هناك نكتة إيطالية تتحدث عن رجل عجوز وزوجته دخلا بسيارتهما إلى أوتوستراد، وبعد خمس دقائق سمعا على الراديو تحذيرا لكل السائقين مفاده أن هناك سيارة تسير في الاتجاه المعاكس، فالتفتت السيدة إلى زوجها وقالت: وهل هي سيارة واحدة؟ كل السيارات هنا تسير في الاتجاه المعاكس. نكتة تلخص فعلا ما يقوم به نظام دولة تعادي كل جيرانها وتعامل الجميع بعدوانية منقطعة النظير، ومع ذلك فنظامها مؤمن بأنه على صواب وبأن العالم بأسره (عدا فنزويلا وكوريا الشمالية) على خطأ. طرد الصحافيين المغاربة من ملتقى وهران للألعاب المتوسطية، هو مجرد حلقة أخرى في عملية الاستفزاز المستمرة التي يمارسها نظام يسيره مجموعة من الشيوخ المراهقين الذين يسيئون لبلدهم قبل أن يسيئوا للآخرين. بالطبع هذا النظام، ومثل العادة، سيجد من الأعذار ما يكفي ليبرر به تصرفه الأهوج. كما أن وسائل إعلامه "المشهود لها" بالمهنية، ستكرر ما ستفتيه عليها "السلطات العليا" من أن هؤلاء "عملاء للمخزن المغربي ومستأجرون قدموا إلى وهران خصيصا لإفساد عرسها الرياضي الكبير"... الخ من التعابير التي ألفناها من أبواق نظام لا تحسن سوى شتم وسب كل من لا يسبح بعظمة "القوة الضاربة في المنطقة". الواقع أنه بالنسبة لهذا النظام، كل الصحافيين في العالم بأسره، بمن فيهم الجزائريون، هم عملاء للمخزن بمجرد أن يتفوهوا بكلمة واحدة خارجة عن القاموس الرسمي الذي قررته ثكنات العسكر والذي على الجميع أن يلتزم به وإلا فإنه جزء من المؤامرة المخزنية الصهيونية الرأسمالية الماسونية السريالية التي تستهدف نظام جارتنا الشرقية. أكيد أن المسار الرسمي المغربي الذي اختار "النخال" أمام هذه الاستفزازات المتكررة، يبقى هو الأنسب لمواجهة هذا الهوس الذي يتصاعد تبعا لاستراتيجية تؤمن بأن الصراخ والعويل وقلة الأدب، دليل قوة وفحولة نظام تأكد للجميع اليوم أن هاجسه الحقيقي هو إلهاء شعبه بأمور هامشية كي يكرس وإلى الأبد ما يعرفه العالم بأسره: "كل الدول تمتلك جيشا ما عدا الجزائر حيث الجيش يمتلك دولة". ما حز في نفسي حقا هو مشاهدة بعض الرياضيين المغاربة الذين صدقوا "عفوية" الاحتفاء بهم في المطار بينما كان واضحا أن النظام الجزائري نظم كل شيء كي يبعث رسالة عبرهم بأنه يميز بين الشعب المغربي (الرياضيين) والمخزن (الصحافيين)، أسلوب متخلف عودتنا عليه آلة البروباغندا لنظام يشتم يوميا مصير شعبين توأمين بألاعيب أكل عليها الدهر وشرب. لقد اتضحت اللعبة: النظام الجزائري يحتاج إلى أعداء والجغرافيا "حشرتنا" مع جار لتحقيق هذه الغاية يقوم بغسل دماغ أبنائه ويملأ عقولهم بخطاب قومي شوفيني معادٍ للجميع. من يرد على هذا النظام فهو يسقط في فخ مهاتراته حيث يموت المنطق ويندثر العقل. إذن "النخال" واتركوهم يقولون ويفعلون ما يريدون من باب "إذا كان المتكلم أحمق فليكن السامع بعقله". لنتفرغ لقضايا بلادنا. لنفكر جميعا في أنجع الأساليب لبناء دولة تسير في اتجاه تحسين ظروف أبنائها. لنفتح مجالات الحرية على مصراعيها من أجل نقاش يخدم مصالحنا. كفى من تضييع الوقت مع نظام هاجسه الوحيد والأوحد منذ خروج المستعمر هو تخريب منطقة بكاملها لكي يقنع نفسه بأنه "قوة ضاربة". ولنبدأ من هنا. لنخصص التعاليق كلها للحديث عن مشاكلنا الحقيقية ولننسى نظاما عسكريا فاشلا تستهويه الصراعات الفارغة ولا يستحق سوى "النخال".