يتنافس وزراء حكومة السيد بنكيران، والأخير نفسه، في الحديث عن محاربة الفساد، والعزم عن اتخاذ تدابير مختلفة تحد من الظاهرة وتضع المسؤولين عنها أمام المساءلة القانونية . هو أمر محمود ولا شك، وإن تعلق إلى حدود اليوم بالقول دون الفعل، وفي أحسن الحالات بفتح بعض الملفات وتسويقها إعلاميا عبر التركيز على الأشخاص المعنيين بها دون الخوض، من منطلق قانوني، في «جرائمهم» المفترضة وتقديم وسائل الإثبات بخصوصها لتقول العدالة كلمتها الأخيرة .. هنا، وارتباطا بتصريحات بعض البرلمانيين المحسوبين على الأغلبية الحالية، يمكننا، مع بعض التحفظ، القول بأننا أمام نوع من النزوع صوب الذات المنفصلة عن ركائز الإصلاح ببلادنا، عبر اختزال المرحلة الحالية، على أهميتها، في تصريف حسابات سياسية وتقديم الامر في صورة محاربة الفساد وفضح الفاسدين بالبلاد. من جهة لأن في ذلك مغامرة غير محسوبة العواقب، خاصة أمام رؤية مشوشة من قبل حكومة السيد بنكيران، وأعضاء حزب هذا الأخير على وجه الخصوص، متمثلة في وضع «جل» الوزراء والمسؤولين السابقين في سلة واحدة عنوانها الفساد والإفساد، ومن جهة ثانية، لأن الأمر يجعل البلاد، أمام عجز الحكومة عن تقديم الحلول الواقعية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية ، مشتلا لزراعة ثقافة الشك والتشكيك في كل ما يحدث بالبلاد، بما يتبع ذلك من صيرورة اليأس معطى وطنيا متحكما في الشعب المغربي المثقل بهموم المعيش اليومي ... ظاهرة الفساد والإفساد ليست بالضرورة لصيقة بالمال العام، الرشوة، الزبونية والمحسوبية، وغيرها من شوائب المعيش المغربي، ولكن، أساسا، بسلطة الخطاب وأثره على المجتمع المدمن على استهلاك خبر الفضيحة بنهم ولذة وغير قليل من تفريغ بعض المكبوتات، خاصة عندما يكون هذا الخطاب مؤسسا على معطيات مستقاة من الفاعل الحكومي الذي جاءت به صناديق الاقتراع بعد غير قليل من خطابات الوعد و الوعيد . طيب إذن: هل يمكن الحديث اليوم عن إرادة حقيقية لمواجهة ظاهرة الفساد ببلادنا؟ وهل من الصواب القول بأن التهليل بمواجهة الفساد، دون سلطة الفعل القانوني، هو في حد ذاته نوع من الإفساد؟ هل يكفي أن يهدد البعض ، من برلمانيي حزب المصباح، بكشف بعض ملفات الفساد دون القيام بذلك حقيقة؟ المسؤولية الحكومية لا تستقيم ومنطق النية أبلغ من العمل، لأن الفشل في هذا الباب يعني خراب دولة برمتها، والارتكان إلى منطق الأنا في التعاطي مع مستلزمات التحول ببلادنا، يضع الأخيرة في فوهة البركان. التهديد بكشف بعض الملفات هو في العمق نوع من الابتزاز. ابتزاز من؟ علم ذلك عند من يؤسسون للالتباس موقعا في أجندة التحولات ببلادنا.. هل نجانب الصواب عندما نرمي الحكومة نفسها ، حكومة السيد بنكيران ، بتهمة «الإفساد»، وإن في صورته المبهمة؟ ألا يشكل الارتكان إلى الخطابات الشعبوية وطرح فقاعات الإشاعة والنوايا العاطفية نوعا من التضليل في حق مجتمع ينشد تغيير أوضاعه بكل صبر وروية؟ من المفروض أننا أمام حكومة سياسية ذات مشروع مجتمعي يشكل تعاقدا بينها وبين الناخب/المواطن الذي وضع ثقته في أغلبيتها البرلمانية، مشروع مجتمعي لا شك مؤسس على قراءة موضوعية واقعية للواقع الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، من خلال برنامج واضح قادر على تغيير الأوضاع بالبلاد وتحقيق التنمية المنشودة للخروج بالمغرب من دوامة الوضع الهش الذي يعيشه على مستويات متعددة. هذا هو المفروض والمنتظر من حكومة السيد بنكيران، لا أن تصبح الأخيرة فزاعة في حقل فساد كبير تقتات منه بعض التماسيح والعفاريت وغيرها من هواجس السيد بنكيران .. أن تكون رئيسا لحكومة مغرب ما بعد دستور 2011 معناه أولا وأخيرا ممارسة كافة السلطات من أجل تحقيق كافة الوعود، المبالغ فيها أحيانا عديدة، التي على أساسها وضع الشعب المغربي ثقته في من أوكل إليهم تدبير شؤون البلاد للسنوات الخمس اللاحقة لاستحقاقات نونبر 2011 . هل يدرك السيد بنكيران ووزراء حكومته، البيجيديون خصوصا، ذلك؟ شخصيا لا أعتقد، إذ الملاحظ أن الحديث عن محاربة الفساد قد أصبح، أمام الأنا المتحكمة في حزب المصباح، نوعا من الإفساد الأعمى لمرحلة هامة في مسارات الإصلاح ببلادنا، بحيث انتقلنا من واقع البناء المؤسساتي والقانوني لترسيخ الاصلاحات ببلادنا، إلى واقع التشهير بالأفراد والتهديد بنشر الملفات، اختلاق خصوم وهميين من كوكب التماسيح والعفاريت، إطلاق الفقاعات الإعلامية لصرف الانتباه عن الأساسي من قضايا المعيش اليومي للمواطن، وأخيرا، وهنا مكمن الخطر، العودة إلى اجترار الخطابات الاخلاقوية بدعوى الدفاع عن الهوية والإسلام وغير ذلك من شريط الاستغلال البشع للدين في السياسة ... هل يمكن أن يصبح الفشل الحكومي في تحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الموعود به، مبررا لإدخال البلاد في دوامة جديدة من الانقسام والنقاشات والصراعات الفارغة المشحونة بعبارات التكفير والتخوين، كتلك التي عاشها المغرب بمناسبة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية؟ هل نعود لنذكر بأجواء ما قبل 16 ماي 2003 ؟ حكومة السيد بنكيران تتحمل كامل مسؤولية ما يقع اليوم، وما يمكن ان ينتج عنه مستقبلا، لأن سياستها المتبعة أمام عجزها عن القيام بالمنوط بها إلى اليوم، عنوانها كلمة واحدة لا غير : «الإفساد» ....