بنكيران يحب النكت. رئيس وزرائنا الجديد يعشق المستملحات، ويحب أن يروح على نفسه ساعة فساعة، مثلما جاء في المأثور، لكن الظاهر مع الحكومة الجديدة وقائدها أن التنكيت سيجاور التبكيت في البلد، وأننا سنمضي وقتا طويلا في حكي النوادر لبعضنا البعض ريثما تنقشع الغمة السياسية المطلة على الوطن، وريثما نبدأ العمل الحقيقي لا عمل النكت المضحك، لكن غير المجدي كثيرا في نهاية المطاف. وقد قال الحكاية الكاطبة اليوم أن سبب تأخر الإعلان رسميا عن تشكيلة الوزراء الجد أن بنكيران لم يعصر على عناصر تتقن التنكيت مثله، وأنه مصر على أن يكون مجلس الحكومة كلمرة مجلسا لتبادل النوادر، مايعني استثناء كل من لم تتوفر فيه هذه الخصلةالحميدة من لائحة الاستوزار، وهو السبب الذي جعل زميلنا عبد الله البقالي من هيئة تحرير العلم يحرم من الجنة الحكومية حسبما روت الأساطير التي تروج اليوم في صحافتنا، لأن المعروف عن عبد الله أنه لايضحك كثيرا، بل هو جعل من ركن في الصفحة الأولى من القيدومة "العلم" مكانا لتصفية الحسابات مع الجميع مما يتوقع له الاستمرار طالما أن الاستوزار لم يمس "بلظاه" الرجل.
وقديما كان المغاربة يسمون المراكشيين نسبة إلى مراكش التي كانت تعطي إسمها للمغرب كله، والمعروف عن أهل مراكش الميل التلقائي والطبيعي للتقشاب بشتى أنواه، بما فيه النوع المقلوب الذي يجلب على أهل مراكش كثيرا من النظرات الشزراء في كل أنحاء المعمور، حتى حكت النكتة الحامضة أن شخصا وقع منه درهم أرضا في ساحة جامع الفنا فدفعه برجله حتى بنكرير لئلا ينحني في الساحة، فيقع له أي "مكروه"، مثلما حكت النكتة الحامضة الأخرى أن بعض المراكشيين احتجوا بشدة لأنهم لم يكونو أول مدينة في المغرب يصلها الترام واي, علما أنه مشتق من كلمة مقربة لبعضهم كثيرا, ولعلنا اليوم ونحن نحكي النكت الحامضة تلو النكت الحامضة ندفع القارئ إلى طرح التساؤل "هادا مالو اليوما؟".
والجواب لدينا جاهز جدا، فمنذ أن علمنا أن رئيس حكومتنا يتوفر فقط على النكت الحامضة، ويكون على أهبة إطلاقها قبل أن يلعن الشيطان ويعود عن هذا الأمر الجلل، فإننا قررنا أن يكون ديدننا باستمرار على منوال الرجل الذي منحناه الأغلبية ومعها منحناه حق تسيير البلد للسنوات الخمس المقبلة بأن نخصص بين الفينة والأخرى عمودا لحكي ماحمض من النكت لكي يرضى عنا الرئيس ويعرف أنه بصدد تكوين مدرسة سياسية في البلد إسمها مدرسة النكت الحامضة.
البعض سيقول: لسنا بحاجة لسرد النكت الحامضة، فالبلد مليء بها، وقد رأينا الاتحاديين مثلا يسردون علينا واحدة من أكثرها حموضة يوم التصويت على غلاب، حين اكتشفوا أن هناك تنافيا كبيرا بين وضع غلاب كوزير في الحكومة المنتهية صلاحيتها، أو "البيريمي" بلغة السوق، وبين وضع نفس الغلاب وهو يصبح خليفة الراضي في قبته، مما لم يرق للاتحاديين نهائيا ودفعهم للانسحاب من البرلمان كله ريثما يعثرون على شيء فعلي يعارضون به الحكومة التي لم تبدأ عملها أصلا حتى الآن.
نكتبة أخرى من الحوامض رأيناها مع مقلب العدل والإحسان في حركة 20 فبراير، حين قرر الياسينيون أن يحملوا قومتهم ومناماتهم وكل أضغاث الأحلام التي يؤمنون بها إلى مكان آمن آخر غير المكان الذي ألفوا كل نهاية أسبوع أن يودعوها فيه, بعد أن اقتنعوا أن البيكنيك الديمقراطي جدا الذي يلعبون فيه دور "الحضاية" من خلال سلاسل الحراسة التي كانوا يتولون أقامتها في المسيرات، لن يأتي بالمراد الذي يشغل البال منهم، فقرروا أن ينقلوا النضال "الشعبي" إلى مكان آخر، تاركين العشرينيين يتامى الحاجة إلى الجمهور الذي كانت تتكفل العدل باستقدامه كل نهاية أسبوع، مقابل أن يأتي العشرينيون بمبرر الخروج إلى الشارع الذي يمنع الجماعة من الاصطدام مع السلطات في هذا الزمن على الأقل.
اليوم يحيا العشرينيون لحظة سؤالهم الكبير: واش قولبونا هاد خياتي؟ ولن نذهب حد التأكيد على أن ماوقع فاق "التقوليب لهيه"، لكننا سنكتفي بالقول إن الأمر مجرد نكتة حامضة أخرى من طينة تلك التي يحفظها بنكيران والتي اكتشف حسبما روى لأعضاء حزبه أنه لايستطيع روايتها متى شاء، خصوصا حين يكون في مقامات تفرض عليه اختيار النكت التي يريد سردها، سيما وأن المنافسة حادة للغاية، والنكت الحامضة في البلد متوفرة في العرض أكثر مما يريد الطلب عليها، وآخر النكت التي لم تضحك المغاربة لكنهم تابعوها على كل حال، ماوقع لمدير وكالة المغرب العربي للأنباء على يد السلطات الموريتانية التي طردته شر طردة من نواكشوط، واتهمته اتهاما خطيرا للغاية بأنه يهدد أمنها، موحية للكثيرين أنها اكتشفت نشاطا مشبوها للرجل قد يمس نظام البلد الجار، علما أن كل من يتابعون علاقات المغرب وموريتانيا في الأشهر الأخيرة، يعرفون أن الجزائر بدأت تمد يدها إلى الطبق الموريتاني الحامي الذي يرعاه المغرب بكل الحدب الممكن، وأن أشياء كثيرة تغيرت في سلم أولوليات حكام نواكشوط الحاليين, الذين نريد لهم أن يضحكوا أخيرا لكي يضحكوا كثيرا، وألا يثقوا بماتريده المرادية وحكامها في الجزائر العاصمة، ذلك أن هؤلاء بالتحديد لايتقنون من النكت إلا أكثرها دموية ولاعلاقة لهم بالضحك لا من قريب ولا من بعيد.
أخيرا الله يخرج هاد الضحك على خير. هذا مايقوله المغاربة حين تحيط بهم النكت الحامضة من كل الجوانب.