يكفي لك أيها المتقيد بسلاسل الزمن أن تفك طلاسم وجهك المندهش، كي تعلم أنك في مراكب الجهل المتغلغل في الذوات تسير على عجل دون أن تعلم ما يؤطرك داخل بلدك، وما يؤسس لك وجودك الفعلي المادي. "" في مجتمعات ما قبل التاريخ، كان الناس يتواجدون على هامش الزمن، حيث تؤسس لتواجدهم بنيات مجتمعية غاية في الغرابة والتعقيد من عادات وتقاليد قد تنتفي فيها حدود المنطق والمعقولية، لتصبح مجرد أفكار متشظية منبعثة من هواجس السيطرة القبلية التي كانت سائدة في تلك الحقب التاريخية الميتة، غير مكترثة بآراء البعض باعتبارهم أناسا يصلحون فقط أن يفعلوا ما أُمِرُوا دون نبش في الخصوصيات، وأنت تتصفح تاريخك وبناء وجودك، بغية الوصول إلى مدارج النشوء والتأسيس التي جعلتك بنية فكرية متغياة تنتسب إلى مجتمع ما، وتتحدد من خلال أسلوب يبنين ثوابتك ومتغيراتك، تلمح بشكل قد لا يتبادر إلى أذهان البعض أنك تتلقن قوانينك عبر المخالفة غير المعروفة تنقلك من فضاءات التلقي المعقلن إلى فضاءات التلقي الحر غير المؤطر بضوابط وإواليات، الشيء الذي لا يجعل من تلقيك أمرا مقبولا ومشروعا، ونحن نشهد كل يوم ميلاد قوانين وقوانين وإلغاء قوانين أخرى قد لا يعرفها المواطن المتعلم الذي يبدو ملما بها، فكيف للمواطن الأمي- لانقصد أي تحقير- أن يعرفها ، حيث إن المتأمل في تاريخ محاكمات الأشخاص الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ، الواقعين في شباك خرق القانون، يدرك أننا نكون أمام النظرية القائلة " لا يعذر أحد بجهله للقانون "، فهل نستطيع أن نكون أكثر ديمقراطية وشرعية في اللحظة التي يحاسب المرء بقوانين لا علم له بوجودها أو لا علم له بإلغائها، لأنه ليست هناك خطة ثابتة تعرفه بها ، وقد لا يكون عدم العلم بتلك القوانين تقصيرا من الشخص أو تهاونا منه في معرفة ما يؤطر حياته داخل البلد، وإنما تتحمل الدولة مسؤوليتها في استغفال مواطنين أغلبهم أميون لا يفقهون حتى أبسط الأمور، فكيف أن يعرفوا القوانين التي يتوجب عليهم حفظها عن ظهر قلب حتى لا يقعوا عرضة لمحاكمات لم تكن في مخيلاتهم التي تشتغل فقط بمصائر الدنيا والآخرة ، والبحث عن لقمة عيش كريمة تحفظ لهم كرامتهم من الدوس والانتفاء. هكذا تبدو بنية التفكير في المجتمع المغربي بنية تتسم بنوع من اللاتمييز في مخاطبة الفئات الاجتماعية المتدنية من مثقفين وأميين، فكيف يمكن لمن لا يعرف أبجديات القراءة والكتابة أن يرسخ في ذهنه قوانين لها ميسم التعقيد والهلامية، وكيف لمن لا يعرف كيف يوقع على ورقة غير مدرك لفحواها أن تحملوه مسؤولية النيابة عن الأمة، وهو جاهل بالقوانين التي كان من اللازم أن يحفظها شكلا ومضمونا، في حين تتركون المثقفين العارفين بأبجديات المعارف القانونية في فضاءات التهميش و الإقصاء من مغرب يبدو أنه لا يكترث لأطره العليا التي تختار أغلبها الهرب من جحيم العطالة إلى فردوس الغرب ، الذي قد يفلح أحدهم في الوصول إليه أو قد تتقاذفه أمواج البحر ليصبح عرضة لجحيم آخر هو الموت غرقا، وفي أنفس هؤلاء شيء من الأمل في مغرب يعترف بطاقاته بدل تكسير عظامها أمام برلمان هو في منظور الغالبية العظمى رمزا للديمقراطية وإحقاق العدل على أرض الواقع، فهل حقا تصدق هذه المؤسسة إن قلنا إن القوانين التي تحرم مواطنين مغاربة من حقهم في العيش الكريم ومعرفة ما يؤطرهم تبقى قوانين جوفاء ؟ هي أزمة الذات والآخر ، هي أزمة التواصل في خطابات الوجود والعدم ، هي أزمة التعبير الفصيح عن جدلية إثبات الخصوصية والتفرد والتلقي والتلقين خصوصا حينما نعدم كيفية التعايش في مجتمع لا نعرف قوانينه. فهل حان الوقت أن تفكوا طلاسم وجوهكم كي تعبروا إلى معابر المنشأ الحقيقي، الذي يحقق للذوات أصل تواجدها على هذه الأرض أو تلك في منأى عن معاناة كان بإمكان المسؤولية الحقيقية أن تتجاوزها وأن تستبدل بدلها راحة بال وطمأنينة في الفهم والتلقي ؟! ... [email protected]