الصحافيون الشرفيون المتقاعدون يسلطون الضوء على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية    المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن الأسعار خلال سنة 2024    ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى في 11 أسبوعا وسط ضعف الدولار    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    الكاف يؤكد قدرة المغرب على تنظيم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    إحباط محاولة تهريب 9 أطنان و800 كلغ من مخدر الشيرا وتوقيف ستة مشتبه فيهم    مراكش: توقيف 6 سيدات وشخص لتورطهم في قضية تتعلق بالفساد وإعداد وكر لممارستة    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    وهبي: مشروع قانون المسطرة الجنائية ورش إصلاحي متكامل له طابع استعجالي    تصريحات تبون تؤكد عزلة الجزائر عن العالم    حماس تنعى منفذ عملية تل أبيب المغربي حامل البطاقة الخضراء الأمريكية وتدعو لتصعيد المقاومة    ترامب يصفع من جديد نظام الجزائر بتعيين سفير في الجزائر يدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    تنفيذا للتعليمات الملكية.. تعبئة شاملة لمواجهة موجة البرد في مناطق المملكة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    خديجة الصديقي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    أمريكي من أصل مغربي ينفذ هجوم طعن بإسرائيل وحماس تشيد بالعملية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن تقبيل يد الملك
نشر في هسبريس يوم 23 - 03 - 2009

منذ وفاة الحسن الثاني رحمه الله عرف الحقل السياسي المغربي خاصة من طرف بعض الأوساط جدالا خص تحديد الموقف من تقبيل يد الملك . وكان للاستجواب الذي نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي مع الأستاذ محمد الساسي بخصوص الموضوع قمة ما بلغته شجاعة هؤلاء في الدلو بدلوهم في موضوع لم يكن من السهل إثارته في عهد الملك الراحل ، الذي كان يعتبره من الطقوس الأساسية التي تتميز بها الدولة العلوية . منذ ذلك الحين والموضوع يشغل ردهات بعض المنابر المحسوبة على اليسار آملين ان يكون لتحركهم أثر في الدفع بالملك الجديد محمد السادس الى الثورة على ما يعتبره المخزن من الابجدايات التي لابد منها لفهم فلسفة الدولة العلوية . الموضوع أعيد طرحه مؤخرا من طرف مجلة نيشان ، وتناوله الصحافي محمد حفيظ في العدد 44 من جريدة الحياة الجديدة ، كما ذكر به الصحافي توفيق بوعشرين في العدد 12 من جريدة أخبار اليوم ، وذلك عندما أعاد نشر الاستجواب الذي نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي مع الأستاذ الساسي . ""
ان هذه الآراء المعبر عنها تبقى في جميع الأحوال عبارة عن آراء لا تعكس الحقيقة التي تتصف بها الدولة المغربية منذ اكثر من 1400 سنة ، وهي الحقيقة التي تمثل الخصوصية التي تميز الدولة في المغرب عن غيرها من الدول في العالم ، وهذا ما كان يحرص الملك الراحل على التأكيد عليه في جميع المناسبات الرسمية والشعبية . أي التركيز على التمايز والحق في الاختلاف الذي يطبع خصوصية كل نظام على حدا ، ما دام ان في الاختلاف رحمة للعالمين .
ان الحجج التي دأب يؤكد عليها الداعون الى إلغاء تقبيل يد الملك وتعديل الدستور بما يمكن من تقليص سلطات الملك لصالح ( مؤسسة الوزير الأول ) أي إضعاف الملك لصالح الأحزاب ، او إضعاف الدولة لصالح أحزاب تكون قابلة للتغير والتبدل بحسب مصالح ( زعماءها) ..و يركزون عليها في خطاباتهم تفتقر الى الحس والافتقار الى المسؤولية . لان ما يروج له في الساحة من طرف بعض أشباه الللائيكيين هو حق أريد به باطل . ذلك ان مزاعمهم التي يرجعونها الى المطالب الكونية تفتقد الى الحجة والدليل لما يختمر به الواقع في الدول التي يطالبون النظام المغربي الاقتداء بها في تكييف او تغيير فلسفة الحكم في المغرب . وبرجوعنا إلى أصل المشكلة المفتعلة هذه الأيام ، وكما قلت أعلاه لم يكن احد يتجرأ بإثارة مثل هذه المواضيع زمن الحسن الثاني رحمه الله ، فأحرى ان يطالب جهرا بالثورة عليها ، سنجد ان محدودية الثقافة السياسية التي تشبع بها هؤلاء القوم هي التي جعلتهم يسقطون في النقل والترديد والإسقاطات الجاهزة على وضع يرفض كل شيء دخيل يمس بأصوله ومقومات نظامه . فهل يقبل صقور المخزن والنظام نفسه ان تمرر عليه اطروحات كانت لغة تداولها من نظروا للجمهورية البرلمانية والجمهورية الشعبية طيلة الستينات والسبعينات وحتى بداية النصف الثاني من الثمانينات ، رغم ان أكثريتهم الآن تحولوا الى حمل وديع او انتسبوا الى حركة الهمة ، او ما رسوا طقوس الدولة لما كانوا في المسؤولية كوزراء ؟ وهنا من منا لم يشاهد الحبيب المالكي ، عبد الله ساعف ،فتح الله ولعلو ، عمر الفاسي ، نبيل بنعبد الله وغيرهم يقبلون يد الملك بلهف ، رغم أنهم لا يزالون إلى الآن يدعون الى الحداثة والتمسك بالنهج الاشتراكي اليساري رغم ان هذا النهج بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف ؟. ربما انها لغة المصالح او إنها اسكزوفرينيا او ممارسات حربائية تختلف باختلاف الظروف والأحوال وتعدد واختلاف المواقع .
الملكية في المغرب ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا لم تزغ في علاقاتها بالمغاربة عن الطقوس التي دأب المغاربة أنفسهم على التشدد فيها . وبرجوعنا الى أصل النظام السياسي المغربي سنجد انه يحكم من خلال زاويتين متكاملتين هما اللتان تضفيان الخصوصية المغربية الأصيلة ، وتؤكدان على الحق في الاختلاف الذي يتسم به كل نظام من الأنظمة السياسية في العالم . وهذا الشيء الجميل يدركه كل من درس القانون الدستوري والأنظمة السياسية . ولو كانت هناك أحادية او منهجية وحيدة في الحكم ، ما درج أساتذة العلوم السياسية وعلم السياسة على إضافة فقرة الأنظمة السياسية لمادة القانون الدستوري التي تدرس بكليات الحقوق والعلوم السياسية .
الملكية في المغرب تحكم من خلال شقين : شق عصري ولا أقول حداتي، لان هذا التعبير له مفهوم ملغوم . وشق تقليدي أصيل يرجع في كل كبيرة وصغيرة الى الأصول .
الشق العصري لنظام الحكم في المغرب يتمثل في المؤسسات التي تكون الدولة بمفهومها العصري ، وهذه وان كانت تختلف عن الملكيات المطلقة العشائرية السائدة في الشرق العربي ، فإنها تشترك مع الملكيات وأنظمة الحكم الأوربية في توفرها على سلطات لها اختصاصات محددة بمقتضى الدستور الذي نجد في ديباجته التنصيص على الحقوق ( العالمية ) مثل حقوق الإنسان غير الموجودة في الغرب العنصري . الملك حين يريد مخاطبة الخارج فانه يتصرف كملك او حاكم لا يختلف في شيء عما يسود العلاقات بين الدول . نفس الشيء يلاحظ عند تسييره لشؤون الدولة سواء كرئيس للجهاز التنفيذي او من خلال ما ينصص عليه الفصل التاسع عشر من الدستور باعتباره الممثل الاسمي للأمة . أي رغم ان البرلماني فاز في الانتخابات التشريعية من قبل الناخبين، الا انه لا يمثل الا سكان الدائرة التي انتخب فيها ، ولا يمثل الأمة التي يبقى تمثيلها من طرف الملك وحده باعتباره ضامن الوحدة الوطنية والوحدة الروحية .
اما بالنسبة للشق التقليدي الأصيل من فلسفة الحكم في المغرب ، فسنجد ان نظام الحكم في تعامله مع الشعب او الرعية ومع الاتجاهات التقليدية المتنوعة المنتشرة وسط الشعب ، فان الملك لا يتصرف كحاكم عصري ، بل كأمير للمؤمنين بما أضفاه عليه الفصل التاسع عشر من الدستور من سلطات استثنائية ، وبما أعطاه إياه عقد البيعة الذي يجعل من الملك في علاقته مع الرعية لا يحتاج الى المرور من قنوات الدستور القابل للتغيير والإصلاح كلما كانت الظروف تسمح بذلك . من هنا ندلل ان نظام الحكم في المغرب عند تعامله مع الخارج فانه يغلب الطابع العصري الذي تفرضه بعض المعاملات الخاصة شريطة ان لا تؤذي أصل النظام . لكن حين يخاطب الداخل خاصة الشعب ، فانه يركز على الجانب التقليدي الذي تعكسه إمارة أمير المؤمنين ، لما في ذلك من أهمية قصوى لقطع الطريق على المتاجرة بالدين وتسييسه لبلوغ مقاصد قد تكون خطرا على مستقبل الدولة نفسها ، وما النموذج الإيراني ( الشاه والخميني ) بغائب عن البال . هذه الحقيقة التي أدركتها بعض الأحزاب التي كانت تدعوا الى الثورة على كل ما يجدد فكر الدولة ويضمن له الاستمرارية وان كان ذلك بمكانيزمات مختلفة ، هو ما جعل مؤسس منظمة الى الإمام أبراهام السرفاتي يحمد الله على وجود الفصل التاسع عشر في الدستور ويشيد به ، وهي التي جعلت نبيل بنعبد الله يعتبر نفسه مخزنيا بامتياز، ودفعت جميع الأحزاب الى التصويت بالإيجاب على التعديل الذي ادخل على الدستور في سنة 1996.
ان تقبيل يد الملك من قبل المغاربة أي الشعب وليس من قبل الحربائيين ،لا يعتبر بروتوكولا ، كما لا يعتبر الزاميا او إجباريا . بل هو اختياري ، والملك او السلطات لم تعاقب أحدا استقبله الملك ولم يقبل يده . لكنه يبقى في فلسفة الدولة العلوية من الركائز الأساسية التي يضفي صفة وهبة أمير المؤمنين على الملك . ومادام ان أصل الاختلاف في القضية هو بين الأقلية التي تحسب على رؤوس الأصابع وبين القبائل المغربية التي تقدم الى جانب القوات المسلحة الملكية الباسلة والقوات النظامية الدرع الواقي للنظام ، فان مثل هكذا سجال لا يعدو ان يكون عبارة عن فقعات تثار هنا وهناك دون ان يكون لها ردود سلبية على الحقيقة التي تؤمن العلاقة بين الملك وبين الشعب . ان السؤال الذي يطرحه المغاربة هو باسم من يتكلم هؤلاء عندما يطالبون بإلغاء ركائز الدولة العلوية ، مثل تجريد الملك من صفة أمير المؤمنين والثورة على التقليد والأصول ، والدعوة الى الاقتداء بأنظمة الحكم في الدول الغربية ؟ ثم ما ذا يمثلون وسط الشعب عندما يطالبون بتغيير الدستور في اتجاه تقليص سلطات الملك لصالح مؤسسة الوزير الأول غير الموجودة حتى الآن ؟ كيف يمكن إضعاف الدولة من خلال إضعاف رمزها لصالح أحزاب ضعيفة أصلا وتعيش وتقتات من خيرات أولياء امرها ؟ خاصة والكل يعلم النسب المئوية التي حصدتها تلك الأحزاب في الانتخابات التشريعية للحادي عشر من شتنبر 2007 و النتائج الهزيلة التي حصدتها في الانتخابات الجزئية للتاسع عشر من شتنبر 2008؟. هناك مغالطة يروج لها هؤلاء لا بد من إزالة اللثام عنها ، وهي ان الأنظمة التي ينشدون تكييف نظام الحكم في المغرب على شاكلتها، وهي الأنظمة الأوربية ليست لائيكية كما يعتقد هؤلاء . ان ما يسمى باللائيكة الأوربية وبالولايات المتحدة لا يعكس الحقيقة التي ينطق بها الواقع من كون أوربة مسيحية يهودية . وهذا ما درج ما يسمى بفلاسفة أوربة يرددونه عبر القنوات الفضائية الفرنسية والألمانية من ان أوربة هي يهودية مسيحية وليست إسلامية . وهذا يفسر لماذا لم يستطيع أي عربي او مسلم من الظفر بمنصب حساس في الأجهزة التنفيذية لتلك الدول ، رغم الوفاء لأوربة ورغم الحصول على الجنسية الأوربية التي لا تنفعهم في شيء . واذا كانت أوربة تؤكد أنها بلد مسيحي يهودي فأنني اقترح عليهم ان يمنحوا يهود فلسطين المحتلة قطعة ارض في بلدانهم ليكفروا على ما يروجون له من ذنب على ما أصاب اليهود في الحرب العالمية الثانية ، ويتركوا فلسطين لأهلها الحقيقيين . ثم ماذا حين توجه سهام النقد الى الإسلام كدين فقط مع ما رافق ذلك من نشر الصور الكاركاتورية للنبي محمد وتشجيع ذلك من طرف الطبقة السياسية الأوربية بدون استثناء ، وتجريم فقط من يشكك في المحرقة اليهودية . أليس هذه الحرب التي تخوضها الطبقة السياسية الأوربية ضد الإسلام وضد العرب الذين نزل القران بلغتهم هو دليل على ان أوربة دينية وليست لائيكية كما يعتقد مروجو إلغاء تقبيل يد الملك والثورة على الأصول التي تضفي الخصوصية على المشهد السياسي والدولتي المغربي منذ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت ؟
هل تناسى هؤلاء المهرولون ان الأوربيين وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي ساركوزي وخوسي ماريا ازنار وجاك شيراك والمستشار كول عندما استقبلوا من طرف البابا قبلوا يديه بشغف وبخشوع ؟ هل ينكر هؤلاء المميعون ان الأوربيين يتسابقون على تقبيل يد البابا ويلوحون له مثل الإله ؟
هل تناسى هؤلاء الذين يدعون اليوم الى الاقتداء بالأنظمة السياسية الأوربية ان زعماءها وصحافتها كانت تنتشي زهوا وفرحا لما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف لبنان في صيف 2006؟ فقط لان الذي يجري قصفهم هم عرب ومسلمون ؟. هل نسي هؤلاء او تناسوا ان قصر الاليزيه والعديد من الدول الأوربية كانوا يقدمون الدعم للمسيحيين اللبنانيين أثناء حربهم مع القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية غداة الحرب الاهلية اللبنانية؟ أليس تأييد اوربة لمذكرة المحكمة الجنائية الدولية باعتقال البشير فقط لان الشخص عربي مسلم لإذلال العرب والمسلمين أجمعين ؟. لماذا تتوحد اوربة كلها في الدفاع عن مسيحيي الجنوب السوداني وتساندهم للاستقلال عن الدولة الأم ؟ أليست هذه المواقف بدافع النعرة الدينية المسيحية اليهودية في مواجهة الإسلام والمسلمين ؟
الم يعلن الرئيس جورج بوش ان الله اصطفاء ليخوض حربه الضروس ضد الشر الذي جسده في الإسلام قبل ان يتراجع بشكل محتشم حتى لا يزعج حكام المملكة العربية السعودية وأنظمة الخليج ما دامت تزوده بالبترول وتقتني سلعه ومنتجاته في أسواقها ؟ الم يصرح وزير خارجية جورج بوش كولين باول بان الولايات المتحدة الأمريكية مسيحية يهودية وليست إسلامية ؟
الم يصرح الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران بانه ضد إنشاء دولة إسلامية بوسنية في اروبة ؟ لماذا يعترض القادة الأوربيون على انضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي رغم وجود جزء من ترابها فوق ترابه . أليس السبب هو الإسلام الذي يتخوفون منه ؟ لماذا يطالب الرئيس الفرنسي بإطلاق سراح شاليط الإسرائيلي بحجة حمله الجنسية الفرنسية ، لكنه يغمض العين عن مواطن فرنسي من أصل جزائري معتقل في السجون الإسرائيلية بسبب دعمه للمقاومة؟ أليس الدافع الى هذا العمل هو التحالف اليهودي المسيحي ضد كل ما هو إسلامي ومسلم ؟. كيف تميز فرنسا بين مواطنيها بسبب الاختلاف في المعتقد والدين ؟ أليس هذا دليل ساطع على حقيقة اوربة المسيحية اليهودية في مواجهة الإسلام ،حيث الصراع الحقيقي لم يعد سياسيا بل دينيا ؟ كيف نفسر حرص الزعماء الأوربيين على زيارة جنودهم في أفغانستان والعراق للاحتفال معهم بأعياد الميلاد و رأس السنة الميلادية الجديدة ؟ أليس التصرف منبثقا من واعز ديني صرف لا علاقة له باللائيكية المفترى عليها في خطابات السياسيين الأوربيين اليومية ؟ ثم ماذا حين يزور سبعة زعماء أوربيين على رأسهم الرئيس الفرنسي ساركوزي ، رئيس الوزراء الاسباني زاباتيرو ، رئيس الحكومة الايطالية بارلسكوني ، رئيس تشيكا .. الخ اولمرت الصهيوني للاحتفال معه في حفل عشاء وبقرع كؤوس النبيذ على مجازر غزة التي ذهب ضحيتها مدنيون فقط لان المستهدف عربي مسلم وسني ؟ أين هي الأخلاق والديمقراطية والاعتبارات الإنسانية عند هؤلاء مما جرى في غزة أمام مسمع و مرأى من العالم ؟ لماذا لم يحرك المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف القادة الإسرائيليين عن مجازر غزة التي اعترف بها جنود إسرائيليون أنفسهم ، في حين لم يتردد في تحريك المتابعة ضد الرئيس البشير رغم ان السودان لم يوقع على اتفاقية روما المنشاة للمحكمة ؟ كيف يمكن قبول دعوات من ينادونا بإلغاء ركائز الخصوصية المغربية التي يمنحها الحق في الاختلاف الكوني ، وفي المقابل يدعونا الى الاقتداء بهذه الأنظمة المسيحية اليهودية العنصرية والغير أخلاقية ؟. انها قمة المهاترات والتسيب الفكري لأشخاص أصيبوا بعمى الألوان ، او أنهم يتحركون لغرض في نفس يعقوب .
اما عن تشدقهم في الدفاع عن فصل السلط اقتداء بالغرب ، فان ما يجهله هؤلاء هو ان ما يسمى بمبدأ فصل السلط لا وجود له في الواقع . ان الحزب او الأحزاب المتحالفة التي تفوز في الانتخابات هي التي تكون الأغلبية البرلمانية التي تتشكل منها الحكومة . و ان السيطرة على المجال التشريعي ومنه المجال التنفيذي يعني ان السلطة القضائية ستطبق اقتراحات القوانين التي ستصدرها الحكومة ، وستطبق مشاريع القوانين التي ستصدرها السلطة التشريعية في جميع المجالات قانونية ، مدنية اقتصادية واجتماعية . فأين هو إذن مبدأ الفصل بين السلط غير الموجود أصلا في أوربة ، والمفترى عليه في خطابات اللاهثين وراء السراب بسبب الخطأ في النقل وإسقاط كائنات غريبة عن واقعها الذي تنموا وتعيش فيه ؟
واذا كان يمكن تسجيل مثل هذه المواقف البئيسة بسبب قلتها ومحدودية عدد أعضاءها، الا انه يتعين عليها ان تقبل بالرأي الآخر الذي تمثله أغلبية الشعب المغربي . وفي هذا الإطار لو طرح على الاستفتاء الشعبي سؤال للاستفتاء عليه : هل تريدون الاحتفاظ بالمميزات والخصوصيات التي تطبع النظام السياسي المغربي منذ آلاف السنين ، ام تريدون الثورة على التقاليد والأصول لصالح التغريب والتمييع ، فان 99 في المائة ستستفتي لصالح الحفاظ على كل ما هو أصيل مميز للمغرب ككيان له أصوله وقواعده المرعية من قبل مواطنيه .
نفس السؤال في الاستفتاء يوجه حول تعديل الدستور لإضعاف الدولة من خلال إضعاف الرمز لصالح أحزاب ضعيفة ، أي تحويل الملكية في المغرب من ملكية فاعلة مشاركة في الشأن العام ، الى ملكية برلمانية يبق فيها للمك دور رمزي فلكلوري ، فان الأغلبية المطلقة من الشعب المغربي ستصوت لصالح الملكية التنفيذية وليس لصالح ملكية الأحزاب التي يرجع الفضل في إنشاءها الى النظام نفسه حيث لا تزال تقتات من خيراته وتقلب الطاولة عليه .
ان المغاربة حين يقبلون يد الملك فأنهم يفعلون ذلك لأنه أميرا للمؤمنين يمثل المقومات الأساسية للأمة ، ولا يقبلون يده كملك عصري يتصرف طبقا لما تمليه قوانين وأنماط الدولة العصرية . ان الجماهير والشعب المغرب هما اللذان رأيا صورة محمد الخامس في القمر ، وهما أساس لب المقاومة وجيش التحرير وهما اللذان استشهدا في الصحراء دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة ، وهما اللذان خرجا في جنازة الحسن الثاني رحمه الله ، وليس الحربائيين الذين يقبلون يد الملك فقط كمطية وغاية لنهب المغرب واستنزاف خيراته . ومثل الأوربيين الذين يقبلون يد البابا لأنه يمثل بالنسبة إليهم السلطة الروحية والدينية ، كذلك الشعب المغربي يقبل يد الملك لأنه هو الذي يمثل بالنسبة له السلطة الروحية والدينية ، وسيما وان جميع الملوك العلويين يحرصون على تأكيد انتسابهم الى أهل البيت الكريم .
ويبقى السؤال : من الأحسن . هل تقبيل يد الملك كأمير للمؤمنين تلك الصفة والمسؤولية التي ينصص عليها الفصل التاسع عشر من الدستور ويحددها عقد البيعة بين الملك وبين الشعب ، ام تقبيل يد فؤاد الهمة ، عبدالسلام ياسين ، الشيخ حمزة ، عباس الفاسي ،أمحمد بوستة وتقبيل رؤوس القبور والأضرحة رغم انعدام عناصر المقارنة بين هؤلاء لأنه إذا قارنا هذا السيف بتلك العصا كان ذلك تقليلا من قيمة السيف ، وهذا ما لا يجب أن يكون وليعيا دو بالله .
ولأختم نذكر بما قاله الحسن الثاني رحمه الله : " خلاصة القول إن التحليل الأوربي والفرنسي على الخصوص ليس متسامحا الى حد بعيد ، وهذا ما حذا بي لان أكون متشبثا في موقفي وأبدو متماديا في عنادي . فالأجنبي يريد ان يعلمني كيف أعيش ، ويرسخ في ذهني تقاليد أخرى ، ويريد ان يجردني من عقليتي العربية والعلوية والمغربية . وباختصار يريد تجريدي من كل ما هو أصيل ، كما تمنى هذا الأجنبي إعطائي دروسا في نمط حياتي السياسية ، وهذا بالطبع شيء ارفضه كل الرفض لأنني عنيد جدا . نعم سأظل متفتحا لكوني أحبذ الطرق البداغوجية ، لكن لا اقبل أن تفرض علي دروس الأستاذية.." " .. حقيقة ان لنا نهجنا الخاص ولنا قيمنا الخاصة .. انتم تنتمون للحضارات الرومانية والجرمانية والفرنسية ولحضارة بلاد ألغال . أما نحن فعرب وبرابرة ، لذلك لا تطلبوا منا أن نفقد هويتنا ونتخلى عن مقومات شخصيتنا .." .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.