في بداية فتح ملفات سنوات الرصاص مع الإنصاف و المصالحة بعد رحيل الحسن الثاني و بداية حكم محمد السادس طلب مني الصديق و الرفيق سعيد باعقيلي مرافقته إلى الدارالبيضاء في ملف لم يكشف لي فحواه سوى بعد أن ركبنا القطار. كان سعيد الذي فرفته في " أنوال" في بداية صدورها اليومي بيحث عن بقايا حقيقة مصير والده المختطف و المجهول المصير في السبعينات..
كان علي المانوزي يعرف محمد باعقيلي المناضل السوسي الذي عاش فترة في الدارالبيضاء و مارس العمل السياسي .
و كان سعيد باعقيلي الذي يتذكر صورا قليلة عن والده المختطف محتاجا إلى شهادة المانوزي ليقدمها إلى هيئة الإنصاف و المصالحة في ملف الإخفتاء القسري للأب المجهول المصير الذي خرج و لم يعد و بقيت الجدة والدته في سوس تنتظر ابنها و لم تصدق انه أختطف و اختفى في ظلام زنازن مجهولة ..
حكى لي سعيد أن الجدة في سوس كانت المسكينة تقف يوميا عن مدخل القرية في الجبل و تقول للناس أن ابنها قادم سيعود و هي تنظر إلى الطريق و إلى الأفق..لا يمكن لأم فقدت ابنها في ظروف مجهولة غامضة أن تصدق انه خرج و سوف لا يعود إلى الأبد قمة الألم ..غصة فظيعة مثل شلالات من الحزن و الفقدان تغطي الروح مثلما تغطي موجة عاتية صخرة على بحر..
. و صلنا دار الحاج المانوزي في كازا و كنا على موعد معه فوجدناه في انتظارنا بشوشا في كامل عنفوان حسه و ذاكرته رغم السن و الشيخوخة و تقلبات الزمن بمجرد ما رأى ملامح وجه سعيد باعقيلي عرفه :..ياك باعقيلي ما في شك ؟؟ قال لنا.. سعيد صورة طبق الأصل للوالد .. العيون و الضحكة و القامة القصيرة و كل شيء..
ذهبنا نحن الثلاثة إلى المقاطعة القريبة حيث صادق المانوزي على الوثيقة الشهادة التي تقول و تشهد أنه عرف عن قرب محمد باعقيلي والد سعيد في معتقل الكوربيس و في فترات أخرى و أنه يشهد بإختطافه و اعتقاله كباقي ضحايا سنوات القمع و الرصاص..
خرجنا من المقاطعة و أوصلنا الحاج إلى سكناه في لحظة يمتزج فيها الحزن بالدهشة.. قبل توديعه على باب الدار قال له سعيد: سأعود إن شاء الله لأراك قريبا شكرا جزيلا الحاج..
كان جواب المانوزي بسيطا و صادقا و عميقا يحمل من الصراحة بقدر ما يحمل من الحب..قال الحاج علي لسعيد : سير الله يوفقك أولدي ..ما ديرنا غير الواجب,وأما عن عودتك لزيارتي فمرحبا بك متى شئت رغم أنني أعرف انك سوف لن تعود مثلما فعل الآخرون".. قالها بكامل الصدق و المودة و الرأفة ...
اختطف حسين المانوزي ابن علي المانوزي في عام 1972و ظل مجهول المصير إلى الآن..
أما سعيد باعقيلي فقد جاءني يوما قبل سنوات إلى المكتب و أجهش بالبكاء يقول لي في خلوة : لقد قالوا لنا في الإنصاف و المصالحة أن الوالد مات و هو معتقل .. و انتهت الحكاية في صمت..ليس للمختطف المانوزي كما للمختطف باعقيلي قبرا..