لقد أصبح اليوم فن الإضحاك صناعة تستثمر فيها شركات كبرى ملايين الدولارات، قصد الترويج لبضائع شتى، وهي تستهدف كل الطبقات الإجتماعية. وأصبح ميدان السياسة أيضا، وخاصة بعد انتفاضات الربيع الديمقراطي، مهووسا ب"كليبات، ومقاطع كوميدية" تروج فيها المنظمات و الأحزاب، وجهات نظرها، لأن هذه الطرق الأكثر تأثيرا في الرأي العام. والشعب المغربي يحب الضحك حتى قال:" إلى اكثر الهم كيضحك" يعني حتى في أحلك الظروف ممكن أن نضحك. والفكاهة من الجوانب المميزة للسلوك الإنساني، أما الضحك فهو التعبير الجسمي عن هذا الجانب. لقد قال الكاتب الفرنسي"رابليه" :" إن الضحك هو الخاصية المميزة للإنسان" وهذا صحيح فكل الكائنات لا تستطيع التعبير عن مشاعرها بالابتسامة أو الضحك إلا الإنسان، وهذا من فضل الله على البشرية فما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل. والمغاربة لهم باع طويل في فن الإضحاك أو" التقشاب" بالدارجة، و"النكتة" تعد حجر الزاوية في تنشيط الجلسات العامة والخاصة. بحيث يساهم فيها الجميع كبارا وصغارا سواء من جهة السرد أو التأليف فهذا الميدان لا مجال للحديث فيه عن حق الملكية الأدبية ل" النكتة" أو حقوق المؤلف، فبمجرد ما يحكيها الأول حتى تتناقلها الألسن فتسري في البلاد سريان النار في الهشيم، طبعا مع الإضافة والتحوير بل قد تعبر الحدود فتصبح عالمية. وهذه الخاصية التي تتمتع بها النكتة ساهمت في نشرها داخل الوطن وخارجه، وهذا من حسن حظ الشعوب. وتأملوا معي لو كنا نحتاج إلى تصريح خاص من وزارة الداخلية لرواية "نكته" وأنتم تعلمون شروطها "..سجل عدلي، حسن السلوك، 12شاهد، شهادة السكنى... تم بقينا" لكن الحمد لله لا يحتاج الراوي إلا لذاكرة حافظة ثم يقول:" هدا واحد الرجل .." ثم يسرد النكته بكل حرية، وفي بلدنا المغرب لا تكاد تجد شخصا في حرز من سهام التنكيت مهما علا شأنه، فلكل يقع تحت سطوتها ولا أحد فوق "قانون"النكته، لكن بعد الحملة التي واجهت أبوزيد بسببها صار لزاما على مجلس النواب إصدار قانون تنظيمي ل"للتنكيت" !! . لقد كان أحد الوزراء قديما هدفا للسخرية والتنكيت ونظرا لفرط "ذكائه" أمر أحد المقربين منه بجمع كل النكت التي قيلت في شخصه المحترم، ونسخها في كتاب ثم يرمى به في البحر، و قيل:" إن السمك في صبيحة الغد خرج من البحر ضاحكا". وهذا نموذج للنكتة وكيف تتفاعل مع الواقع. لهذا فالنكتة تعد سلاح الشعوب في مواجهة الطواغيت المفسدين، ففي أشد فترات القمع تختفي من التداول نهارا وتسري بالليل دون انقطاع. وقد تكون وثيقة تاريخية تحكي عن فترة تاريخية ك"..نكت البون. أو عام الجراد. أو الجفاف..." المهم أن النكتة ترافق الشعب في السراء و الضراء، فهي مسرح الفقير الذي لا يحتاج فيه لا ترخيص ولا ديكور و لا سينريست" والمغاربة كانت" قشا بتهم واسعة " لا يتذمرون من سماع نكت ضدهم بل يسردون نكت أخرى لرد عليها فيضحك الجميع وينفض الجمع بسلام. لكن اليوم ضاق صدر المغاربة ولم يصبح عندهم "اتساع فالخاطر.." فبمجرد سماع بعض المغاربة عن نكته قيلت في دولة أجنبية تستهدف مكونا من الجنوب حتى قامت القيامة، فهناك من طالب بالمحاكمة وآخر طالب بالاعتذار، وزاد آخر"سحب الحصانة والجنسية وهناك من طالب برأس الراوي.. " ! ولم يقع شيء من هذا حين نشرت مجلة "نيشان" تحقيقا حو التنكيت عند المغاربة، و سردت المجلة نكتا مست العقيدة وتحدثت تلك النكت عن" الرشوة في الآخرة.. يوم الحساب" وكذا ".. قال ليك هذا الله ..." لكن لم تقم هذه الضجة !! فمن وجهة نظري فالمغاربة كلهم معرضون للمحاكمة إذا طبقنا هذا المنطق. فالتنكيت ساهم فيه الجميع ضد الجميع فينكت السوسي على العروبي والعكس صحيح، دون الشعور بمركب نقص. وهذا يسري على باقي المناطق المغربية سواء في السهل أو الجبل" عبدة. دكالة. الرحامنة. السراغنة.." ، ولقد انخرطت في موجة الفكاهة عاصمة المرابطين مراكش وعاصمة الأدارسة فاس فكانت المنازلة بين"اجحا د فاس و جحا د مراكش" حيث أسفرت هذه المواجهة عن إيصابات فيها "الطايح أكثر من النايض" طبعا من فرط الضحك، حيث كانت كل مدينة تعتبر "جحاها" هو البطل. إوا با المعطي أش ظهر ليك؟ اولدي هدا واحد الرجل... شوف حتى انكونو بوحدنا أونكمليك!! ملاحظة: حتى بالمعطي ولا خايف ليصبح مطارد.. [email protected]