يوم 7 يناير 2012 فتحت الصين لأول مرة أبواب برلمانها، ليس لرؤساء دول أجنبية، بل ل 75 طالبا مهندسا صينيا تخرجوا للتو من المدرسة المركزية بكين l'école Centrale de Pekin بحضور وزيرين في الحكومة الصينية المكلفين بالتعليم وبالصناعة.
رمزية الاحتفال بتخرج هؤلاء المهندسين لم ترتبط بكونهم قضوا خمس سنوات من الدراسة بعد الحصول على الباكلوريا. فالصين تعرف في كل سنة تخرج 100 ألف مهندس، ولكن الرمزية ارتبطت بكون هذا الفوج هو أول فوج في العالم يتخرج من هذه المدرسة الفرنسية العريقة دوليا (أحدثت بباريز عام 1829) بعد أن فتحت لها فرعا بالصين بطلب من حكومة بكين حيث تتحمل هذه الأخيرة 50 في المائة من كلفة تسييرها، وهي كلفة لا تمثل شيئا بالنسبة للربح الهائل الذي ستجنيه الصين من تكوين سلالة من المهندسين سيغذون نهمها وتعطشها لسد حاجياتها في التطور الصناعي والنووي والمالي، بدليل أن سبعة من أصل عشرة طلبة بهذه المدرسة حصلوا على عقود عمل وهم في مقاعد الدراسة.
«فالصين دخلت في عهد الابتكار والتجديد، وتريد تكوين الكفاءات التي ستساعدنا على بلوغ ذاك الهدف» يقول مياو واي Miao Wei وزير الصناعة الصيني في حفل الاستقبال. وهي إيماءة إلى القطع مع التمثل السائد بالعالم من أن الصين هي «مصنع العالم» لإحداث صدمة حتى يصبح التمثل هو أن الصين أصبحت «منبت الابتكار».
استحضار هذا الدرس الصيني ومقارنته مع المغرب يبعث على التقيؤ بالنظر إلى أن كل أحزابنا تتهرب من تحمل تدبير حقيبة التعليم. إذ لاحظنا ذلك لدى تشكيل حكومة عباس الفاسي، ولاحظناها اليوم مع حكومة عبد الإله بنكيران. فرغم أن محمد الوفا الاستقلالي هو الذي يتولى الحقيبة، فإن هذه المسؤولية لم يتسلمها حزب الاستقلال كنصر وكشغف بل كغنيمة خاصة بعد أن رفض حزب العدالة والتنمية تسلم وزارة التعليم لعدم قدرته على تقديم أجوبة عملية وناجعة للمشاكل التي يتخبط فيها القطاع وبالتالي تتخبط فيها البلاد.
وهو (أي حزب المصباح) كان ماكرا واكتفى بالوزارات المنتجة ل «الهضرة» فقط حتى يتجنب المساءلة مع الشعب ومع التاريخ. فالصين التي أدركت خطورة التعليم وأهميته راهنت عليه مثلما راهنت عليه دول أخرى مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والبرازيل والهند، بالنظر إلى أن من يتحكم في قطاع التعليم يمكنه -في ظرف 10 أعوام- أن يغير طبيعة المجتمع. فالطفل الذي يلج للإعدادي وهو في سن 12 سنة يصبح فاعلا مدنيا وسياسيا واقتصاديا بعد تخرجه من الثانوي (18 سنة) أو من التعليم العالي (22 سنة)، وبالتالي فالحزب الذي يكون مسؤولا عن القطاع إما أن تقود سياسته في ظرف 5 أو 10 أعوام إلى تفريخ النجباء والصالحين أو إلى تفريخ اليائسين والانتحاريين و«لفنيانين» إن محمد الوفا منذ تعيينه وهو تائه في الزيادة في الأجور ومتعثر بين السلالم (تسوية السلم كذا وحذف السلم كذا ومراجعة السلم كذا)، وسقط كالفريسة بيد النقابات التي تمثل الهيأة التعليمية.
فالنقابات إذا كانت قد خلقت لتدافع عن المصالح المادية للمنتسبين إليها والضغط على السلطات لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب، فالعار هو أن ينكمش دور الوزير ودور الحكومة، ودور الحزب المسؤول عن القطاع في الاستجابة فقط لهذه المطالب دون القدرة على إحداث الرجة والوثبة داخل المجتمع ليكون التعليم هو الرافعة التي تمكن المغرب من الترقي مثلما فعلت سنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل التي كانت في أدنى مستوى مقارنة مع المغرب عام 1973 فإذا بها اليوم تعد من بين أكبر الاقتصاديات في العالم.
فالوزير محمد الوفا كان سفيرا للمغرب في الهند والبرازيل ورأى بأم عينيه ما كسبته هاتين القوتين من خلال التعامل البراغماتي مع قطاع التعليم الاعدادي والثانوي، وكيف أصلحتا القطاع ليتماشى مع الرهانات العالمية، لدرجة أن الهند أضحت اليوم هي كعبة تكنولوجيا المعلوميات في العالم بينما البرازيل مملكة بريطانيا من عرش سادس قوة اقتصادية، في حين أضحى المغرب أضحوكة العالم في تخريج العاطلين من الجامعات والمعاهد رغم أنه يخصص 25 في المائة من ميزانيته للتعليم. ف 8 في المائة من الطلبة الجامعيين بالمغرب هم المسجلون فقط في الإجازات المهنية، في حين يتم تكوين الباقي (92 في المائة) ليذهب للشارع.
ملحوظة هامة
للإنصاف، الوزير رضا الشامي هو السباق لحث المسؤولين للتعاقد مع المدرسة المركزية بباريز L'école Centrale de Paris لتفتح فرعا لها بالدارالبيضاء وهي الخطوة التي ساندها قدماء المدرسة مثل حميد بنفضيل مدير المركز الجهوي للاستثمار بالدارالبيضاء وسعد الابراهيمي مدير القطب المالي بالبيضاء وبارك الملك الخطوة وكان مقررا أن تبدأ الدراسة عام 2011 لكن عدم توفر المغرب على مسؤولين من عيار كبير يلتقط الإشارات لإخراج المشروع إلى حيز الوجود أدى إلى تجميد الملف! (انظر «الوطن الآن» عدد 460) تنشر افتتاحية "الوطن الآن" في "كود" باتفاق مع الناشر الخميس 8 مارس 2012 العدد 464