الكثيرون في الآونة الاخيرة صاروا يتساءلون عن السبب الذي يجعل حراك الناظور فاشل مقارنة بحراك الحسيمة، وفي ظل غياب أي معطى واقعي لكلام هؤلاء يظل الفشل لصيقا بحراك الناظور، في الوقت الذي يتوجب النظر إلى عمق المدينتين والتأكيد على أن الاختلاف بينهما كبير جدا، حتى وإن كانا ينتميان إلى نفس الرقعة الجغرافية. الناظوروالحسيمة توأمتان لا تتشابهان الريف الحقيقي لا يتلخص في ثلاثة أقاليم والواقع أن الريف بمنظوره الكبير يمتد من مدينة السعيدية إلى تخوم طنجة لكنه بات اليوم محصورا من حدود بركان إلى حدود شفشاون، وتلخص في ثلاثة أقاليم تتنازع الريادة فيها بين الناظوروالحسيمة، ويقع الاختلاف بين المدينتين في الكثير من مناحي الحياة، إذ أنه في الوقت الذي همش النظام المغربي منطقة الريف بعد الاستقلال، لم تتمكن مدينة الحسيمة ونواحيها من تنمية إقتصادها ولو بشكل غير قانوني، في الوقت الذي إنتهج إقليمالناظور (الذي كان يضم أيضا الدريوش سابقا)، قانونا لنفسه وأصبح بالفعل كإمارة ظاهرها حكم مغربي وباطنها حكم اللاقانون، وهو الامر الذي جعل الدولة تتغاضى عن السيبة التي طبعت الاقليم لسنوات طويلة، إذ لا يمكن في أي مدينة مغربية أن تجد الكم الهائل من السيارات التي لا يملك صاحبها أي ورقة ثبوتية أو مزورة بقدر ما تجدها بالناظور، وهذا المثال البسيط يبين حجم التسيب الذي كان يطبع تعامل الدولة مع ساكنة الاقليم إلى عهد قريب، كون الدولة كانت المستفيد الاكبر من هذا النهج لكونها تعي جيدا أن خارق القانون الذي يعمل في التهريب بسبب التهميش الاقتصادي والذي أنجب لنفسه إقتصادا غير قانوني ليستطيع البقاء بدل العيش الكريم، لا يمكنه في أي حال من الاحوال أن يجابه الدولة، أو يتمرد عليها. في الجانب الاخر كانت الحسيمةالمدينة التي لا تملك أي مقومات لا جغرافيا ولا إجتماعيا تجعلها شبيهة بالناظور، مدينة ظلت منغلقة على نفسها وشبيهة بمائة عام من العزلة لصاحبها غابرييل غارسيا ماركيز، وبينما ساهمت هجرة ساكنة المدن إلى الناظور من أجل العمل في التهريب المعيشي، وإنصهار الناظور مع كل الثقافات التي قدمت للمدينة، ظلت الحسيمة متشبثة بكل ما هو هوياتي وثقافي أكثر من الناظور، زد على ذلك أن الحصار الاقتصادي الذي ضرب المنطقة كان أكبر متضرر منه هو إقليمالحسيمة، الذي بقي طيلة عقود يعيش على تحويلات المهاجرين، بينما كان إقتصاد الناظور مبني بشكل أساسي على كونه قبلة للبلدان المغاربية سنوات التسعينات ثم قبلة لكل المغاربة للتسوق، إضافة إلى كونه سوقا كبرى لتصدير السلع المهربة لكافة مناطق البلاد وممر لتهريب المخدرات، هذه الاعتبارات جعلت المدينتان تكونان توأمان في الهوية واللغة لكنهما مختلفتان تمام الاختلاف في طبيعة التعامل مع النظام. طرق مواجهة الدولة للاشكال الاحتجاجية بالناظوروالحسيمة بحكم القرب الجغرافي من مليلية المحتلة، والعقلية الصعبة المراس لأبناء الناظور، جعل النظام يتعامل بنوع كبير من الليونة مع منطقة الريف كاملة خلال العهد الجديد، سيما مدينة الناظور، وبالعودة إلى إحتجاجات 20 فبراير سيجد المتتبع أن كل المدن المغربية بما فيها الحسيمة عرفت تعنيف المحتجين إلا مدينة الناظور التي ظل تعامل الدولة معها بليونة كبيرة، وبالنظر إلى إحتجاجات المعطلين يتبين أن المرة الوحيدة التي تعاملت فيها الدولة بعنف مع هذه الفئة كانت نتائجها غير طيبة للدولة المغربية، سيما بعد تنظيم عشرات الاحتجاجات من قبل الجالية الريفية في أوروبا والتصعيد ضد المغرب، إضافة إلى تهديد المعطلين بحرق جوازات السفر وطلب اللجوء لمليلية المحتلة، بينما عرفت الحسيمة عنفا كبيرا في 2011 ثم 2012 وكان تدخل الدولة بعنف إشارة واضحة للكيل بمكيالين بين الناظوروالحسيمة. التمركز المخابراتي التمركز المخابراتي بالناظور لا يوازيه سوى التمركز في الصحراء أو قد يكون الناظور أكثر من الصحراء، يأتي هذا بسبب التمركز المخابراتي الاسباني بالاقليم، ومحاولاته إيجاد موطئ قدم داخل المجتمع المدني والسياسي، ولعل التعاملات والتسهيلات التي يلقاها سياسيين وجمعويين واعلاميين من طرف القنصلية الاسبانية يترجم لمحاولة التقرب منهم، وهو ما جعل المخابرات المغربية تركز على هذه النشاطات، الامر الذي يجعل الحرب الدائرة في إقليمالناظور بين المخابرات المغربية والاسبانية، ومحاولة الاخيرة معرفة كل كبيرة وسغيرة عن الاقليم عبر هؤلاء السياسيين والجمعويين والاعلاميين، تعطي خاصية أمنية للناظور عكس باقي المناطق. القوة المالية غير ما مرة إحتل الناظور الرتبة الاولى في حجم الودائع بالابناك وحسب إحصائيات سابقة وصلت وكالة بنكية واحدة داخل الناظور لحجم ودائع قدر ب2 مليار درهم، ما يعني أن ساكنة الاقليم جيوبها مليئة لكنها لا تستثمر، يظهر هذا جليا من حيث عدد الوكالات البنكية التي تعتبر الاولى وطنيا مقارنة بتعداد الساكنة، في الوقت الذي لا توجد هذه القوة المالية في الحسيمة، والتي عانت من قلة مناصب الشغل الامر نفسه ينطبق على الناظور لكن بشكل مختلف، إذ أن الناظوريين أوجدوا لأنفسهم أعمالا في ظل تجاهل الدولة. لماذا نجح الحراك في الحسيمة ولم ينجح في الناظور؟ طبيعة السؤال هي في الاصل خاطئة، لا يمكن في الاصل مقارنة مدينتين تبعا فقط للبعد الجغرافي أو الهوياتي، المدينتين منفصلتين تمام الانفصال، يكفي أنهما كانا مبرمجين ليكونا في جهة واحد هي جهة الشرق، ليخرج ساسة الحسيمة للمطالبة بإلحاقهم بطنجة وفصلهم عن اريف، في الوقت الذي صمت عن الامر كل الذين يحتجون اليوم، أضف إلى ذلك أن ما يتم إنجازه بالناظور من مشاريع سياحية لم يغضب ساكنة الناظور، في الوقت الذي إعتبر قادة الحراك أن جلب الخليجيين إلى الحسيمة للاستثمار السياحي أمر غير مقبول، ما جعل الزفزافي غير مرة يطلق مسمى "بطارقة الخليج" على أغنياءها وحتى أمراءها الذين زارو الحسيمة. وإذا كان نجاح الحراك رهين بحجم المشاركين فيه، وليس بالعديد من العوامل الاخرى المتداخلة في الامر فكان الاولى أن يتم إعتبار ثورة سوريا ناجحة وهي التي تحولت اليوم إلى أكبر بؤرة للدمار والتخريب والارهاب، وهنا يتضح التخوف الامني المتواجد بالناظور عكس الحسيمة وإن كان غير ظاهر، وعودة إلى الوراء يكتشف القارئ أن أول زيارة قام بها الزفزافي للناظور إنتهت بتدخل البلطجية بالسيوف، وذلك لمنع تمدد الحراك نحو مدينة الناظور، التي قد تقود الحراك فعليا نحو المجهول زد على ذلك أنه رغم قلة المحتجين إلا أن الدولة تتعامل معهم كهاجس أمني ويتكرر تدخل البلطجية زيادة على محاصرة آخر مسيرة إحتجاجية. وفي خلاصة الامر فإن ساكنة الناظور لا تشارك في الحراك ومن الصعب أن تشارك فيه ليس خوفا بالدرجة الاولى، وإن كان هذا الامر متواجد من ناحية الخوف على مستقبل المدينة، ولكن لعدم توافر الشروط الكاملة لقيام إحتجاج يترجم إلى حراك فعلي يجعل المدينة تخرج عن بكرة أبيها لتطالب أو تحتج. ورغم كل ما سبق فإن الناظور تظل المدينة الاكثر قابلية للاشتعال وعلى عكس رفع شعارات السلمية وعدم الانفصال بالحسيمة، فإن الناظور قد تنهج أسلوبا أكثر تصعيدا في حال توافر شروط هبوط مستوى المعيشة وإنتشار البطالة بشكل مهول، وهو الامر الذي قد تصل إليه المدينة في غضون السنوات المقبلة إذا إستمر تضاءل تحويلات المهاجرين وتهريب المشاريع الاقتصادية من الناظور نحو جهات أخرى، وهبوط في مستوى التهريب من مليلية ومحاصرة تهريب المخدرات بينما لا تحاول الدولة بشكل فعلي إيجاد حلول بديلة وشرعية لمشكل الاقتصاد المتدني الذي أصبح يظهر تدريجيا منذ سنة 2008، وهنا يبقى على الدولة أن تفعل إستراتيجية الضربات الاستباقية، لأن الناظور كما أسلف الذكر ليست كباقي المدن وهذا أمر تشير إليه بكل تأكيد التقارير الامنية المرفوعة إلى الرباط.