل ديمقراطي في رهانات المستقبل عوض سجنه في دوائر الانهزامية، والارتداد، والقدرية. وإشراكه بكل وعي في بناء الدولة العصرية القائمة على سيادة القانون في اتجاه مسارات التاريخ.