لم يبقى لسكان قبائل أيت عبدي غير الاستنجاد بالملك محمد السادس بعد أن خاب ظنهم في السلطات التي ظلت تمطرهم بالوعود، فقد وعدهم الوالي أن يزورهم ولو على طائرة هيلوكبتر.
""
"هسبريس" تعرض حكاية قبيلة أيت عبدي الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي لإقليم أزيلال ،والتي تعرف في سجلات الداخلية ب "أيت عبدي" وتتكون من ثلاث مشيخات، " أيت عفال" و"أيت ودير" و "أيت خويا حماد"، ومن أربع دوائر انتخابية "تافراوت"،و"إمضر تناتامينن" و "زرشان" وهي تابعة لجماعة زاوية أحنصال ،تقدر ساكنة آيت عبدي بحوالي4000 نسمة تعيش كلها على الرعي و تربية الماشية بطريقة جد تقليدية، بالإضافة إلى زراعة بسيطة معاشية في مجملها، تقام على الضفاف الضيقة للأودية و روافدها. تعاني هذه القبائل من الأمية والفقر والعزلة والتهميش ، كما تعاني قساوة الطبيعية.
مغاربة القرن الواحد والعشرين الذين يسكنون الكهوف
تعرف المنطقة بتضاريسها الوعرة، والانحدارات القوية، الأمر الذي لا يساعد على قيام فلاحة ذات مردودية، أما الأعراف الجبلية الشاهقة فهي في الغالب مكسوة بالثلوج وتشكل دائما حاجزا أمام تنقل أبناء المنطقة، رغم محاولات عدة من السكان لفك العزلة بشق طرقات للراجلين و الدواب فقط بسبب طول المسافة وصعوبة شق المعابر في الأوساط الصخرية البركانية.
وتعرف المنطقة سبعة أشهر من الشتاء البارد جدا، حيث تتساقط الثلوج بكمية كبيرة تعزل المنطقة عن العالم الخارجي، و تحاصر المراعي و يندر الماء بسبب التجمد، و يقل الكلأ للماشية، و يتعذر التنقل لجلب المؤونة، و قد عرفت المنطقة العديد من ضحايا الثلوج سكت عنها الإعلام الذي لم يتكلف مشاق الوصول إلى مغاربة القرن الواحد العشرين الذين لازالوا يسكنون الكهوف.
قصة مأساة وسط الثلوج عنوانها الموت أو الإعاقة الدائمة
تعد "تيزي نملغاس" الممر الوحيد للساكنة لجلب المؤونة ( من سكر و شاي و دقيق ليس إلا.. ) في فصل الشتاء حيث تحاصر القرى بالثلوج، وقد خلفت الظروف المناخية القاسية على مر السنوات العديد من الضحايا، ففي سنة 1982 مات أحد أبناء المنطقة "سعيد اوحساين" بسبب البرد الشديد، وفي سنة 1986 قضى "حدو الكبير" الذي حاصرته الثلوج و ترك أربع أيتام و أرملة، و في بداية التسعينات مات "خربوش موحى اوحدو"، و من الضحايا الجدد للثلوج في أيت عبدي "السليدي علي اوحدو" في 2006 ; موحا مزيان في 2009 و في الاسبوع الاول من شهر فبراير الجاري توفي 6 أطفال بعد انهيار منزل على رؤوسهم ...و اللائحة طويلة ..
بعيون دامعة يروي هؤلاء الرجال والنسوة والأطفال قصة مأساتهم ، حيث يعاني الكثير منهم من إعاقات، بعد أن قطعت أرجلهم وأصابعهم بسبب برودة الثلج، وهم يحاولون جلب الدقيق في زمن العواصف الثلجية، التي تجعل الكثيرين يتيهون وسط الجبال وغالبا ما يموتون أو يتعرضون للإعاقة بسبب البرودة، و من الماسي التي تحتاج لفتح تحقيق، الأحداث المؤلمة التي وقعت ولازالت تحدث كل أسبوع و كل شهر، الأمر يتعلق بوفاة النساء الحوامل و هن في الطريق يبحثن عن أقرب مستوصف من اجل الوضع، سواء في زاوية أحنصال أو في قرى إقليمورزازات المحاذية لجبال أزيلال .
الأموات والحوامل يقتسمون وسيلة نقل واحدة
تتعدد فصول حكاية وفاة العديد من النساء الحوامل في الطريق، حيث تنقل النساء الحوامل على النعوش ويتناوب رجال المنطقة على حملهن على طول الطريق الجبلية الشاقة، وفي غالب الأحيان تقع الكوارث حيث توفيت العديد من النساء بسبب الوضع على بساط الثلج القارص، و أحيانا بسبب النزيف الذي يلي الوضع وأحيانا يفقدن مواليدهن نتيجة البرد القارص، حكايات الوضع لا زالت تتكرر و يرويها أبناء المنطقة على مضض لكل زائر و عابر سبيل .!
فإذا مر الشتاء بقسوته فإن الصيف يكشف عن وجه آخر للمأساة، حيث تخرج العقارب من جحورها، وتكثر التسممات الغذائية ، وتغيب الإسعافات الأولية مما يعرض الأطفال للعديد من المخاطر التي تحول العزلة دون إسعافهم. وينتصب الخصاص الطبي بالمنطقة معلنا خلو المنطقة ولم من " الدواء الأحمر" أرخص وصفة على وجه الكرة الأرضية، فالمنطقة تتوفر على مستوصف واحد بني سنة 1982 في قرية " إميضر" و لم يسبق له أن استقبل أي أحد.
المدارس تتحول إلى أطلال وأجيال تلتحق بطوابير الأميين
عبر الكثير من أبناء أيت عبدي الذين التقتهم " هسبريس" عن استيائهم من تقصير السلطة الوصية وعدم بذلها أي مجهود في تفقد ما تعانيه قبائل بأكملها من غياب التمدرس بصفة نهائية، فمدارس "تفرا وت" و"إمضر" و "تناتمين" و "زرشان" توقفت بها الدراسة منذ 2005 إلى اليوم. مما تسبب في ضياع أجيال بأكملها، وتحولت في عز طفولتها إلى الرعي.
وتكتفي نيابة التعليم بأزيلال بالحديث كل سنة عن الخصاص في اطر التدريس عند كل دخول مدرسي. فالمدارس بالمنطقة بدون مقاعد و نوافذها مكسرة و أبواب مخربة، و جدرانها آيلة للسقوط.
"إبعاد الإدارة من المواطنين" واقع قبائل أيت عبدي
يفتقد الزائر لهذه المناطق لرؤية الأشياء التي ترمز إلى حضور الدولة لدى قبائل أيت عبدي، فالسكان يحكون بمرارة الحيف الذي طالهم بحكم غياب مؤسسات الدولة في منطقتهم، والتجاهل الذي يعانون منه كلما فكروا في اللإحتجاج لدى السلطات الإقليمية أو الولائية، ولا يكون نصيبهم من هذه الزيارات غير الوعود التي لا تأتي بشئ، ولا تغير من حال واقعيهم شيئا، فالحصول على وثيقة بسيطة كعقد الازدياد يستلزم قطع مسافة يومين أو ثلاثة أيام في المسالك الوعرة، وقد يقتضي الأمر المبيت في إحدى المقاهي بالسوق الأسبوعي ،وأحيانا حمل الزاد و الماء في رحلة للعودة بعقد ازدياد أو ما شابه ذلك .
وبعد سنوات من الاحتجاج تم تشيد مكتب للحالة المدنية سنة 1999 إلا أنه لم يشتغل منذ ذلك التاريخ،ولم يزره أحد.