في المرتفعات الغربية لجبل كوسر بأيت عبدي زاوية أحنصال التابعة لإقليم أزيلال، تتواجد منازل عبارة عن كهوف ومغارات مأهولة، تسكنها أسر لا حول لها ولا قوة. حكاية قبيلة أيت عبدي الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي لإقليم أزيلال، تعرف في سجلات الداخلية بأيت عبدي، وتتكون من ثلاث مشيخات، أيت عفال وأيت ودير وأيت خويا حماد، ومن أربع دواوير وهي تافراوت، وإمضر وتناتامين وزركان، وتفوق ساكنة المنطقة 4000 نسمة، نزح عدد منها إلى المدن المجاورة هربا من قساوة الطبيعة. وتواجه هذه الأسر إكراهات الفقر والعزلة، في انتظار انطلاق المشاريع التي وعدت بها السلطات من طريق يفك العزلة عن المنطقة ومستوصفات ومدرسة جماعتية، ومخزن لمواد الإغاثة، ومدرج لهبوط المروحيات. الثلج الأسود تتعرض منطقة أيت عبدي كل سنة لموجة من العواصف المطرية والثلجية، تختلف حدتها من سنة إلى أخرى، ولساكنة المنطقة قصة مع العواصف الثلجية، إذ قضى عدد من المواطنين نحبهم في السنوات الماضية وهم في الطريق لجلب المؤونة، كما توفي عدد من النساء الحوامل بسبب غياب دور الولادة والمستشفيات، وتغيب الإسعافات الأولية، مما يعرض الأطفال للعديد من المخاطر التي تحول العزلة دون إسعافهم. وينتصب الخصاص الطبي بالمنطقة معلنا خلو المنطقة ولو من الدواء الأحمر، فالمنطقة تتوفر على مستوصف واحد بني سنة 1982 في قرية إميضر، ولم يسبق له أن استقبل أي مواطن. باستثناء ما قامت به مندوبية الصحة بأزيلال بشراكة مع جمعية السكري في دجنبر الماضي، إذ نظمتا قافلتين طبيتن قدمتا علاجات للمرضى وأدوية، ما عدا ذلك، تغيب في أيت عبدي كل المعالم التي تشير إلى وجود الدولة، إذ لا وجود لطريق أو مدرسة أو مستوصف... باستثناء المقدم وشيخ القبيلة، عدد من أبناء أيت عبدي التحقوا بطوابير الأميين، وحرموا من متابعة حقهم في التدريس، إذ توقفت الدراسة في المنطقة بشكل نهائي منذ .2005 سبات قاسي يمكث السكان بمنازلهم في وقت العواصف الثلجية، يتناوبون في كسح الثلوج بالليل والنهار من على سطوح منازلهم مخافة أن تهوي على رؤوسهم من ثقل الثلوج عليها. ويتجمعون حول المدفئة ويتبادلون أطراف الحديث في غياب التلفاز، فالنقل التلفزي الأرضي لا يصلهم، ويلتقطون موجات الراديو بصعوبة. ويفتقر أغلب سكان المنطقة إلى مستلزمات البرد والثلج لحماية أصابعهم وأجسامهم من شدة البرودة، عدد من الشهادات من المنطقة أقرت بأن عددا من المواطنين قطعت أرجلهم وأصابعهم بسبب برودة الثلج، وهم يحاولون جلب الدقيق إبان العواصف الثلجية، التي تجعل الكثيرين يتيهون وسط الجبال، وغالبا ما يموتون أو يتعرضون للإعاقة، وتفاديا لمثل هذه الحوادث المؤلمة، يلجأ السكان إلى اقتناء المؤن لادخارها لوقت الشدة، والتي لا تخرج عن الدقيق والسكر والشاي والشمع والزيت، فأبناء أيت عبدي حرمتهم العزلة والبعد عن الأسواق من أكل الفواكه والخضر واللحوم بشكل دوري، فلا مجال للحديث عن التنظيم والتنوع الغدائي والفيتامينات والبروتينات. فالثنائي الغدائي المعروف يظل هو الشاي والخبز. أهل الكهف توجد عدد من العائلات في المنطقة تسكن بالكهوف ليس عشقا لها، ولكن نظرا لقلة الإمكانيات، صاحب إحدى المغارات وهو موحى (56 سنة) متزوج وله خمسة أطفال، قسم المغارة إلى غرف تفصل بينها قطع من الحجر، وفي الجانب المسند على الجرف استغل ثقب الجدار الحجري لوضع بعض المستلزمات اليومية، وموحى الكساب الذي يسكن مغارته منذ ,1958 عايش عواصف قاتلة أتت على عدد من رؤوس ماشيته، ففي السنة الماضية نفقت أربعون من رؤوس الماشية التي يملكها، ولم يسبق لبناته وأبنائه أن ولجوا المدرسة، موحى روى لالتجديد عن الوفيات التي عرفتها منطقة أيت عبدي، سواء التي كانت بسبب الثلوج أو التي نتجت عن السقوط من أفواه المغارات، وكان آخر الضحايا رجل في عقده السادس. طفولة مختلفة تعيش طفولة أيت عبدي حرمانا غير مسبوق في تاريخ المغرب الحديث، وأول مظاهر هذا الحرمان هو بُعدها عن المدرسة في مناطق وغيابها بشكل نهائي في عدد من الدواوير، أما الاستثناء في الموضوع فهو وجود المدارس في مناطق التجمعات السكنية؛ لكن بدون أطر تربوية، هذا المشكل يتحمل مسؤوليته الجميع من دولة ومجتمع مدني وغياب روح المواطنة لدى بعض رجال التعليم الذين يتم تعيينهم في منطقة أيت عبدي، ويرفضون الالتحاق، فقد سجل بنيابة التعليم بأزيلال انقطاع عدد من المعلمين وتخليهم عن مناصبهم لعدم قدرتهم على تحمل قساوة طبيعة أيت عبدي في الفصل الممطر. كما تفتقر طفولة أيت عبدي إلى أبسط وسائل الترفيه، كالتلفاز والملاعب ولعب الأطفال البسيطة التي يداعبها كل طفل في سنواته الأولى. فأطفال أيت عبدي كبروا بسرعة وأصبحوا رجالا قبل الأوان، وتحولوا إلى رعاة ومصادر الرزق.. والتحقوا بطوابير الأميين الذين يعيشون في أيت عبدي... في انتظار الوعود تابع أعيان أيت عبدي وممثلوهم في المجلس الجماعي بزاوية أحنصال كل البرامج التي سطرت لفك العزلة عن منطقتهم، وقد عاينوا مع السلطات المختصة ملابسات تعثر إنجاز الطريق إلى أيت عبدي، إذ تبين لهم أن الأشخاص الذين رافقوا مكتب الدارسات في 2008 غير ملمين بمنطقتهم وبالمسار الصحيح للطريق قيد الدراسة، وتبين أيضا أن مكتب الدراسات لم يستعن بالأطراف اللازمة. وينتظر المواطنون في أيت عبدي بشغف كبير خروج كل وعود السلطات الوصية إلى الوجود، وتعلق الأمر ببناء مدرسة جماعتية ووحدة صحية وبناء السوق الجماعي ووحدة لتخزين وبيع المواد الغذائية، والتزود بالماء الصالح للشرب، وبناء مركب إداري، وتهيئة مدرج لهبوط المروحيات، مع اقتناء أجهزة للاتصال في .2010 وسيفتح بناء الطريق إلى أيت عبدي آفاقا تنموية كبيرة، إذ تتميز المنطقة بشساعة الأراضي التي من المنتظر استغلالها لغرس الأشجار المثمرة التي تتطلب مناخا باردا، كما هو الشأن بمنطقة إفران والحاجب.