أعتقد أن المغاربة يفهمون كل الفهم أن السلفيين إخوان وأخوات لنا أفرزتهم مجتمعاتنا وتربيتنا الإسلامية التي تغذينا بها سويا قبل أن نصطدم وتصطدم مسلماتنا الموروثة عن الأجداد بواقعنا اليومي. واقع نتجرعه عن مضض ولم نهضمه بعد. في زماننا هذا، لم تعد مسلماتنا صالحة لكل الأماكن، رغم أنها كانت الغالبة والغازية خلال قرون خلت. ورغم هذا الوعي لواقعنا اليوم لم يعقد المغاربة العزم على مصارحة أنفسهم لتغيير ما بأنفسهم كي يستجيب القدر لتطلعاتهم إلى عيش كريم في صدق وأمان. فأغلبية المغاربة تواقة لإرساء ولبناء دولة القانون. دولة يحتكم مواطنوها لقوانين وضعية لا تقيدنا بما عاش في ظله الأجداد. قوانين يسنها بشر نختارهم ولا يتعالون علينا بمجرد إضافة طربوش أو عمامات فضفاضة على رؤوسهم ليتحدثوا باسم الأموات أو السماوات التي نعلم جميعا أنها لا تنزل للمساءلة وللمحاسبة أمام الشعب وممثليه بمجلس الشيوخ أو مجلس النواب، ولا تمثل أمام قضاتنا ومحاكمنا البشرية. يتوق المغاربة إذن لقوانين وضعية مهمتها تشييد نظام جديد يلبي مصالح بشرية أرضية، نعلم جميعا أنها متغيرة عبر الزمان والمكان تبعا لمصالح الأغلبية على حساب الأقلية. تولى عهد ما سمي بالإجماع الذي لم يكن شيئا آخر غير اتفاق نخبة الخاصة على حساب عامة الناس. لكن هذا المشروع النبيل يصطدم دائما مع ما ترسب بأعماق أنفسنا عبر قرون تكونت وترعرعت خلالها هويتنا العربية-البربرية التي يغلب عليها الطابع الإسلامي. تاريخ ظل مفخرة لنا حيث توسعت رقعة سلطتنا على جيراننا ببلاد الأندلس وبلاد السود وأخرى بشمال إفريقيا. إلا أن المد الفرنسي والإسباني أرغمنا على الاعتراف أن جيران الشمال أصبحوا أقوى شوكة ورصاصا منا، إلى حد أننا مرغمون اليوم على كتمان ما أمر به سلفنا وخلفهم : "كتب عليكم القتال وهو كره لكم". فهذا قانون من أشهر القوانين غير الوضعية التي ما زال السلفيون الجهاديون يودون أن نمتثل لها فرادى وجماعات وكأنما لم تتغير موازين قوتنا أو بالأحرى ضعفنا. لكن هيهات بين الأماني وامتلاك الأسلحة النووية والطائرات الصاعقة والحاملات البحرية لأسلحة الدمار التي تقف بالمرصاد لكل من اعتقد أنه يمكن العودة لفتوحات الأجداد. فعوض أن نصارح إخواننا من السلفيين وأن نعلم أبناءنا أن غزوات السلف ما هي إلا حروب ضارية وعدوان ضد الجيران لاستعمار أراضيهم، عوض هذا يعتقد البعض أنه من الممكن التضحية بإخوان لنا من السلفيين الجهاديين لنتفادى عملية جراحية تمس ضمائرنا المستترة. نعتقد أن هاته التضحية كافية للتخلص من عنفنا المشترك الذي ورثناه عن الأجداد والذي يسكنهم ويهوسهم أكثر من بقية المواطنين. آن الأوان يا إخوة ويا أخوات المسلمين لمراجعة أنفسنا كي نتجرأ على دفن الأجداد وأمجادهم ولنترحم عليها كما ترحم الأوروبيون على حروبهم الصليبية وعلى الإمبريالية التي لم يعد أحد منهم يمجدها. فالعملية التشريحية لتاريخنا ولهويتنا لا بد وأن تطال كل المغاربة وألا تقتضر على تجريح السلفيين أو نحر المتطرفين منهم كأكباش فداء تكفر عنا سوء مراغاتنا الفكرية المشتركة. هذا إن كنا صادقين وغير مخادعين لأنفسنا ولإخواننا.