بمناسبة مرور عام على تأسيسها، تلقت حركة 20 فبراير هدايا من المحبين والمعجبين. كثيرون لم يدعوا الفرصة تمر دون أن يبعثوا بالهدية المناسبة لعيد الميلاد الأول الذي يصادف العشرين من الشهر الثاني من هذه السنة. ما أثارني هو إصرار البعض من المهنئين على أن يجعل هديته باقة من الدروس إلى شباب الحركة. مرة، بدعوتهم إلى تقييم التجربة. ومرة أخرى، بدفعهم إلى إجراء نقد ذاتي. ومرة ثالثة، بدعوتهم إلى توقيف تظاهراتهم الأسبوعية، ورابعة، بتحريضهم على توقيع شهادة الوفاة... والحال أن المناسبة تخليد ذكرى الميلاد وليس تقييد الوفاة! وقديما، قال فقهاؤنا: "المناسبة شرط".
ولأن المناسبة شرط، فالأحرى بنا أن ننصت لهذه الحركة، وهي تخلد مرور عامها الأول. الأحرى بنا أن نترك شبابها يحكون عن السنة الأولى من عمرها وعمرهم في هذا الزمن الجديد. لقد حاول البعض، قبل عام، أن يئدها. واليوم، يسعى آخرون إلى مصادرة حقها في الوجود!
منذ تأسيس هذه الحركة، بل وقبل خروجها إلى الوجود، وهي تتعرض لمحاولات الإقبار. هناك من سعى إلى إجهاضها، قبل أن ترى النور، بدعوى أن المغرب ليس في حاجة إلى مثل هذه الحركات التي تنسب إلى "الربيع العربي". وكلنا يتذكر أطروحة "الاستثناء المغربي"، التي كانت تستبعد بالمطلق أن يتفاعل المغاربة مع ما تشهده المنطقة العربية. وحين حل يوم 20 فبراير من السنة الفارطة، اتضح زيف هذه الأطروحة، التي كان دعاتها يطالبون، في "دروسهم" إلى شباب الحركة، وهي تتهيأ للخروج إلى الوجود، بالرجوع إلى "الرشد" والتراجع عن "الغي".
وبعد 09 مارس 2011، الذي رد فيه الملك على حركة 20 فبراير بالإعلان عن إجراء تعديلات دستورية، ظهر، من جديد، "متطوعون" بدروس مجانية إلى الحركة، داعين الشباب المطالب بالملكية البرلمانية وبإسقاط الفساد إلى حل حركته، والانخراط في "حركة" تعديل الدستور التي شكلها الملك، بدعوى أنها تجاوبت مع مطالبه ومع مطالب الثورات العربية. وبسرعة، أصبح لأطروحة الاستثناء المغربي معنى آخر. فمن المعنى الذي يفيد بأن المغاربة لن يخرجوا إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة بإقرار نظام ديمقراطي، إلى المعنى الذي يفيد بأن المغرب تميز لوحده، في المنطقة العربية، بإنجاز "ثورته" بشكل هادئ وسلمي، وبأن الدولة تفاعلت مع "الثوار" المغاربة، حين سارعت إلى إقرار التعديلات التي ضمنت الانتقال السلمي إلى الديمقراطية. مثل هذه الدروس سيعاد تكرارها بعد فاتح يوليوز 2011، تاريخ إجراء الاستفتاء على الدستور، وبعد 25 نونبر 2011، تاريخ الانتخابات التشريعية، وبعد تعيين "الزعيم الإسلامي" رئيسا للحكومة. لم تنفع كل هذه الدروس في إقبار حركة 20 فبراير. فتحول بعض أصحاب الدروس إلى مدافعين عن الحركة ومنافحين ضد "هيمنة تيار أصولي متشدد له أجندته الخاصة..."، كما شاع فجأة. وأصبح الدرس الذي يلقن إلى شباب الحركة، هذه المرة، هو العمل من أجل التخلص من هذا "العنصر الدخيل"، الذي يريد أن يستغل الحركة لتحقيق أغراضه الخاصة.
انسحب إسلاميو العدل والإحسان من الحركة، ودخل إسلاميو العدالة والتنمية إلى الحكومة. وبقيت حركة 20 فبراير حية ترزق، تخرج إلى المظاهرات وتمشي في الشارع كل أسبوع، متشبثة بشعاراتها ومطالبها.
لكن من كان "ينصح" ب"تطهير" الحركة، سيتحول، بعد انسحاب العدل والإحسان، إلى التلويح بحجم المشاركين في المسيرات، كمظهر من مظاهر ضعف الحركة. وبالموازاة مع ذلك، أصبحت وسائل الإعلام الرسمية والسائرة على هديها تتنافس في تقديم أصغر رقم للمشاركين في مسيرات الحركة، باعتباره الحدث الذي تصنعه الحركة خلال مسيراتها الأسبوعية، وليس استمرارها في النزول إلى الشارع وما يعنيه ذلك من رفض لما قدمته الدولة.
حين كانت المسيرات ضخمة، كان أصحاب الدروس يحسبون الأعداد الغفيرة على العدل والإحسان، وكان هذا الوضع يدرج ضمن سيئات الحركة. ف"قوة حركة من هذا النوع لا تتمثل في الكم، بل في طبيعة شعاراتها ومطالبها. وبالتالي، لا حاجة لها بإسلاميين متطرفين ومتشددين لن يعملوا إلا على تشويه صورة شباب مغربي ديمقراطي حداثي، نهض ليدافع عن الديمقراطية والحرية والكرامة"، هكذا تكلم "ملقنو الدروس".
وحين أصبح عدد المشاركين أقل مما كان عليه في السابق، بعد انسحاب العدل والإحسان (وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل أو كاذب)، أصبح للكم أهميته للحكم على مدى امتداد الحركة في المجتمع ومدى استقطابها لأغلبية فئات المجتمع. وأصبح عدد المشاركين في المسيرات الأسبوعية يُقرأ على أن الناس ابتعدوا عن الحركة بعدما رأوا أنها تدور في حلقة مفرغة، بعد أن استجابت الدولة لمطالبها. فما عليها إلا أن تنخرط في هذا المسلسل الجديد للانتقال الديمقراطي!!
لا تعكروا على الشباب صفو هذا العيد. ولا أظن أنه الى في حاجة إلى دروس من قبيل الدروس التي يقدمها إليه البعض. والأحرى أن يستفيد أصحاب الدروس المجانية من دروس الشباب التي تصنع الواقع. أتعرفون لماذا؟ لأن شباب هذا الزمن الجميل يتلقى دروسه من الواقع، واقع المجتمع، ويعرضها في الشارع على العموم، وبدون خوف أو مراوغة. ولو اتبع شبابنا هذه الدروس المجانية، لما كان أسس أصلا حركة بعنوان "20 فبراير".
لقد دخلت حركة 20 فبراير التاريخ. ومن دخل التاريخ لا يبرح الحاضر ولا المستقبل. فليطمئن كل متلهف لإقامة الجنائز. افتتاحية "الحياة"، بتاريخ 23 فبراير 2012 تنشر في "كود" باتفاق مع الكاتب