مع اقتراب فصل الصيف من كل سنة، ومع توالي سنوات الجفاف، بات تأمين احتياجات المواطنين من الماء الصالح للشرب تحديا يواجه الحكومة والمجالس المنتخبة، بعدما باتت مدن كبرى مهددة بالعطش، الذي كان مجرد شبح يسمع عنه سكانها ويطالعون قصص معاناة سكان المناطق النائية في البحث عن "أصل الحياة". شح التساقطات وتوالي سنوات الجفاف أديا إلى تراجع مخزون السدود إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما جعل الكثير من المدن عرضة للعطش وانقطاع الماء المتكرر، الذي يعكس بشكل واضح حجم الخصاص المستحكم في المملكة بشأن هذا المورد الحيوي. ورغم التساقطات التي شهدتها المملكة خلال هذا الموسم مقارنة بالعام الماضي، فإن حقينة السدود لم تشهد أي تحسن على المستوى الإجمالي، إذ بلغت نسبة الملء، إلى حدود اليوم الجمعة 21 أبريل الجاري، 33.6 بالمائة مقابل 34.3 بالمائة خلال اليوم نفسه من العام الماضي، وهو الرقم الذي يؤكد المنحى التراجعي للمخزون المائي في البلاد. مدينة الدارالبيضاء، التجمع السكاني الأكبر في البلاد، تبقى إلى جانب وجدة ومدن أخرى من أبرز المناطق المهددة بالعطش خلال الأشهر المقبلة، حيث بدأت سلطاتها تتحرك من أجل تأمين حاجيات الساكنة من الماء وتجنيبها شبح العطش. الحسين نصر الله، نائب عمدة الدارالبيضاء، أقر بصعوبة الوضع في العاصمة الاقتصادية للمملكة من حيث تأمين حاجيات الساكنة من الماء الصالح للشرب. وأكد نصر الله، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مجلس المدينة يحرص على تتبع هذه القضية مع الشركة المكلفة بالتدبير المفوض لقطاع الماء وتطهير السائل، ويطالبها دائما بالعمل على توعية الساكنة بأهمية ترشيد الاستهلاك والتعامل الأمثل مع الماء في ظل الظروف المناخية الصعبة التي تعيشها البلاد منذ سنوات. وأضاف أن جهة الدارالبيضاءسطات تواجه نقصا حادا في المياه، مشيرا إلى أن السد الأكبر، الذي يزود مدن وأقاليم الجهة بحاجياتها من الماء، بلغت نسبة الملء فيه أقل معدل في التاريخ، إذ صار لا يتعدى 9 بالمائة. وحول الإجراءات التي تقوم بها السلطات من أجل تفادي أي مشاكل يمكن أن تواجهها المدينة، قال نصر الله إن مجلس المدينة عمد إلى إحداث محطتين كبيرتين لمعالجة المياه العادمة واستعمالها في سقي المناطق الخضراء، في خطوة تروم الحفاظ على الماء وتقليص حجم الاستهلاك. وحمل نائب عمدة الدارالبيضاء مسؤولية الوضعية، التي تواجهها المدينة من أجل تأمين حاجياتها من الماء، إلى تأخر الحكومة السابقة في إنجاز محطة تحلية مياه البحر بالدارالبيضاء في الآجال التي حددت لها، مبرزا أن "هذا التأخر هو سبب المشاكل والتحديات التي نواجهها اليوم". من جهته، سجل محمد بنعبو، الخبير في قضايا المناخ والبيئة، أن السنة الماضية كانت "سنة جفاف بامتياز جعلت المغرب يتخذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية من أجل مواجهة شبح العطش في عدد من المدن. وهذه السنة هناك مجموعة من المتغيرات". وأضاف موضحا أن "حوض تنسيفت، الذي عرف السنة الماضية تراجعا كبيرا في حقينة السدود، يعد هذه السنة الحوض الأكثر امتلاء على المستوى الوطني بنسبة 62 بالمائة مقارنة بالأحواض المائية الأخرى، وبالتالي مدينة مراكش والمدن المجاورة لها لن تعرف هذه السنة حالة العطش التي كانت قد عرفتها السنة الماضية". في المقابل هناك مجموعة من الحواضر الكبرى التي يمكن أن تعاني العطش هذه السنة، يقول بنعبو، مؤكدا أن 9 سدود لا تتعدى حقينتها 33 بالمائة، بعد أن كانت في حدود 34 بالمائة السنة الماضية. وتابع قائلا: "التزود بالماء الصالح للشرب ما زال موضوعا حرجا، بالرغم من تسريع وتيرة إنجاز مجموعة من المشاريع، التي نتحدث عنها اليوم، مثل الحوض المائي لسبو وربطه بالحوض المائي لأبي رقراق عبر قناة كبيرة على أساس انتهاء هذا المشروع بحلول شهر يونيو". بالإضافة إلى أن نسبة امتلاء سد محمد بن عبدالله، الذي يزود الدارالبيضاء والرباط والمدن المجاورة لهما بالماء الشروب، "جد متدنية، ولم يسجل من قبل أرقاما مثل هذه السنة". وأبرز أن هناك تهديدات حقيقية بأن تعاني مدن شبح العطش، لأن هذه السنة "كان هناك نقص كبير في الموارد المائية، ولم تكن هناك أمطار مهمة باستثناء بعض الأحواض المائية، التي عرفت تساقطات مطرية مهمة واستثنائية مقارنة بالسنوات الماضية مثل حوضي درعة وتنسيفت"، مشيرا إلى أنه "بالنسبة إلى أحواض اللوكوس وسبو وتنسيفت، تتعدى نسبة الملء فيها 50 بالمائة، فيما تبقى أحواض أخرى ما دون 30 بالمائة، وبالتالي هناك إشكال حقيقي على مستوى الجهة الشرقية وحوض أم الربيع، الذي لا تتعدى نسبة الملء فيه 10 بالمائة". وزاد بنعبو موضحا "هذه هي السنة السادسة من الجفاف، وهذا تحد حقيقي"، لافتا الانتباه إلى أن تسريع وتيرة تنفيذ مجموعة من المشاريع كتحلية مياه البحر وإعادة تدوير المياه العادمة ومعالجتها من أجل سقي الفضاءات الخضراء "يمكن أن تجعلنا نحافظ على المياه الصالحة للشرب، ونخصصها للشرب فقط، بالإضافة إلى إعادة النظر في مجموعة من المزروعات التي تبين أنها تستنزف الفرشة المائية". وأكد أن المغرب اليوم أمام "امتحان آخر أكثر تحديا من السنة الماضية، التي عرفت بأنها سنة جفاف بامتياز، وكان الموسم الفلاحي استثنائيا. أما هذه السنة فحدث سيناريو آخر، إذ كانت هناك أمطار في شهري دجنبر وفبراير، لكن منذ أواخر شهر فبراير لم تعرف المملكة أمطارا بالكميات الكافية، التي يمكن أن نتجاوز بها شبح العطش والجفاف".