رمضان في سان بطرسبورغ… شمس منتصف الليل وصلتُ قبل المنتخب الوطني إلى مدينة سان بطرسبورغ. وبما أننا في شهر رمضان، فقد انتظرت الغروب، لأفطر، لكنه لم يأت. ومرت الساعة السابعة ولم يأت. ومرت الثامنة، والتساعة، والعاشرة، ثم دقت ساعة منتصف الليل ولم يأت. ولا تلفزيون أنتظر فيه أذان المغرب. ولا قناة أولى تخبرني بأذان المغرب حسب توقيت سان بطرسبورغ وما جاورها. ولا مسجد. ولا نفار. ولا زواكة. ولا علامة. ولا ظلمة. ولا حلكة. ولا قمر. ولا هلال. ونور الله ساطع في الليل. كما الغبش. كما السادسة صباحا عندنا في المغرب. كما الوقت الذي نستيقظ فيه في الصباح لنتوجه إلى أعمالنا. قبل أن أتاكد أن الليل غير موجود في سان بطرسبورغ. وتكون هناك شمس. وتقترب من الغروب. وتحاول أن تغادر مفسحة الطريق للقمر. ثم تحرن. وكأن شخصا يأمرها بأن تثبت في مكانها. وكأنها لا تقوى على الحركة. وكأن يدا خفية تجرها. ولا تسمح لها بالذهاب. ولا تطلبوا مني أن أشرح لكم هذه الظاهرة علميا، لكن صدقوني أن الليل غير موجود، حيث أنا الآن موجود، من أجل تشجيع المنتخب الوطني. ولا أعرف إن كان رمضان موجودا في هذه البلاد. وقد تصوم في سان بطرسبورغ شهرين متتاليين ولا يظهر الغروب. وقد تجهز مائدتك بالحريرة، والشباكية، وبما لذ وطاب، وتجلس، ولن يأتي الغروب، في ظاهرة تمتد من شهر ماي إلى يوليوز، ويسمونها هنا، “الليالي البيضاء”. ولا شك أن مسلمين هنا في سان بطرسبورغ. ولا شك أنهم يصومون. ولهم مساجد. وفي الغالب أنهم توافقوا على غروب ما. لكنه غير موجود. وإذا كنت غريبا مثلي، وحاولت أن تنتظره، بالاعتماد على غروب الشمس، فتأكد أنك ستموت من الجوع. وحتى هذا الذي يسمونه غروبا، وبمجرد أن تفطر، فإن لا وقت لديك للصلاة، ولا للخروج، ولا للجلوس في مقهى، ولا للتفرج في السيتكومات الشيشانية، إذ يأتي بعد العاشرة، وقبل أن تهضم ما ابتلعته، وقبل أن تتجشأ، وقبل أن تستلقي، يكون موعد السحور قد حل. وتعال يا صيام. ومرحبا بيوم جديد كله نهار. ولا ليل في هذه المدينة”لتسكنوا فيه”، ولا ليل يولجه الله في النهار، ولا “زلفا من الليل” لتقيموا الصلاة فيها. ونور على مدار الساعة. نور أبدي. وليل أبيض كالنهار. وما أقسى أن تكون مسلما في سان بطرسبورغ. وما أصعب الصيام، حيث الليل لا يغشي النهار، بل يتمازحان، ويتمازجان، ويتحابان، والليل تظنه نهارا، ويقبض عليه من ذيله، ويفرض عليه أن يخرج معه. وأن يضيء طريقه المظلم. وفي ظل هذه الأجواء أنتظر مقابلة المنتخب المغربي. محروما من الليل. ومن نعمة الليل. لأسكن فيه. وأنام. أما الأكل في سان بطرسبورغ. فكاية لوحدها. وشرحها يطول. وقد اشتريت حبة بطاطا كبيرة. تبدو من منظرها أنها مقشرة ومقلية. و للمافجاة. فقد وجدت بداخلها دجاجة. ولم يكن أمامي من خيار آخر، ولم يكن لي من وقت لأتأكد ما إذا كانت حلالا أم حراما. ولم أدر هل أكلتها في السحور، أم أفطرت بها، أم تعشيت. ولم أعرف هل أنا صائم أم لا. وهل أكتب لكم في الليل، أم في النهار، وهل أنا في اليوم أو الغد، أو أمس.