أدى شح التساقطات المطرية وأزمة الماء التي يعيشها المغرب حاليا، بعد تسجيل الجفاف هذه السنة إلى تخوف العديد من الفاعلين والمتتبعين، سواء من الحكومة أو المجتمع المدني وحتى الخبراء في مجال مناخ والتنمية والمستدامة. من جهتها، بسطة الحكومة، عبر وزير التجهيز والماء، نزار بركة، يوم أمس الثلاثاء 1 مارس 2022، في عرض أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب حول " ندرة المياه والتدابير الاستعجالية لتأمين التزويد بالماء"، مجموعة من التدابير التي تنوي القيام بها لمعالجة هذه الأزمة المائية التي يعيشها المغرب. فرغم الاجراءات المتخذة، طالب توفيق السميدة، فاعل مدني بجهة سوس ماسة، بإعلان منطقة أكادير وجهة سوس ماسة عموما "منطقة منكوبة من الناحية المائية" من أجل اتخاذ تدابير استعجالية، مضيفا أن الفرشة الماشية وصلت لمستويات من الانخفاض غير مسبوقة، وهو ما يهدد مجموعة من التوازنات على المستوى البيئي بصفة عامة وكذا القطاعات الصناعية الصناعية والتجارية والخدمات المرتبطة بالماء كالسياحة بصفة خاصة. وقال السميدة في تصريح لموقع " الأيام 24 "، إن حقينة السدود بأكادير والنواحي بجهة سوس ماسة، ضعيفة جدا، بالرغم من أن الجهة فلاحية منذ زمن طويل خاصة فيما يتعلق بقطاعات فلاحية تستهلك الكثير من الماء كالحوامض والبواكر، مبرزا أن المنطقة تعيش أزمة حقيقة حول الماء، وأنه" في حالة عدم اتخاذ اجراءات حقيقية وفي أقرب وقت يمكن الدخول وبدون شك في أزمة من العطش في الجهة". وأشار الفاعل المدني، إلى أن محطة تحلية المياه بأكادير التي تم تشغيها مؤخرا، هي التي تقوم اليوم بتزويد ساكنة "أكادير الكبير" بالماء الصالح للشرب، مشيرا إلى أنه كان هناك مشروع قديم يروم إعادة استعمال المياه العادمة في عملية سقي المساحات الخضراء والملاعب وكذا المسابح وملاعب الغولف، وقد بدأ العمل به بعد مذكرة لوالي الجهة منذ السنة الماضية حول هذا الموضوع. وأضاف المتحدث نفسه، أن فعاليات المجتمع المدني بجهة سوس ماسة، تستعد للخروج في إطار حملات التحسيس والتوعية بطرق جديدة وفعالة، قصد الحفاظ الماء، والعمل على ترشيد طرق استعماله، خاصة في ظل الظرفية الحالية التي تعيشها المنطقة وعموم البلاد، مشيرا لوجود طرق غير مقبولة لاستهلاك الماء حاليا والتي لا يمكن أن تستمر بسبب تهديدها للأمن المائي للمنطقة. من جانبه قال محمد بن عبون، المهندس والخبير في المناخ والتنمية المستدامة، إن المغرب يعيش اليوم في وضعية استثنائية لأن المخزون المائي المتوفر هو 5 مليار متر مكعب من الماء في السدود لحدود يوم أمس الثلاثاء، والذي يكفي فقط لتزويد مجموعة من المدن، في حين أن مدن أخرى ستعاني جراء نقص الماء في العديد من الأحواض المائية كملوية وأم الربيع وحوض كير زيز غريس، التي سجلت عجزا كبير بسبب شح التساقطات المطرية لسنوات متتالية. وأشار بن عبو في حديثه مع موقع " الأيام 24 "، إلى مجموعة من المدن الكبرى، كوجدة ستعرف عجزا مائي، وهو ما دفع وكالة توزيع الماء قدمت إعلانا حول وجود تذبذب في التزود بالماء في مراحل متكررة، نظرا لقلة الموارد المائية، كما وقع لأكادير السنة الماضية وكذلك باقي المناطق بجهة وسوس ماسة. وأكد المتحدث ذاته، أن يجب وضع خارطة طريق للتعامل مع ندرة المياه بالمغرب وشح التساقطات المطرية، نظرا لوجود تحديين أساسيين، أولهما تجاوز مرحلة الصيف المقبل بأقل الأضرار الممكنة والخسائر نظرا لضرورة وجوب تزويد المناطق التي تعرف شحا في الماء، والثاني أن المغرب يعيش سنة من الجفاف وهو ما يتطلب مراعاة المواشي والفلاحة. وحول الإجراءات التي تتخذها الحكومة وخاصة وزارة التجيز والماء، قال بن عبو إن هذه الإجراءات "تعود المغرب على القيام بها في كل سنوات الجفاف، وأصبح "المغرب" يعيش الجفاف كأنه شيء دائم"، مضيفا أن "الخطير هذه السنة، هو الفرشة المائية تم استنزافها لسنوات طوال ولم يكن استهلاكها بالطرق المثلى والمحافظة عليها". وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه "دائما يتم القيام بحملات التحسيس اتجاه المواطن للحافظ على الماء، في حين أن الإدارات العمومية تستهلك 5 بالمائة من المواد المائية الوطنية كل سنة، وهو رقم لا يتم الحديث عنه"، مضيفا أنه "يجب كذلك أن يتم توعية الموظفين والشركاء والمنخرطين في الإدارات والمؤسسات الوطنية بضرورة الحفاظ على الماء"، كما قامت به وزارة الدخلية بتوجيه مصالحها من أجل وقف تزويد المساحات الخضراء والملاعب والمسابح بالماء الصالح للشرب، واستعمال المياه المعاد تدوريها. من جهة أخرى، أفاد وزير التجهيز والماء، نزار بركة، بأن حجم المخزون المائي بحقينات السدود، بلغ، إلى غاية 28 فبراير 2022، حوالي 5.3 مليار م3، أي ما يعادل 32.7 بالمائة كنسبة ملء إجمالي مقابل 49,1 بالمائة في الفترة ذاتها من السنة الماضية. وأكد بركة في عرضه أمس الثلاثاء بمجلس النواب، أن المخزون المائي المتوفر حاليا بالسدود سيمكن من تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة لجميع المدن الكبرى المزودة انطلاقا من السدود في ظروف عادية، باستثناء تلك الموجودة بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت وكذلك كير زيز غريس التي من المرتقب أن تعرف بعض الصعوبات في التزويد بالنظر الى المخزون المائي الحالي الضعيف بالسدود في هذه الأحواض. وأبرز أنه لمواجهة هذه الوضعية، تم إعداد مجموعة من الاتفاقيات بين مختلف المتدخلين من أجل تنفيذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب بمختلف مناطق هذه الأحواض، بكلفة 2 مليار و 42 مليون درهم موزعة على حوض ملويةب 1318 مليون درهم، وحوض أم الربيع ب 202 مليون درهم، وحوض تانسيفت ب522 مليون درهم. كما ذكر الوزير بأن معدل التساقطات سجل، عند متم فبراير المنصرم، عجزا بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية بنسبة تتراوح ما بين 30 بالمائة إلى 50 بالمائة على صعيد حوض كير زيز غريس وحوض درعة واد نون، وما بين 60 بالمائة إلى 70 بالمائة على صعيد أحواض اللوكوس وسبو و أبي رقراق و الساقية الحمراء وادي الذهب، ومابين 71 بالمائة إلى 80 بالمائة على صعيد أحواض سوس ماسة و تانسيفت و أم الربيع و ملوية. وأضاف أن الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجل بمجموع السدود الكبرى للمملكة بلغ، خلال الفترة الممتدة من فاتح شتنبر 2021 إلى غاية 28 فبراير 2022، حوالي 732 مليون م3، مما يشكل عجزا يقدر ب 89 بالمائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات. وسجل الوزير أن النسبة الحالية أقل من 33 بالمائة مقارنة مع فترات الجفاف خلال الثمانينات والتسعينات، مشيرا إلى أن المغرب يشهد فترات حادة من الجفاف بصورة دورية مثل الفترة الحالية، لاسيما خلال الثمانينات والتسعينات التي كان فيها التأثير شديدا في المجال القروي وعلى الأنشطة الفلاحية. ولضمان التزويد بالماء الصالح للشرب ومواجهة آثار الوضعية المائية الصعبة التي تشهدها أو ستشهدها بعض مناطق المملكة، أكد بركة أنه تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية، بتنسيق بين مختلف المتدخلين، تتمثل في تفعيل لجان اليقظة في مختلف العمالات أو الأقاليم في المناطق التي تعاني خصاصا، وتسريع أشغال تزويد المراكز القروية والدواوير انطلاقا من منظومات مائية مستدامة، في إطار المخطط الوطني للتزويد بالماء الشروب والسقي 2020-2027 الذي تم إعداده تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، وتقوية عمليات استكشاف موارد مائية إضافية خصوصا عبر إنجاز أثقاب لاستغلال المياه الجوفية، والاقتصاد في استعمال الماء والحد من الهدر، خصوصا بقنوات الجر والتوزيع. كما تشمل هذه التدابير، وفق الوزير، مباشرة حملات تحسيس واسعة النطاق لإقرار التعامل العقلاني مع الموارد المائية، وتزويد المراكز والدواوير التي تعاني من شح الموارد المائية والبعيدة عن المنظومات المائية المهيكلة عن طريق شاحنات صهريجية، تخصيص دعم مادي مهم من أجل إنجاز مشاريع للتزويد بالماء الشروب، وذلك في إطار البرنامج الوطني للتقليص من الفوارق الترابية والاجتماعية، فضلا عن إيقاف سقي المساحات الخضراء بواسطة الماء الشروب واللجوء إلى استعمال المياه العادمة المعالجة حال توفرها.