لا المغرب لا جميع الدول الإفريقية تشتغل على الفيروسات، وغير مهتمة بتنميتها أو تحليلها قصد فحص، اختبار أو الهجوم على البنية الكاملة للفيروسات الفتاكة أو الحميدة منها، لأن هذه التقنيات تستوجب خبرة عالية، أطرا مؤهلة وأموالا باهظة القاطنة وعابرة الحدود في الدول الثرية فقط. كم من ساسة دول الشمال تشدق "بالمرحلة الجديدة" التي تطبع العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، المفعمة بالثقة، الاحترام المتبادل والتعاون على قدم المساواة، وهذا الكلام الجميل، غير الملزم والمجاني متداول بكثرة في الصالونات المكيفة والبريئة، لا في بروكسيل، باريس، برلين أو لندن، ولكن إذا اتخذت المملكة أو كثير من الدول الإفريقية موقفا محايدا من حرب روسيا على أوكرانيا، قالوا: "هادا ماشي معقول، ضروري تبكي معانا، أو ما يخرج من الجماعة غير الشيطان"، وهكذا بدأت فرنسا تنتقم ولا تمنح التأشيرات اللازمة للمواطنين المغاربة بغية زيارة الأهل أو العلاج، كانوا خبراء، رجال أعمال أو من فئة "أيها الناس"، لماذا لا تتخذ الخارجية المغربية إجراءات مماثلة قصد ردع جبروت هذه المعاملة السيئة والعدوانية؟ مثلا في إطار الصفقات العمومية. كما نقرأ أحيانا عن الشراكة المثالية بين الدول الإفريقية وأوروبا، أكيد، النوايا حسنة، المشكل هو أنها لم تترجم بعد إلى أرض الواقع، لأن الحقائق عنيدة، الأسبوع الفارط صادقت دول أعضاء المنظمة التجارية العالمية بعد سنتين من المفاوضات على اتفاقية إيقاف تنفيذ حماية براءات الاختراع الخاصة باللقاحات ضد كورونا. وهذه فضيحة مدوية أبطالها الدول الغربية بالدرجة الأولى، قدمت إفريقيا الجنوبية والهند طلبا في أكتوبر 2020 من أجل إيقاف تنفيذ حماية براءات الاختراع الخاص بكورونا وجميع المنتجات ذات الصلة قصد تصنيع أدوية جنيسة وتسويقها في جميع دول الجنوب، سنتان وهذا الطلب يجوب دهاليز المنظمة التجارية العالمية الحالكة، حيث كان يخشى نور الوضوح والشفافية، من كان وراء إقباره؟ الدول والشركات الغربية التي جاهدت بكل قواها من أجل رفضه وتمييعه، وحتى لا ينفضح هذا البهتان والتدليس روجت لهذه المصادقة أنها بمثابة "نجاح باهر". ولكن في الحقيقة يمكن اعتبار هذا القرار بحل وسط رديئا والذي كان من ورائه بالأخص الاتحاد الأوروبي، جاء في أول الأمر هذا القرار جد متأخر، حيث زمرة من دول الجنوب ستبدأ بتصنيع اللقاحات اللازمة في الأشهر المقبلة، والمملكة المغربية من بينها، كما تحتوي ثانيا هذه الاتفاقية على العديد من المقالب والدسائس. قبل كل شيء دول الجنوب في حاجة ماسة لتصنيع أجهزة فحص كورونا سريعة وأدوية جنيسة، ولكنها غير واردة في الاتفاقية النهائية، صدقة عوض تضامن حقيقي، وهكذا تخدع دول الشمال دول الجنوب من جديد. انطلقت في الأسبوع الفارط في بون، ألمانيا، المفاوضات من أجل تحضير المؤتمر العالمي للمناخ الذي سيقام في نونبر 2022 في مصر، أمل ممثلو دول الجنوب أن تستجيب دول الشمال لطلبهم من أجل إدراج ميكانيزمات جديدة لجبر الضرر الذي لحق بدول الجنوب جراء تغير المناخ، لأن دول الجنوب هي أكبر متضرر من أزمة المناخ ولو ليس لهم أي دخل في هذه الفاجعة الكونية، أكثر من 1,2 مليار نسمة تعيش في إفريقيا، ولكن لم تساهم هذه الدول منذ الثورة الصناعية نهاية القرن الثامن عشر إلا ب %2,7 في ما يخص انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. فمن سيدفع تعويضات للمغرب جراء الجفاف ولجميع دول الجنوب التي تعاني من المجاعة، الحروب الأهلية من أجل لقمة العيش، الهجرة والفقر؟ أكثر من 260000 طفل وافتهم المنية في إفريقيا الشرقية في 2021 نظرا لندرة المياه وارتفاع الحرارة. جل دول الجنوب تطالب بإنشاء صندوق خاص باسم "الخسارة والضرر"، ولكن دول الشمال، وبالأخص الاتحاد الأوروبي ما زال يحارب هذه الفكرة، لأنه يخشى مطالبات التعويض عن الأضرار من دول الجنوب، علاوة على ذلك لا يريد وزراء المالية الأوروبيون فتح صنبور موارد جديدة نظرا للوباء وتبعاته وحرب روسيا على أوكرانيا، وهكذا تشعر ساكنة الجنوب بأن التدرج الهرمي حقيقة عنيدة ومرة، وحياة الفرد ليس لها نفس القيمة كما هو الحال في دول الشمال، ويمكن الاستغناء عنها بأريحية مطلقة، كما تتعامل الخارجية الفرنسية مع المواطنين المغاربة ؛ خبير؛ إطار أو لاجئ لأسباب اقتصادية: "نَوْ فيزا".